روائع من التاريخ (02)
تاريخ النشر: 14/11/15 | 11:27فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.. [الأعراف:176] إن التاريخ ليس مجرد أقاصيص تحكى، ولا هو مجرد تسجيل للوقائع والأحداث.. إنما يدرس للعبرة وللتربية.. تربية الأجيال.. (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وكل أمة من الامم تعتبر درس التاريخ من دروس التربية للأمة، فتصوغة بحيث يؤدي مهمة التربية في حياتنا..
وهكذا الرحمات.. إنما تستنزل بالصلوات..
قال تعالى: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة:45].
نعم.. إن الصلاة صلة ولقاء.. وتعبد ووفاء.. بين العبد في الأرض.. والرب في السماء.. هي المعين الذي لا ينضب والزاد الذي لا ينفد.. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. بل إن كشف الكربات.. وإجابة الدعوات يكون من أعظم ما يكون في الصلوات، فهي عند الصالحين الطريق لرفع البلاء.. وإجابة الدعاء.
في معركة الأحزاب.. لما بلغت القلوب الحناجر وهرب كل منافق وفاجر.. وقد حفر المسلمون بينهم وبين عدوهم خندقاً.. وأظلم الليل.. واشتد البرد.. فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف حال الكفر. فأقبل على أصحابه ثم قال لهم: ” من رجل منكم يذهب وينظر لي خبر القوم ويكون رفيقي في الجنة ؟ ” فما تحرك أحد.. فمر عليهم ثم قال: ” يا حذيفة “. قال حذيفة: فما كان لي من بد إذا أمرني رسول الله أن أقوم إلا أن أقوم.. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: ” اذهب وانظر لي خبر القوم، ولا تحدثن شيئاً حتى تأتيني “.
قال حذيفة: فنزلت في الخندق ثم صعدت فإذا المشركين كثر.. وإذا من بينهم رجل يصلي يديه في النار بين يديه ثم يلصقهما بجانبيه.. فنظرت فإذا هو قائد الجيش أبو سفيان.. فقلت في نفسي: إن أنا قتلته اضطرب أمرهم وانهزموا.. فأخذت سهماً من كنانتي أبيض الريش فوضعته في كبد القوس فلما شددته تذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” لا تحدثن شيئاً حتى تأتني “.. فأرجعت السهم في كنانتي ونظرت في حالهم.. فإذا الريح قد اشتدت عليهم فما تقر لهم قدراً ولا تقيم لهم بعيراً.
فدخلت في إحدى الخيام.. فجلست بينهم في الظلمة فشعر أبو سفيان أن رجلاً قد دخل في القوم فصاح بهم وقال: ألا لينظر كل مرئ من جليسه ؟ قال حذيفة: فخفت أن يسألني الذي بجانبي فافتضح.. فبادرته وصحت به: من أنت ؟ ففزع وقال: أنا فلان من بني فلان.. فسكت عنه.. فلما رأى مني ذلك هاب أن يسألني فنجوت.. وخرجت من بينهم وعدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قائم يصلي ويدعو.. فقعدت عنده حتى فزع فبشرته بخبر القوم ففرح وكبر.
نعم هزم الله الأعداء ونصر الأولياء بصلاة ودعاء. فانظر أخي الحبيب.. انظر يا من داهمك الخوف وأخذ الهم بتلابيبك كيف فزع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلوات.. فانكشفت الكربات.
محمود عبد السلام ياسين