دِراسة ٌ لديوان "أحزان الوجيب" للشاعر د. جمال قعوار –
تاريخ النشر: 01/07/13 | 5:40مُقدِّمَة: هذا الديوانُ " أحزان الوجيب " هو المجموعة ُ الثانية عشرة التي يُصدرها المرحومُ الشَّاعر الدكتور " جمال قعوار " – رئيس تحرير مجلَّة " المواكب " المحتجبة ورئيس رابطة الكتاب العرب في إسرائيل . والمُحَاضر في اللغةِ العربيَّة والأدب العربي لفترةٍ طويلة في كلِّية دار المعلِّمين – حيفا وفي جامعة حيفا . الديوان يقعُ في 159 صفحة من الحجم المتوسط – صدرَ عن " دار الأسوار العكيَّة " – بإدارةِ السيد يعقوب حجازي – ويضمُّ قصائدَ عديدة مُتنوِّعة في المواضيع : الغزليَّة والوطنيَّة والوجدانيَّة والإنسانيَّة … إلخ . وجميعُ القصائد موزونة، البعضُ منها كلاسيكي تقليدي والبعضُ على نمط شعر التفعيلة .
مدخلُ : الدكتورُ الشَّاعرُ جمال قعوار حاصلٌ على شهادةِ الدكتوراه في الأدب العربي وأطروحتهُ للدكتوراه في إعرابِ القرآن الكريم ، ولم يكن في يوم ٍ ما عضوًا في مجمع اللغةِ العربية رغم مقدرته الفذة وإلمامِهِ الواسع وتبحُّرهِ في اللغة العربيَّة .. وهو يكتبُ الشعرَ منذ ستين سنة ونيِّف ، ويُعَدُّ في طليعةِ الشُّعراء المحلِّيِّين المُبدعين والمُمَيَّزين فنيًّا بشهادة الجميع ويُعتبرُ نموذجًا أوَّليًّا ومثالاً ساطعًا دائمًا للذينَ عُتّمَ عليهم إعلاميًّا ، على الصَّعيدِ الأدبي المحلِّي ، رغم مكانتِهِ الأدبيَّة والثقافيَّة والإجتماعيَّة المرموقة كالعديدِ من زملائِهِ الرُّوَّاد والجهابذة المُبدعين أدبيًّا وفكريًّا وثقافيًّا ، مثل : راشد حسين ، فوزي عبد الله ، داود تركي ، شفيق حبيب .. وغيرهم من قبلِ الجهاتِ والأطر التي تدَّعي اليسارَ والوطنيَّة وجهات سلطويَّة . ورغم ذلك إستطاعَ شاعرنا أن يجتازَ ويخترقَ أسوارَ التعتيم ويتألَّقَ كالنجم في سماءِ الإبداع ويُحققَ شهرة ً وانتشارًا واسعًا ليسَ محلِّيًّا فقط … بل على صعيدِ العالمِ العربي والغربي . والجديرُ بالذكر أنَّ رئيسَ إتحادِ الكتاب في الأردن " فخري قعوار " هو قريب الدكتور جمال قعوار ومن عائلتهِ وكانت تصلهُ مجلَّة " المواكب " الأدبيَّة وتصل أيضًا إلى مراكز وجهات عديدة إعلاميَّة وفكريَّة – عربيَّة وعالميَّة – ، وأنا ، بدوري ، كنتُ أكتبُ فيها دائمًا وكنتُ أحرِّرُ فيها زاوية اللقاءات والريبورتاجات ( التقارير ) الصحفيَّة .
يمتازُ شعرُ جمال قعوار بشكل ٍ عام ، في جميع دواوينِهِ ، بجودةِ السَّبك وبقوَّة اللغةِ وجزالتها وبدقَّةِ التعابير والتماسك في بناءِ الهرم الشِّعري والتكثيف في المعاني والتفنُّن في ابتكار الصُّور الشِّعريَّة والإكثار من إستعمال اللآلىءِ والجواهر والكلمات الفصحى النفيسة والمنمَّقة ، فهو يملكُ ثروة ً لغويَّة ً كبيرة يفتقرُ إليها الكثيرون من الشُّعراء المحلِّيِّين . وكما أنَّ لهُ مُعجمهُ وعالمهُ الشِّعري الخاصّ فلا يكتفي ، بدورهِ ، بالقوالب والأشكال الشعريَّة الجاهزة والمُستهلكة ، بل دائمًا يأتي بالجديدِ والمُبتكر والمُمَيَّز بلاغة ً وبيانًا وتشبيهًا واستعارة ً وتوجُّهًا وأسلوبًا . وجميعُ ما كتبهُ " جمال قعوار " من شعر كانَ موزونا ( كلاسيكيًّا أو تفعيلة ً) فهو مالكُ مقاليد اللغة وشواردها وبواطنها وخفاياها من ناحيةِ العروض والصَّرف والنحو … إضافة ً إلى موهبتهِ الشِّعريَّة الفذة ، وقلَّما تجتمعُ هذه الأشياء في شخص ٍ – وهي : المقدرة اللغويَّة والتبحُّر في شوارد اللغة وقواعدها وصرفها ونحوها وفي علم العروض ثمَّ امتلاك الموهبة الشِّعريَّة ( ملكة الفن والشِّعر) والثقافة العامَّة الواسعة . فهنالك مثلاً : سيبويه والخليل بن أحمد الفراهيدي اللذين كانا عالمين ُمتبحِّرَين في اللغةِ العربيَّة ولكنهما لم يستطيعا أن يكونا شاعرين ، أمَّا شاعرنا جمال قعوار فهو أستاذ ودكتور في اللغةِ العربيَّة ونحوها وآدابها وفي نفس الوقت هو شاعرٌ كبيرٌ وَمُميَّزٌ عن أقرانهَ من الشُّعراءِ فنًّا وإبداعًا وأسلوبًا .
لنرجعَ إلى ديوانهِ الذي بينَ أيدينا ( أحزان الوَجيب ) ففيهِ شاعرنا يُعالجُ العديدَ من المواضيع والقضايا التي َتهُمُّ كلَّ إنسان ، ونجدُ الطابعَ الوجداني والرُّومانسي الحالم والشَّفافيَّة َ المُهيمنين على جميع أشعارهِ مهما كانت مواضيعُها وتشعُّباتها وأغوارُها . وسأركِّزُ الأضواءَ على بعض ِ القصائد فيهِ .
يستهلُّ شاعرنا ديوانَهُ بهذين البيتين وهما إهداء الكتاب – بعنوان : ( لكِ يا زينبُ ) – حيث يقولُ :
(حَسِبُوا فؤادي للغواني مَلعَبَا أنا ليسَ قلبي في المَحَبَّةِ قُلَّبَا أنا لستُ أعشقُ غيرَ حُسن ٍ واحدٍ ما كلُّ كحلاءِ اللواحظِ زينبَا ) .
هوَ يتحَدَّثُ عن حبيبتِهِ التي تمتازُ عن غيرها من الفتيات الأخريات فمنَ المُستحيل أن يتنكَّرَ لها أو ينسى حُبَّهَا ويلهو بإخرى ، ففؤادُهُ ليسَ ملعبًا للغواني ، بل هو مُلك حبيبته " زينب " فقط . وقد تكونُ زينبُ عندَ شاعرنا رمزًا وتوظيفا بلاغيًّا وإستعارة ً ويعني بها الأرضَ والوطنَ والهويَّة َ والإنتماء… التي تجسِّدُ كلَّ شيىء وتعني كلَّ شيىء فيلتقي هُنا مع زملائِهِ من شعراءِ الأرض والمُقاومةِ الذينَ كتبُوا الكثيرَ للأرض ِ والوطن وَشَبَّهُوا الأرضَ بالفتاةِ الجميلةِ وبالحبيبةِ ( في فترةِ الخمسينيَّات حتى أواخر السبعينيَّات من القرن الماضي ) ، مثل الشُّعراء : محمود درويش ، راشد حسين ، هايل عساقله ، فوزي عبد الله ، شفيق حبيب ، سليمان دغش وسميح القاسم وعزّ الدين المناصرة وكمال ناصر وفوزي الأسمر وحنا إبراهيم .. وغيرهم .
وفي قصيدتِهِ بعنوان : ( مقدمة – صفحة 7- 11 ) – على بحر الخفيف – يتحدَّثُ فيها عن نفسِهِ وشعرهِ ولواعِجِهِ الذاتيَّة بنبرةٍ وبنفحةٍ صوفيَّةٍ مُتألِّمَةٍ تحملُ في طيَّاتِها الفجرَ والأملَ المُشرق . ويتنساءَلُ : هل الأسَى سيظلُّ يطغى وييُهَيمِنُ على ملامح ِ وجهِهِ ، وهل الرَّجاءُ سيخيبُ في أوْهَامِهِ لأنهُ الزَّهرُ المُتفتّحُ في الأضاحي ، والندى لم يكن يجفّ عن أردانهِ فكيفَ سيجفُّ شذاهُ مثلَ جميع ِ الأضاحي . ويتطرَّقُ في هذهِ القصيدةِ إلى قضيَّةِ النقدِ المحلِّي غير النزيه والموضوعي …النقد الهدَّام الذي لا يرتكزُ إلى معرفةٍ وإلمام وأسُس ٍعلميَّة ، فيقولُ مثلاً :
(لن تفتَّ الرِّياحُ من صدقِ عَزمي أو يحطَّ النقَّادُ من إلهامي ليسَ للنقدِ عندنا أن يُحَابي ويبثَّ السُّمُومَ في الأحكام ِ يَدَّعي الرَّائِعاتِ في عَبَثِ القول ِ وَيَرمي بالسَّخيفِ حُلوَ الكلام ِ غيرَ أنَّ السَّناءَ يبقى سَناءً وَيظلُّ الظلامُ سَجْفَ الظلام ِ ).
هوَ يتحدَّثُ هُنا عن قضيَّةٍ محلِّيَّةٍ هامَّةٍ كما ذكرتُ أعلاه ، وهي قضيَّة ُ أزمة النقد المحلِّي الموضوعي الأكاديمي البنَّاء . ولا توجدُ لدى معظم ِ الذين يكتبون النقد محلّيًّا أيَّة ُ كفاءاتٍ وعلم ٍ ودرايَةٍ في هذا المجال… بل هم يجهلونَ حتى الأوزان الشعريَّة وأصول النحو والصَّرف وقواعد اللغة العربيَّة التي هي أساسُ وحجرالزَّاوية وأبجديَّة ُ النقد كمرحلةٍ أولى، بل البعض منهم لا يعرفون كتابة الإملاء … ولكنَّ هؤلاء النويقدين المتطفلين بفضل المنابر الإعلاميَّةِ المشبوهةِ والصفراء التي تقفُ معهم وتدعمُهُم وتساعدُهُم يَبثُّونَ خزعبَلاتهم وهذيانهم وعقدَهم الدفينة من خلالِها ويصدرونَ وينشرونَ أقوالهم وهذيانهم وكلامَهم الرَّخيص الذي يُعَبِّرُعن فكرهِم السَّقيم والمحدود ضدَّ جهابذةِ البدعين من الشُّعراءِ والأدباءِ الكبار الملتزمين والوطنيِّين المحلِّيِّين . وفي نفس ِ الوقت يُكيلونَ المديحَ الرَّخيصَ للشُّوَيعرين المستكتبين والمُرتزقين أمثالهم اللذين يحبونَ في مجال ِ الأدب والشِّعر . ولكنَّ شاعرنا المرحوم الدكتور " جمال قعوار " هو شاعرٌ جهبّذ ٌ عُملاقٌ فذ ٌّ كانَ لا يكترثُ ولا يهتمُّ لأولائكَ الرُّعَاع ِ من مسوخ النقدِ المُدَّعين والمُتطفلين على دوحةِ الأدب والنقدِ بفضل ِ انتماءاتِهم الفئويَّة والحزبيَّة والسلطويَّة وبفضل التنظيمات والجهات والأطر المُهلهلة والبائسة التي ينتمونَ إليها . ويقولُ الشَّاعرُ جمال قعوار متحدِّيًا أولئك الذين يعجزونَ أن يأتوا مثلهُ بديع ِ الكلام وروائع البيان والفنِّ وسحر البلاغةِ والبديع اللفظي والمعنوي : ( يا دَواعي الإيمان ِ بالحَرفِ هاتي روائِعَ الشِّعر ِ خافقَ الأعلام ِ دائِرًا في حَدائِق الحُبِّ يحمي دولة َ الحُبِّ من نعيبِ الكلام ) .
وأمَّا أنا ( حاتم جوعيه ) فقد قلتُ هاجيًا النويقدين المحلِّيِّن المستكتبين أيضًا في إحدى قصائدي : ( " وَمُسُوخُ النقدِ في الدَّاخِل ِ هُمْ عُملاءٌ وكلابٌ جُبناءْ ) .
ولنرجع إلى شاعرنا الدكتور جمال قعوار فينهي قصيدتهُ الرَّائعة َ هذهِ بالحبِّ والغزل فيقول :
( ليسَ أحلى من ثغر حسناء هَامَتْ وَغزَا قلبَهَا رقيقُ الغَرَام ِ) .
وأمَّا في قصيدتِهِ ( حديث القمر – صفحة 19 – على بحر الكامل ) فيتحدَّثُ فيها عن الألم الإنساني والظلم الذي يُعانيهِ البشرُ من بعضهم البعض ، فهذا الألمُ يأتي من عالم ٍ فقدَ المروءةَ وكلَّ القيم ، ومن كلِّ ظالم ٍ لا ينظرُ في العواقب … حتى الأحبَّة الذين يخونونَ أحبَّاءَهم ويختارونَ الخيانةَ والغدر، فيقولُ : ( مِن أينَ يأتينا الألمْ // مِنْ عالم ٍ فقدَ المُرُوءَةَ والقِيَمْ // مِن ظالم ٍ جهل العوَاقبَ إذ ظلمْ ؟ // أمْ مِن حبيبٍ جَارَ واختارَ الخيانة َ واعتمَدْ ؟ //
ويرى أنَّ المآسي موجودةٌ منذ بدايةِ الخليقةِ فيقولُ : (غيرُ المآسي في تواريخ الخليقةِ ما وَرَدْ // صَلبُوا المحبَّة َ والسَّماحة َ والفِدَا // في جسم ِ فادي الخلق ِ يشقى الجسَدْ // ) .
ويعني بفادي الخلق : السيِّد المسيح عليه السَّلام الذي فدَا البشريَّة َ من خلال عذابهِ وصلبهِ . وفي هذه القصيدةِ نجدُ الفلسفة َ والحكمة َ يشوبُهُما القلقُ واليأسُ والحُزنُ ، فيقولُ :
(" والعقلُ في الإنسان ِعُضوٌ غيرُ مُكتمل ٍ سقيمْ // والناسُ كلُّ الناس ِ ينتهي عُمرُهُم موتٌ أليمْ // لتعودَ هذي الأرضُ خاوية ً كما كانت وليسَ مِنْ أحَدْ // ") .
إنَّ شاعرنا يرى حتى العقلَ الذي هو أسمى عُضو ٍ في جسم الإنسان غيرَ كامل ٍ . ويستعملُ في هذه القصيدةِ بعضَ الأمثلةِ القديمةِ المألوفة للتأكيد ولإثباتِ ما يبغيه ويقصدُهُ كالمثل القائل : ( المُجير لأمِّ عامر ).. وأمُّ عامر هي الضَّبعة التي غدرت بمجيرها وبمضيفها كما وَردَ في إحدى القصص القديمة . فيقول جمال قعوار : ( لقيَ المُجيرُ لأمِّ عامر ما أعدَّ لهُ // فلم ينجُ المُجَارُ ولا المُجيرْ // ) .
وفي قصيدة (" أرقام " – صفحة 39 – 49 ) يتحدَّثُ عن الحياةِ العصريَّة المُمِلَّة وديناميكيَّة العمل الفيزيائي والميكانيكي والرُّوتيني القاتل ، وأنَّ الإنسانَ العاملَ في مصانع الإنتاج أصبحَ مُجرَّدَ رقم ٍ لا أكثر ولا فرق بينهُ وبين الماكنة والآلة المُرَقَّمَة التي تعملُ بإستمرار ليلَ نهار ولا يوجدُ لها أيَّة ُ مشاعر أو عواطف أو قلبٍ وروح ، فالناسُ اليوم هم أصبحوا مُجرَّدَ أرقام ٍ بلا معنى جوهريٍّ وبلا كيان وهويَّة ذاتيَّة وإنسانيَّة كُرِّسُوا للعمل ِ المُتواصل المُضني وللإنتاج لأجل ِ الغير … لأصحاب العمل والقائمين عليهِ ( أصحاب المصالح والبزنس ) . فهدفُ البشر والناس اليوم ( معظمهم ) الجانب المادي فقط وأهملوا الجانبَ الرُّوحي والعاطفي والإنساني . يقولُ مثلاً : (" أسفي على زمن ٍ تضيعُ بهِ الرُّجولة ُ والأمومة ُ والوفاءْ // ويجدُّ البحثَ من إغضابِ وجهِ اللهِ من أجلِ الغنى والأغنياءْ // ).. إلخ . وأمَّا في قصائدِهِ ومقطوعاتِهِ الغزليَّة فجميعها تمتازُ بالصدق وبالعاطفةِ الجيَّاشةِ … ونجدُها رقيقة ًعذبة ً زاخرةً بالمعاني العميقة والصُّور الشِّعريَّة الجديدة المُشرقة والمُكثَّفة بأضوائِها السَّاحرة . يقولُ في قصيدة ( " فلقة قمر " – صفحة 77 ) :
( " يا فلقة َ القمر ِ المُنير ِ تدفَّقي مطرًا على صدري فما أحلى المَطَرْ واستسلِمي لوصال ِ أصدق ِعاشِق ٍ نذرَ الليالي للغرام ِ المُبتكرْ ) .
ويفقولُ في قصيدةٍ أخرى بعنوان ( " جراح الطبيب " – صفحة 105 – على بحر المديد ) : (" لم يَرْو ِ شُبَّاككِ أخبارَهُ منذ ُ رَوَى الأيَّامَ دمعُ الغريبْ فمِنْ خُفوق ِ القلبِ يصحُو مَدًى يلهثُ من خلفِ خُطاهُ المغيبْ ") .
أمَّا في قصائدِهِ الوطنيَّة فيتجلَّى بوضوح نبرة ُ الغضب على المُحتلِّين واستنكارُه وشجبُهُ لما يقومونَ بهِ من عَسفٍ وظلم ٍ وبطش بحقِّ شعبنا وأهلنا وأطفالنا في الضِّفَّةِ والقطاع ، فيقولُ مثلاً في إحدى قصائدِهِ : ((" ماذا تريدُ عصابة ُ الدُّخلاءِ من أهلي ؟ // وأهلي يطلبونَ العيشَ أحرارًا على أرض ِ الجُدُودْ // وَهُمُ الصُّمُودُ … هُمُ الصُّمُودْ " )) .
إنَّ أهلهُ وشعبَهُ في الضفَّةِ والقطاع والشَّتات على حقٍّ في نضالِهِم وكفاحِهم ، وَصُمودُهُم الأسطوريُّ أصبحَ مثلاً ونبراسًا للبشريَّةِ وللأجيال .
وفي قصيدةٍ أخرى لهُ بعنوان: ( " الحُبُّ والحجارة " – صفحة 181 – 122- على بحر الكامل ) وهي قصيدة ٌ على نمطِ التفعيلة ، يتحدَّثُ فيها عن الحُبِّ والتضحيةِ والفداءِ وعن طفل ِ الحجارة الذي يُطاردُهُ الجنودُ … وعن مُعاناةِ الأهل في الضِّفَّةِ وقطاع غزَّة وما يُكابدُونهُ من جلاوزةِ المحتلِّين وعسفهم وبطشهم … فيقول في هذا : ( " قلبي على طفل ٍ تحاورُهُ الجنود // بكلِّ أسلحةِ الجنود // قلبي على شيخ ٍ أحاطوا بيتهُ بالغاز ِ فاختنقَ الضُّحَى // وَذوَت على الأعوادِ أنفاسُ الوُرودْ // قلبي على حُبلى على الطرقاتِ أجهضَهَا الغُزاةْ // يا أيُّهَا الأطفالُ ! يا أبطالُ ! // هُبُّوا حطِّمُوا هذا الذي يدعونهُ عصرَ الحضَارَهْ // واسترجعُوا عصرَ الحِجَارَهْ // " )) .
كما أننا نجدُ شاعرنا في بعض ِ قصائِدِهِ يأخذ ُ بعضَ الشَّخصيَّات التاريخيَّة والأسطوريَّة ويُوظِّفها في قصائدِهِ ، مثل : ملك الحيرة عمر بن هند التنوخي الذي كانَ يُلقَّبُ بمُضَرِّطِ الحجارة لِظلمِهِ وقسَاوتِهِ وطغيانِهِ وقد قتلهُ الشَّاعرُ عمرو بن كلثوم التغلبي . وزيد الخيل بن المهلهل النبهاني الطائي الذي اشتهرَ بفروسيَّتِهِ وشجاعتِهِ وكانَ طويلَ القامةِ يُقبِّلُ الحِسانَ وهُنَّ على الهوادج … وهو إبنُ عمِّ حاتم الطائي الذي اشتهرَ بالجودِ والكرم . فيقولُ شاعرنا مثلاً : ("عمرو بن هندٍ انتهَى // وبقيَ زيدُ الخيل ِ // تشتاقُهُ حِسانُ الهَوادج // " ) .
وهنالكَ قصيدةٌ أخرى لفتت انتباهي في الديوان بعنوان : ( " عن الشِّعر والشَّمس " – صفحة 96 – 97 ) – على وزن مجزوء الكامل ( المرفل ) ففيها يتحدَّثُ عن شعراء اليوم الذين معظمهم لا يعرفونَ الأوزانَ ولا قواعد اللغةِ والنحو ويفتقرونَ للموهبةِ الشِّعريَّة الفطريَّة فتأتي أشعارُهُم وكتاباتُهم ركيكة ً ضعيفة ًهجينة ً وهي ليست شعرًا ولا ُتعتبرُ عملاً أدبيًّا . فهؤلاء الذين نحنُ في صددِهم شَوَّهُوا شكلَ ووجهَ الأدب والشِّعر … يقولُ الدكتور جمال قعوار : (" يا وَيْحَ وَجْهَ الشِّعرِ إنْ خَلعَ الكريمُ الأصل ِ جلدَهْ وَبَنى الحُرُوفَ هَجينة ً مِن غير ِ أرض ٍ مُسْتمَدَّهْ أينَ الرَّوائِعُ َتستعيدُ بها بديعَ للشِّعر ِ مجدَهْ ") .. إلخ .
وفي نهايةِ هذهِ الدِّراسةِ المُختصرةِ أريدُ القولَ : إنَّ شاعرَنا المرحوم الدكتور " جمال قعوار " هو في طليعةِ الشُّعراءِ الفلسطينيِّين المحلِّيِّين المُبدعين والمُجَدِّدين والرُّوَّاد المتميِّزين فنًّا وأصالة ً ومقدرة ً وإبداعًا منذ الجيل الأول – جيل النكبة (عام 1948 ) – إلى الآن . وهو أوَّلُ المتمكنين والضليعين والمتبحِّرين في اللغة ِ العربيَّة دون منازع ٍ بالرغم من كونهِ لم يكن مرة ً عضوًا في مجمع اللغة العربيَّة المُعيَّن والمَدُعوم من السُّلطةِ .. ويُعتبرُ أيضًا نموذجًا أوَّليًّا للشُّعراءِ الكبار الملتزمين والمبدعين الذين حاولتْ بعضُ الجهاتِ المشبوهة والآثمة بوسائل إعلامها الصفراء التعتيم عليهم وعلى أدبهِم وإبداعهِم ، ولكنها لم ..لم تستطعْ . وشاعرُنا ينتمي حسب منهج وأسلوبِ وطابع كتاباتِهِ إلى المدرسةِ الشِّعريَّة الغنائيَّة الحديثة ، ويلتقي في شعرهِ وتجديداتهِ ومواضيع ومستوى كتاباتِهِ وأبعادها الفكريَّة والفنيَّة والفلسفيَّة والتجديديَّة مع كبار الشُّعراء العرب في الدول العربيَّة الذين أغنوا وأثروا المدرسة َ الشِّعريَّة الحديثة الغنائيَّة الأصيلة بروائعِهم وخرائِدِهِم الخالدَة ، مثل الشُّعراء : عمر أبو ريشه ، نزار قبَّاني ، إبراهيم ناجي ، فاروق شوشه ، نجم الدين صالح ، وجيه البارودي ، صالح جودت ، سليمان العيسى ، إبراهيم طوقان ، حيدر محمود … وغيرهم . ( بقلم : حاتم جوعيه – المغار – الجليل – فلسطين)