منظمة “إلعاد” تتسلل للأقصى لبناء الهيكل المزعوم
تاريخ النشر: 05/11/15 | 11:02رجح تقرير أعده طاقم الأبحاث في “كيوبرس” أن تشهد المنطقة المتاخمة والملاصقة للمسجد الأقصى على امتداد الكتفين الجنوبي والغربي، مزيدا من الاستهداف وتعميق تهويد المنطقة، وهي الأقرب إلى مناطق تقع فوق وأسفل الأرض من الجدار الجنوبي والغربي للأقصى. وأشار التقرير إلى أن السبب الرئيسي للخطر الداهم هو نقل صلاحية التشغيل لهذه المنطقة للمنظمة الاستيطانية “إلعاد” -الى مدينة داوود – بموجب قرار قضائي إسرائيلي صدر قبل أيام.
وبحسب التقرير فإن هذا القرار القضائي حسم نقاشاً ومرحلة أدت سابقاً الى نوع من الجمود منعت تنفيذ مخططات تهويدية واسعة، بسبب خلاف على توزيع الأدوار وصلاحيات لمنظمات استيطانية مختلفة في دوائر الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة، وهو القرار الذي سيدشن على ما يبدو لمرحلة جديدة لذراع احتلالي معروف في نشاطه الاستيطاني التهويدي لمنطقة محيط المسجد الأقصى وبالذات الحامية الجنوبية وهي بلدة سلوان، خاصة أن “إلعاد” تمتاز بقوتها المالية ويدها الطولى وارتباطها الوثيق بأذرع التخطيط والتنفيذ في الاحتلال الإسرائيلي.
الموقع الذي نتحدث عنه هو موقع استراتيجي وواسع، ويمتد على مساحة نحو 30 دونما (الدونم عبارة عن 1000 متر مربع)، ويمتد من الكتفين الجنوبي والغربي للمسجد الأقصى، ونقصد بالكتف الجنوبي كل المنطقة الواقعة من أقصى الزاوية الشرقية الجنوبية للجدار الجنوبي للمسجد الأقصى، الى أقصى الزاوية الجنوبية الغربية له، على عرض المنطقة الواصلة الى الشارع الفاصل بينها وبين بلدة سلوان – حي وادي حلوة. ويحتوي هذا الكتف المنطقة الخارجية للجدار الجنوبي للمسجد الأقصى، ومنها الجدار الخارجي للمصلى المرواني، والمحتوي على الباب الثلاثي، الباب المزدوج، والمنفرد، وثلاثتها مغلقة. كما يحتوي الموقع الجهة الخارجية للزاوية الختنية ومحراب الجامع القبلي المسقوف، والجدار الخارجي للمسجد الأقصى القديم، والجدار الخارجي لمسجد النساء وجزء من جدار مصلى المتحف الإسلامي، أما محتوى المنطقة الجنوبية فتضم منطقة حفرية واسعة من ضمنها بقايا دار الإمارة الأموية (القصور الأموية)، في عهد الخلافة الأموية.
أما الكتف الغربي، فنعني به المنطقة الممتدة من باب المغاربة للمسجد الأقصى وتلة المغاربة التاريخية، باتجاه الجنوب، وصولا الى الزاوية الجنوبية الغربية للجدار الغربي للأقصى، ومرورا بمنطقة الحفريات الأثرية الى حدود باب المغاربة الخارجي ضمن بناء السور القدس القديمة التاريخي، وتحتوي هذه المنطقة بقايا من الآثار العربية والإسلامية التاريخية أهمها القصور الأموية، وكذلك ما يسمى بمركز “ديفيدسون”، وتضم المنطقة حفريات فوق الأرض وتحتها، من ضمنها جزء من الأنفاق.
المساحة المذكورة تمتد على مساحة 30 دونما حفرها الاحتلال منذ احتلاله لشرقي القدس وللأقصى والقدس القديمة عام 1967، وهي منطقة غنية بالموجودات الأثرية عمرها نحو ستة آلاف سنة، ابتداء من الفترة اليبوسية الكنعانية وانتهاء بالفترة العثمانية، لكن في الجوهر منها موجودات أثرية من فترة الخلافة الأموية، حيث كشف على اتساع هذه المنطقة مجمع الأمارة الأموية، تضمنا أربعة قصور عملاقة.
وقد شرع الاحتلال الإسرائيلي بحفريات معمّقة في الجهة الجنوبية الوسطى في 29 شباط عام 1968، على امتداد نحو سبعين مترا وعمق 14 مترا، واستمرت المرحلة الأولى منها عشر سنين بإدارة “بنيامين ماز” ومشاركة “مائير بن دوف”، وبالتوازي مع هذه الحفريات انطلقت حفريات عام 1969 جنوب غرب المسجد الأقصى على امتداد ثمانين متراً وعمق نحو 15 مترا. كما حفر في الزاوية الشرقية الجنوبية في أعوام 1978 والتي تلتها.
في أواخر سنوات التسعين افتتح الموقع بأكمله كمنطقة أثرية واسعة ومفتوحة أطلق عليها الاحتلال مسمى “الحديقة الأثرية”، كما ادعى أنه كشف خلال الحفريات عن بقايا من عهد الهيكل الأول والثاني المزعومين، وأقواس وحجارة ونقوش توراتية وبقايا طريق ومجمع تجاري من الفترات الرومانية والبيزنطية.
وفي عام 2001 افتتح مركز زوار ومتحف تحت اسم “مركز ديفيدسون”، ضمن مساحة الحديقة الأثرية، الذي أقيم داخل أحد القصور الأموية، والجزء الأكبر من المبنى موجود تحت الأرض وفي المركز معروض موجودات أثرية كشفت خلال عمليات الحفريات. وكعادته يزعم الاحتلال بأنها موجودات عبرية تلمودية، ويشير الى بقايا أثرية أموية يدعي أنها بنيت على أطلال آثار توراتية ورومانية.
في عام 1999 إبان حكومة “ايهود براك” افتتح رسميا مدرج تاريخي، قبالة الباب الثلاثي، ادعى الاحتلال انه المدرج الرئيسي الجنوبي للدخول الى الهيكل المزعوم، ومن يومها تنظم حفلات توراتية وتلمودية محدودة، لكنها ازدادت في السنوات الأخيرة.
في عام 2011 و 2012 تجددت الحفريات في الجهة الشرقية الجنوبية مقابل المصلى المرواني، وحوّل الاحتلال الموقع الى مسارات ومسالك توراتية تحت مسمى “مسالك المطاهر”، مدعيا أنها كانت تستعمل كمركز لشعائر الاغتسال والتطهر قبل الدخول الى الهيكل المزعوم.
أقيم مركز “ديفيدسون” وافتتح رسميا كما ذكر عام 2001، عن طريق ما يسمى بـ “الشركة لتطوير شرق القدس” بالتعاون الوثيق مع ما يسمى بـ “سلطة الأثار الإسرائيلية”، وهي التي جلبت التمويل عن طريق التبرعات من الثري اليهودي الأمريكي “وليام ديفيدسون”، الذي تبرع حينها بمبلغ 5 مليون دولار لبناء المركز واستكمال الحفريات. وقبل وفاته بسنين ( توفي عام 2009) تبرع بمبلغ 2.5 مليون دولار ما زالت موجودة بيد سلطة الآثار الإسرائيلية – بحسب مصادر إسرائيلية.
ومركز “ديفيدسون” عبارة عن مبنى مسقوف، ومن طبقة أرضية وأخرى في جوف الأرض، على بقايا أحد القصور الأموية. وهناك معروضات أثرية مما يدعيه الاحتلال من فترة الهيكلين المزعومين، وخاصة الهيكل الثاني المزعوم، كما يضم صالتي وشاشتي عرض ثلاثي أحدهما قصير والثاني أطول، يحكي قصة الهيكل الثاني المزعوم بشكل أساسي.
المنطقة المذكورة والممتدة على مساحة 30 دونما نقلت أصلا من مؤسسات الاحتلال الرسمية الى ما يسمى بـ”الشركة اليهودية لتطوير الحي اليهودي” التي قامت بتأجيره لما يسمى بـ “شركة تطوير شرقي القدس”، وبطبيعة الحال يقع ضمن صلاحياتها مبنى “مركز ديفيدسون”.
وبحسب وثائق وخرائط اطلع عليها “كيوبرس”، فقد بني هذا المبنى دون ترخيص في البداية، وفي عام 2004 بدأت خطوات لترخيص المبنى وتوابعه على مساحة نحو 22 دونما، وحمل المخطط رقم 10294، يحتوي على ترخيص المبنى ومدخله والطريق الواصل اليه والمكاتب التابعة إليه، وكلها واقعة من منطقة باب المغاربة الداخلي والخارجي وأغلب منطقة القصور الأموية من الجهتين العربية والجنوبية.
في عام 2012 أجريت تحسينات على المخطط الرئيسي، من ضمنها توسيع مبنى “ديفيدسون” الحالي بـ 400 متر بناء، يضاف الى المبنى الموجود، أما المخطط الرئيسي فيقترح بناء مركز زوار وعرض لموجودات أثرية في حفريات الحديقة الأثرية، جنوب منطقة ساحة البراق، وتنظيم منطقة المدخل الرئيسي باب المغاربة الخارجي، وقسم من المخطط المقترح موجود فعليا، والمقترح الأخير يعرض إضافات للبنى التحتية ومنطقة خدمات للزوار، على مساحة بنائية مجملها 1488 م2، يضاف اليها 670 م2 للممر تحت الأرض ومنطقة ساحة مدخل باب المغاربة الخارجي، كما يحتوي البناء مخازن وخدمات جماهيرية ودكان لبيع التذاكر وغرف إدارة وأرصفة ودكان للزوار ومقصف وأمكنة جلوس مظللة وأرصفة ومعابر للمشاة وممر للسيارات لمنطقة البراق. أما البناء الجديد فسيكون فيه سقف زجاجي علوي، وأما الطابق الأول على مستوى الأرض فسيتكون من مدخل رئيسي واسع وقاعات للمناسبات. أما الطابق الأول تحت الأرض فسيشمل بالأساس غرف تعليمية وصالة عرض للصور.
ويرى المخططون وجود أهمية قصوى لهذا المخطط بهدف توسيع عرض الموجودات الأثرية التلمودية، وأن هذا النشاط مهم جدا، وأن البناء مناسب، ويعطي أولوية لتهيئة المناطق الحفرية الأثرية لاستعمالات الجمهور الواسع، وقد صودق نهائياً على المخطط بنسخته الجديدة عام 2013.
ويبيّن تقرير “كيوبرس” أنه من المهم الإشارة بأن المخطط يحتوي على إمكانية هدم الواجهة للمدخل الرئيسي للمبنى، والتي تحوي مكاتب أدارة في أقصى الجهة الغربية الجنوبية، قريبا من باب المغاربة الفرعي – ضمن حدود السور الجنوبي التاريخي، بحيث ستحفر المنطقة وتتحول الى المدخل الرئيسي لمنطقة ساحة البراق، بحسب المخطط الشامل لتهويد منطقة البراق.
يرى معدو التقرير بناء على عدة معيطات ووثائق ميدانية وتخطيطية .أن الاتفاق الذي أقر في القضاء مؤخرا، ووقع بين منظمة إلعاد” الاستيطانية وبين ما يسمى “شركة تطوير الحي اليهودي- بالأصل هو حي الشرف المقدسي”، سيفتح الباب على مصراعيه لتسلل “إلعاد” للمسجد الأقصى وعزله عن محيطه الفلسطيني، ومحاولة البدء ببناء أسطورة الهيكل المزعوم.
فبحسب مصادر فإن من بنود الاتفاق المذكور يتحدد أن “مركز “ديفيدسون” هو امتداد جغرافي وأثري وسياحي لمركز زوار عير دافيد – التابع لـ “إلعاد”، حيث هي من ستقوم بجباية التذاكر وتشغيل الموقعيْن، وتطويره بالتنسيق مع سلطة الآثار.
وبما أن الموقع المسمى بـ “الحديقة الأثرية” يعد من أهم المشاريع عند “سلطة الآثار الاسرائيلية” وصرفت عليه أموال طائلة، وبما أن هناك تحالف استراتيجي منذ نحو 10 سنوات بين المنظمتين، فيأخذ تحقيق هذا البند أولوية متقدمة لتنفيذ المخططات التي صودق عليها منذ عامين، لكنها لم تخرج الى حيز التنفيذ بسبب اختلاف سابق على الصلاحيات بين اذرع الاحتلال، بمعنى أن “إلعاد” التي تسيطر على منقطة مدخل حي وادي حلوة وهضبة سلوان الواسعة والواصلة الى وسط بلدة سلوان، ستقوم بجمع الموقعين البؤرة الاستيطانية “مركز زوار عير دافيد” وموقع القصور الأموية “الحديقة الأثرية/مركز ديفيدسون” الى موقع واحد، فوق الأرض وتحت الأرض، وبذلك تتشكل “مدينة داوود” ويُفصل المسجد الأقصى عن محيطه المقدسي الفلسطيني.
من ناحية أخرى فإن” إلعاد” ومنذ عام 2004 تمول حفريات واسعة وبميزانيات ضخمة لـ “سلطة الآثار الإسرائيلية”، ومن ضمنها حفريات نفق تحت الأرض أسفل بلدة سلوان، وأيضا نفق أسفل مدخل وادي حلوة – “موقف جفعاتي”، يتجه شمالاً ويخترق سور القدس التاريخي، ويصل الى أسفل الزاوية الجنوبية الغربية للجدار الغربي للمسجد الأقصى، ووصلت الحفريات الى أسفل أساسات المسجد الأقصى على امتداد أكثر من 100 متر، ووصلت الى أسفل باب المغاربة، قبل نحو عامين، علماً أن هذه الحفريات ما زالت مستمرة على قدم وساق.
يكفي أن نلفت الى ما نقل في أدبيات “سلطة الاثار الإسرائيلية ” حين تكشفت أساسات المسجد الأقصى بـأنها الخطوة الأولى للسير من النفق المدرج نحو “الهيكل”، وأنه من هنا يبدأ الصعود الى “جبل الهيكل”؛ لندرك أن حفر هذا النفق كان بداية التسلسل، يليه الاتفاق لنقل تشغيل منطقة القصور الأموية ليد “إلعاد ، وعن طريق “ديفيدسون” الجديد سيفتح الباب على مصراعيه للتسلل الى عمق المسجد الأقصى ومحاولة الانتقال من بناء “مرافق الهيكل” المزعوم، الى محاولة بناء أسطورة وخرافة الهيكل المزعوم. ونظرة سريعة الى الموقع الاستراتيجي للقصور الأموية والتصاقها بالمسجد الأقصى وما تحته من الجهتين الجنوبية والغربية يدلل على خطورة المرحلة التالية.
كيوبرس