الدين لله والوطن للجميع
تاريخ النشر: 23/06/13 | 1:54ما أجمل الأدبَ والتأدبُ مع الله وما أرقى التواضع لله. وما أنظفَ من لسانٍ حاسبَ نفسه وفكر عقله وتأمل قبل أن ينطق، ويبدأ في الحديث لقوله عز وجل "ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد" عندما يصفو الإنسان بقلبه من كل الكوادر والرذائل ويسمو بروحه طاهرةً من كل العوالق: فتزول الحواجز، وتنتهي الأبعاد، وتقرّبَ المسافات، ويَبدّلُ البصر بالبصيرة هناك يرقى الإنسان إلى درجةٍ أعلى مكانةً من الملائكة وهذا ما رُوِيَ عن الصحابي حنظلةَ رضي الله عنه.
قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسهِ، فسمت أرواحنا إلى عنان السماء، وخرجت من ثوبَها الطيني: فانتهى المجلس وعاد كل واحدٍ منا إلى منزلِه.
وعدتً أنا أيضاً إلى منزلي: فلاقتني الزوجة بطلباتها وصراخها علي وإذا بي قد تغير الحال عندي بعدَ أن كنا عند رسول الله في حال!!! فقفلتً عائداً إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أصرخ، وأقول: لقد نافق حنظلةً حتى وصلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على هذا الحال، أصرخ وأبكي.
فقال على رسلك يا حنظلة ما الأمر؟! قلت يا رسول الله لقد كنا عندك في حال سمت أرواحنا إلى عنان السماء وعندما رجعنا إلى بيوتنا تغير الحال قال يا حنظلة واللهِ لو بقيتم على حالكم هذا كما كنتم عندي في مجلسكم هذا لصافحتكم الملائكة في الطرقات! صدقت يا حبيبي يا رسول الله. والله لو كنا كذلك لصافحتنا الملائكة في الطرقات!
أين أنتم يا أصحاب الألقاب الدكتوراة والشيوخ والماجستير في الفقه والعلم والدين والإسلام. هل أنتم كذلك؟؟ وهل يوجد بينكم من صافحته الملائكة في الطرقات؟ وسمت روحه كما سمت روح حنظلة إلى عنان السماء!! ما أفصحكم عندما تلقون دروسكم على مسامع الناس وخاصة على شاشات التلفاز، عندها تتفيهقون وتتشدقون وتتنطعون: صدقت يا رسول الله (هلك المتفيهقون والمتشدقون والمتنطعون) لا يعنيهم النتيجة! بل ما عناهم بالنسبة لهم ما هو الأهم لهم ماذا قال عني الناس في هذا الظهور!! إن لم يقلها صاحب هذا اللقب لأصدقائه يقولها لأهل بيته وأبنائه فقيل عنه فصيح اللسان، قوي البيان، فهمانٌ ثم فهمان!!!!!!!!
ويحكم ماذا أنعت وألقب واسمي أبو بكر رضي الله عنه بروفيسور دكتور شيخ الشيوخ لأقيسه بمفهوم العصر وأي جامعة أو كليةٍ أعطته أو تعطيه هذا اللقب؟!!
وهنا المثل ينطبق على كل الصحابة العظام، الذين لم يقفوا عند التسميات والمسميات والألقاب لأنهم نهلوا علمهم من نهر العلم الصافي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا بهذه الآية إيماناً قطعياً (واتقوا الله ويعلمكم الله) فالذي يعلمه الله يكون على قدرٍ كبير من الصفاء والصدق والوفاء، من قال أن هؤلاء الرجال لم تصافحهم الملائكة في الطرقات بل صافحتهم وامتحنتهم ففازوا بعلمٍ من الله، ودرجةٍ أعلى بكثير من هذه الألقاب والتسميات ها هو سيدنا علي رضي الله عنه، عندما التقى به جبريل عليه السلام، وكان على هيئة رجل، فاستوقفه وسلم عليه، وقال يا علي – إنك تقول للناس أنك تعلمُ أزقة السماء كما تعلمُ أزقة الأرض- فقل لي إن كنت كذلك؟؟!! أين جبريل الآن؟ فأومأ عليٌ قليلاً ورفع رأسه، وقال إني بحثت عنه في أزقة السماء فلم أجده، وبحثت عنه في أزقة الأرض فلم أجده، إن لم تكن أنت فمن تكون!!!!
أيها الشيوخ وأصحاب الألقاب اعتقدتم أنكم بهذه التسميات علا شأنكم ونلتم رضى الناس عليكم بسخط ربكم، حتى وصل الأمر عندكم تضعون أنفسكم مكان الله، بعظمته وجبروته فأصدرتم فتاويكم على الخلق، هذا إلى الجنة وذاك إلى النار، وبدلاً من أن تكونوا دعاةً أصبحتم قضاةً، فصرتم بنظر أتباعكم آلهةً في الأرض تُعبَدون!!!!
عندما تصدرون فتوى، على أي شريحةٍ من شرائح مجتمعنا أن لا تأكلوا من زادهم ولا تتقربوا إليهم وقاطعوهم.
كشريحه مثل شريجة الدروز فهم اخوان لنا وجزءا من شرائح شعبنا فيجب على الجميع احترامهم وعدم المس بهم مهما كانت الظروف وكان الخلاف فيلحق بكم الإمعات والناعقون من أتباعكم، بنشر هذه الفتاوى وهم جازمون أنها الحق بعينه بل ذهبتم أبعد من هذا ترسيخ هذه الفتاوى في قلوبكم وعقولكم وكأنكم أنتم من سيقف على أبواب الجنة، تُدخِلونَ من تشاؤون، وتمنعون من تشاؤون مع أنه يومها يكونوا كل الخلق يقفون بين يدي الله حفاةً عُراةً غو رلا ولن يستثنيكم هذا الحال- شأنكم شأن كل الناس. كلهم جميعاً (يوم يفرُّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأن يغنيه) أم أنتم خارج هذا السياق.
وهذا الوصف الرباني في هذا السياق الشامل والواضح، ألا ينطبق عليكم قول رسول الله، أئمةٌ ضالين مضلين، إيمانهم لا يتعدى حناجرهم هم وقود النار. أين الصفاء الروحي لديكم أيها الشيوخ والعلماء، أصحاب الألقاب الواهية، وفتاوى الفتنة ما كان للنبي معجزةً كان للصادقين مع الله كرامةً!!!!
ألم يحّنُ جذع الشجرة لرسول الله عندما قُطع!!! وكان يتكئ عليه رسول الله في خطبة الجمعة عندما كان يعتلي المنبر وبقي هذا الجذع يحنُّ ويأنُّ كلما اعتلى رسول الله المنبر وسمعه كل من كان في المسجد!!! فتلك معجزة لرسول الله وكرامة للصادقين مع الله!!!
وقصة الجمل الذي أتى إلى رسول الله وهو يبكي ويشكو صاحبه إلى رسول الله فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحبه فناداه وزجره وقال له (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فلا تثقل عليه لقد تقدم به العمر!!
وقصة الجبل الذي كان يقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعثمان وعلي واسمه بتير فاهتز الجبل وتحركت حجارته فرحاً بوقوف رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم فبدأت بالتدحرج فركله برجله وقال اهدأ بتير!!!! والله ما عليك إلا نبيٌ وصدّيقٌ وشهيدان.
أليست كل هذه الأمور معجزاتٌ للنبي وكراماتٌ للصادقين مع الله؟؟ وقد يسأل سائل كيف يتحرك الجبل؟ أقول له نعم وإنه يسبّح كما يسبّح البشر بل وأكثر خشوعاً لقوله عز وجل ( لو أنزلنا هذا القرآنَ على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعا من خشيةِ الله) ومثل هذه الجبال كانت تسبح مع داود عليه السلام!!
واليوم نعيش ظاهرة الألقاب وخاصة من عرب الداخل الفلسطيني الذين لا يتورعون بإصدار فتاوى ودروساً ضد بعض شرائح مجتمعنا ويحرمون أكلهم ومصاهرتهم ومعاملتهم وكأنهم خارجون عن الملة مع أنهم يشهدون أنه لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله وهم من أهل التوحيد وإن مثل هذا التحريض الأهوج الذي لا فائدة منه سوى الشر والفرقة، والأمة بغنىً عن ذلك.
إن هذا التحريض نابعٌ من غرورٍ قابعٌ في قلب صاحبه ومن كبرٍ وتعالٍ أساسهُ ورقةً حصل عليها واسمها الدكتوراة مع أن الحديث القدسي واضح كل الوضوح (لا يدخلُ الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر).
ومن ناحيةٍ ثانية يعتقد هذا الرجل أن خلفه قاعدة عريضة وشريحةً من الناس يحارب بها فإذا أُمِروا نفذوا فأقول لهذا الشيخ وصاحب هذا اللقب لقد كنتَ قبل هذهِ التصريحات تحظى بمكانةٍ لا بأس بها والكثير من الاحترام والتقدير ولكن بعد أن كشف اللثام عن أهوائك وأفكارك أقول لك أنك قد وقعت في خطأ كبير وسقوطٌ ما بعده سقوط. حتى لو كان هنالك اعتذار منك وذلك لا يكفي ولا يشدي لان الضرر قد وقع
وهكذا سقط الشيخ القرضاوي عندما دعى الله أن يميته مع علماء الفتنة لقد أهنت يا شيخ شريحة كبيرة من أبناء شعبنا ومجتمعنا بشكل لا يصدّق مع أني كنت أعتقد وما زلت أن وظيفتك مقرباً لا مباعداً جامعاً لا مفرقاً وهذا الأساس في كل داعٍ ومرشد وواعظ.
متبعاً هذه الآية الكريمة (وادعوا إلى سبيل ربك بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة).
وإني أوجّه إلى هذه الشريحة من أبناء شعبنا التي أصابتها هذه الفتوى بالتحية والإكرام وأن الردّ على مثل هذه الفتاوى المخزية أن نُكثر من اللقاءات والتعارف بيننا وأن نكون على اتصالٍ دائمٍ مع بعضنا البعض وأن نقوي أواصر الصداقة بيننا من أجل أن نزيل مثل هذه الأفكار والرواسب من بيننا وليبقى كل منا على منهجه المستقيم وليكون شعارنا الدين لله والوطن للجميع ونسأل الله أن نكون دائما من الذي يجمعون ولا يفرقون وليبقى كل واحد منا حسابه عند الله هو الذي يحكمُ بين الناس بالعدل وما كان ربك بظلاّمٍ للعبيد.