عن الحوار مع الأخر
تاريخ النشر: 28/06/13 | 16:09يعكف الصديق أيمن عودة مع لجنة المتابعة هذه الأيام على تبني فكرة الحوار مع الجمهور اليهودي، وهو يقول في صفحته على هذا الموقع:
"نحن مقتنعون أن حوارًا لا يرافقه نضال لا طائل منه! وكل حوار لا يعتمد على العدل والكرامة لا يعوّل عليه!
إذًا فالحوار ليس بديلا أبدًا عن النضال بل يُعتبر صوريًا بدونه….. لذا يجب توضيح الحقائق و المطالب الإنسانية العادلة للمواطنين العرب."
كنت كتبت مقالاً آن أوان إعادته بهذا الخصوص، تحت عنوان: كيف نحاور؟
بالطبع فإن خطابي موجه لمن يريد أن يحاور، وليس لمن يحاور حوار الصم ( أو الطرشان)، فالقربة المقطوعة لا توصل الماء، ونسبة كبيرة بيننا يئسوا من كل حوار، وأصبح الحل: إما نحن وإما الجحيم، ولا حاجة للتفصيل، فأيمن اليوم في موضع اتهام من قبل الذين يرون الأمور بصورة حادة.
فهل حوارنا وذودنا عن وجودنا، وضم اليسار على قلته إلى صفوفنا هو أسرلة؟
هل مقالات جدعون ليفي مثلاً هي لعب أدوار كما يهيّـأ لبعضنا؟
هل الحوار ضروري، وكيف نحاور؟ إليكم مقالتي التي نشرتها في كتابي (حديث ذو شجون) سنة 1995.
كيف نحاور؟
"ما دخل اليهود من حدودنا ولكن تسربوا كالنمل من عيوبنا"
قالها نزار قباني يوم أن أصيب العرب بدوار ما زال يدور فيهم (فينا)، ولا أدري متى نصحو منه.
وعلى أثر هذه (النكسة) أو (النكبة) أو (النكدة) كانت الحوارات والندوات تترى بين مثقفين عرب ويهود. ومن العجب العجاب أنك تجد الطالب اليهودي يشرح ويعلل ويفصل، كأنه صاحب الحق الأوفى، وكأن العرب هم المعتدون الآثمون. وقد يتحدث ندًّا له معلمٌ منا أو ناطق بلساننا، ولا يحسن، فيكون شأنه شأن الذي أراد أن يذب الذبابة عن ثوره، فيتخبط هذا بكلام لا تسلسل فيه ولا منطق، ويضر من حيث أراد أن ينفع.
وحتى لا أكون مغاليًا أرجو أن تراقب اثنين متكافئين من بني قومنا في نقاش أمام جمهور. وستجد أنه قلما يمر النقاش بسلام، إن لم يصل إلى أكثر من ذلك، والله يستر!
وهذا الكلام أو الاتهام لا ينفي وجود فئة من بيننا يحسنون الاستماع، ويحسنون طرح القضايا، ويحسنون وعي الأمور، وما أقلهم !
وما أحوجنا حقًا إلى توضيح نقاط أمام الطرف الآخر، وبحجة عقلية، وبهدوء، نتسلح بها كلها لمثل هذه الأسئلة :
* لماذا لا يخدم العرب في الجيش الإسرائيلي؟ أو لماذا لا تقومون بالخدمة الوطنية؟
* هل المنظمات الفلسطينية إرهابية؟
* هل العرب هنا ينعمون بديمقراطية؟
هل هم في مستوى اقتصادي أعلى من مستوى إخوانهم في الدول العربية؟ ولو كان ذلك، فهل ثمة مبرر للتمييز الذي يحيق بنا؟
* لماذا لا يرحل الفلسطينيون في الدولة إلى الدول العربية؟ فهناك مساحات شاسعة واسعة، ولهم اثنتان وعشرون دولة، فلماذا يستكثرون علينا دولة صغيرة واحدة؟
* هل أنت عربي؟ فلسطيني؟ إسرائيلي؟ ما هي هويتك؟ وكيف تكون فلسطينيًا وإسرائيليًا في يد واحدة؟
* إذا قامت الدولة الفلسطينية فماذا سيكون مصيرك؟
* ما مدى انتمائك للدولة؟ وهل تطالب حقًا بالمساواة؟ أية مساواة؟ وهل المساواة تتجزأ؟
* هل تقبل أن تشغل – فيما إذا حدثت معجزة – وظيفة هامة جدا في خدمة الدولة – وزير مثلاً؟
مثل هذه الأسئلة يتكرر كثيرًا كاللازمة، ونحن بحاجة إلى نخبة منا يوضحون الأمور ويوجهون بعقلانية تستطيع التعامل مع التفكير تستطيع التعامل مع التفكير الآخر مهما كان عنصرياٌ، أو على الأقل تستطيع أن تتوجه إلى الآخرين بتروَ وأسلوب ينساب إليهم رغمًا عنهم. ونحن بحاجة إلى بينات ووقائع تدعم ما نقول .
وتقدم النخبة العارفة هذه المادة لقطاعات واسعة منا في دورات خاصة. ولا بد أن يكون طلابها الأوائل هم مربونا في المدراس، حتى يكون درس التربية في صفوفهم مجديًا لا لهوًا وقتل فراغ، فلا عيب أن نتعلم كيف نناقش وكيف ندير الأمور بلا جبن ولا عصبية، بل بموضوعية ونزاهة.
أما سياسة التخلي عن طرح المواضيع ومجابهتها بحجة عدم قدرتنا على استمالة الخصم وعلى إقناعه فهي سياسة جنت علينا، وأدت إلى يأس من كل حل، كما أدت إلى هوة بين الواقع والمثال.
نريد أن نناقش بعد أن نأخذ للأمر عدته وأهبته، لا أن نذهب إليه بارتجال من غير وزن كل كلمة، ومكان لكل عبارة.
قبل كل شيء يجب أن نحسن الاستماع. وصدق كاتب فرعون (بتاح حب) في قوله: "من لا يحسن الاستماع لا يمكن أن يحسن الحديث".
فعندما نحسن الاستماع – لا نفكر فقط بما سنقوله – فسيكون نقاشنا أهدأ وأنجع. والأهم من المهم أن نتحدث بالأمور الجوهرية وبعد دراسة جدية، فلا نطلق الكلام على عواهنه و (شوفوني يا ناس)، وبثرثرة لا تحمد عقباها.
وفي ظني أن أسلوب الحوار عندنا وطرح قضايانا أمام الطرف الآخر، وطريقة ذلك، بحاجة إلى إعادة نظر والى اهتمام ذوي الشأن – إن كان فينا ذوو شأن.
فهل نبدأ بخطوة؟