العلاقات الفلسطينية ـ الأردنية المشكلة ليست هناك!

تاريخ النشر: 05/11/15 | 6:52

كشفت الخلافات العلنية بين القيادتين الأردنية والفلسطينية حول تقييم التفاهمات التي أعلنها جون كيري في ما يخصّ المسجد الأقصى، عن وجود أزمة في العلاقات بينهما. وإنْ لم يُسارَع إلى معالجة هذه النتوءات من خلال عقد لقاءات على المستويات كافة، يمكن أن تصل العلاقات البينية إلى مأزق لا يصبّ في مصلحة الشعبين والقيادتين على السواء.
وقد شهدت العلاقات بين القيادتين تحسنًا كبيرًا في مرحلة ما بعد التوقيع على «اتفاق أوسلو»، وبلغت مرحلة ذهبية في عهد الرئيس محمود عباس، خصوصاً إثر عقد اتفاقية بينهما بخصوص مدّ الرعاية الأردنية للأوقاف الإسلامية إلى الأوقاف المسيحية، ونتيجة اتخاذهما موقفاً موحداً من التعنت الإسرائيلي الذي أفشل مبادرات استئناف المفاوضات.
وقد أدى هذا الأمر الأخير إلى تردي العلاقات الأردنية – الإسرائيلية إلى حد رفض العاهل الأردني تلقي اتصالات هاتفية عدة من قبل نتنياهو خلال شهر أيلول الماضي. ودفع ذلك نتنياهو إلى إبلاغ لجنة «الخارجية والأمن» التابعة للكنيست بأن العلاقات مع الأردن مهدّدة بالتدهور أكثر ما لم تتم تهدئة الوضع في الأقصى.
كما ظهرت متانة العلاقات الأردنية – الفلسطينية في القناعة المشتركة بعدم وجود إمكانية لإحداث اختراق أو أي تقدّم حقيقي في المفاوضات، خصوصًا في ظل وجود نتنياهو في سدة الحكم في إسرائيل.
ولعل المراوغة التي أظهرتها إسرائيل في ما يخص تفاهمات كيري تمثل أكبر دليل على ذلك. فقد جاءت التفاهمات مبهمة وقابلة للتفسير كما ترغب إسرائيل، علماً أن الحفاظ على الوضع الراهن من دون تعريفه بدقة كما جاء في الاتفاقيات، يختلف عن العودة إلى الوضع التاريخي. ففي الوضع الراهن الذي كرّسته التفاهمات، أصبحت إسرائيل شريكة في كل شيء، بما في ذلك تركيب الكاميرات، وأخذت الحق في السماح بزيارات أصحاب مخططات عدوانية معلنة إلى الأقصى. أما في السابق، فقد كانت الأوقاف الأردنية هي التي تقرر وحدها من يسمح له بالدخول للصلاة أو للزيارة.
لقد بدأ الخطأ الفلسطيني الفادح والأكبر منذ توقيع «اتفاق أوسلو» بكل ثغراته، بما فيها تأجيل البت في القضايا الأساسية، لا سيما القدس وما تتضمنه من مقدسات، إلى المفاوضات النهائية، ما ساعد إسرائيل على تغيير معالمها والادعاء بأنها أرض إسرائيلية، أو على الأقل أرض متنازَع عليها. علماً أن الاعتداءات والاقتحامات للمسجد الأقصى بلغت ذروتها في العامين الأخيرين، في ظل شروع الحكومة الإسرائيلية في تطبيق التقسيم الزماني تمهيدًا للتقسيم المكاني، ومن ثم لهدم الأقصى وبناء «هيكل سليمان» بدلًا منه عندما تتوفر ظروف تسمح بذلك، وفق خطط معلنة يتحدّث عنها ويسعى لتنفيذها وزراء في الحكومة الإسرائيلية وأعضاء «كنيست» وقادة أحزاب ورجال الدين.
كل ما سبق ذكره يستوجب بلورة موقف أردني فلسطيني مشترك يمنع تكريس الوضع الراهن ويحفظ الأقصى. علماً أن هناك من الدلائل ما يشير إلى أن مصير التفاهمات الجديدة لن يكون مختلفًا عن مصير المعاهدة الأردنية – الإسرائيلية والتفاهمات السابقة، بدليل استمرار الاقتحامات اليهودية للأقصى في الأيام الأخيرة بعد هذه التفاهمات.
إن الأردن وفلسطين في مركب واحد. وهذا يتطلب موقفاً موحداً، يقوم على أساس الدفاع عن حق الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن بالتحكم بالزيارات إلى الأقصى، على اعتبار أنه مسجد إسلامي وليس مكانًا متنازعًا عليه، لا سيما بعد استخدام كيري في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه عن التفاهمات مصطلح «جبل الهيكل» ثماني مرات عند كل إشارة إلى الحرم الشريف.
إن الصراع على الأقصى وبقية المقدسات الإسلامية والمسيحية ليس في جوهره صراعًا على العبادة، إنما صراع على السيادة، وعلى الفلسطينيين والأردنيين تفويت الفرصة على نتنياهو الذي يريد أن يحدث وقيعة بينهما.
في هذا السياق، تكتسب الموجة الانتفاضية التي اندلعت، ومركزها القدس، أهمية بالغة، لأنها أبرزت المخاطر التي تتهدد الأقصى، وساهمت في إحداث نوع من التراجع الإسرائيلي المحدود، ولأنها أوضحت أن القدس محتلة، وأن أَهلها لا يمكن أن يتعايشوا مع هذا الاحتلال. فانتفاضتهم والتضحيات التي يقدمونها دليل قاطع على أن الاحتلال لن يبقى إلى الأبد مربحًا لإسرائيل، بل يقترب الوقت الذي سيُصبِح فيه مكلفًا أو خاسرًا، وبصورة يضحي فيها الانسحاب وتفكيك المستعمرات الاحتلالية هو الحل الوحيد أمام الدولة العبرية.
إن استمرار التعلق بأوهام ما سُمّي «عملية السلام»، وانتظار نجاح المبادرات لاستئناف المفاوضات، والامتناع عن خوض المجابهة المفروضة من إسرائيل، لم ولن يؤدي إلى الحفاظ على الوضع الراهن ومنع تدهوره، بل من شأنه أن يساعد على حصول هذا التدهور.
إن الحل يكمن في اعتماد مقاربة سياسية جديدة من قبل الأردن وفلسطين وكل العرب، تقوم على تعزيز مقومات الصمود والتواجد البشري الفلسطيني على أرض فلسطين، وعلى مجابهة مخططات إسرائيل لتغيير الحقائق على الأرض من خلال توسيع الاستعمار الاستيطاني الذي يتزايد بمعدلات أكبر.
إن محاصرة هذا التمدّد الاستيطاني تتطلّب اعتماد استراتيجية تأزيم تجسّدها مقاومة مختلفة الأشكال، فتحافظ على طابعها الشعبي، وتحدّد أهدافاً تنظمّها قيادة موحّدة تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي، وتساهم في إطلاق – ولو بعد حين – عملية سلام جديدة مختلفة جذريًا عن تلك التي انطلقت بعد «مؤتمر مدريد» وأدّت إلى «اتفاق أوسلو» وما نحن فيه حاليًا، على أن تكون لها مرجعية واضحة وملزمة، بحيث يكون التفاوض لتطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ضمن سقف زمني قصير، وليس مفتوحاً إلى الأبد.
هاني المصري – السفير
xcd

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة