التسويق والمال السياسي وأثره بالعملية الإنتخابية
تاريخ النشر: 22/11/15 | 18:05تعتبر الحملات الانتخابية البداية الحقيقة لتحقيق الفوز في ألانتخابات ففي الانتخابات البرلمانية تساعد المرشح على الاقتراب الشديد من ناخبيه وإقناعهم بأنه سوف يدافع عن مصالحهم ويحقق أمالهم وطموحاتهم. ولذا تعتبر الحملات الانتخابية للمرشحين
هي الشكل الراقي للممارسة الديمقراطية لحسم التنافس على جمهور الناخبين، لأن الفيصل الحاكم عند التخطيط للحملات الانتخابية هو المرشح ذاته وتاريخه وإنجازاته ومقترحاته لتلبية احتياجات المواطنين وحل مشاكلهم، ومدى اقتناع الجماهير به وفي الوقت نفسه إجهاض فرص التأثير على المواطنين التي يقوم بها المرشح الآخر.
ويمكن تعريف الحملة الانتخابية على أنها “مجموعة الأنشطة التي يقوم بها الحزب أو المرشح السياسي بهدف إمداد الجمهور والناخبين بالمعلومات عن برنامجه وسياسته وأهدافه، ومحاولة التأثير فيهم بكل الوسائل والأساليب والإمكانات المتوفرة من خلال جميع قنوات الاتصال والإقناع وذلك بهدف الحصول على أصوات الناخبين وتحقيق الفوز في ألانتخابات عرفت مصر الدعاية الانتخابية منذ أوائل القرن العشرين الميلادي وخاصة بعد ظهور الأحزاب السياسية المصرية ونشاطها فى طلب الاستقلال والنهوض بالبلاد، ثم اتسعت الدائرة لتشمل انتخابات أعضاء المجالس البرلمانية بعد إقرارها فى دستور 1923.
وقد تمّ تحجيم الدعاية الانتخابية كثيراً بعد إلغاء الثورة للأحزاب السياسية، واقتصرت العملية الانتخابية على المجلس النيابى – إلى أن أعاد الرئيس السادات العمل تدريجياً بنظام الأحزاب سنة 1974 – حتى صدر القانون رقم 40 لسنة 1977م بشأن نظام الأحزاب السياسية، فعادت قضية الدعاية الانتخابية إلى شدّتها من جديد، وخاصة بعد توسعة نطاق الانتخابات لتشمل الانتخابات الرئاسية لأول مرة فى مصر سنة 2005، فأخذت قضية الدعاية الانتخابية شكلاً جديدًا، وصارت عملاً فنيًّا وعلميًّا مُعقدًّا، يحتاج إلى أن تقوم به شركات ومكاتب متخصصة.
وجدير بالذكر أن الحملة الانتخابية لابد أن يسبقها عملية “تسويق سياسيي للمرشح أو الحزب فالتسويق السياسي هو عملية متواصلة ومستمرة لتخطيط وتنفيذ وتقويم البرامج السياسية بما يساعد على اشباع احتياجات ورغبات المواطنين لضمان النجاح للأحزاب والمرشحين في البيئات السياسية المختلفة تعدّدت اصطلاحات الدعاية من ذلك اعتبارها فنّ تعبئة القوى الفكرية والعاطفية لتسيير عمليّة الإقناع بمثاليّة برنامج سياسي أو رأي أو موقف. والدّعاية عملية تستهدف التأثير على الرأي العام لإفراز سلوك سياسي معين أو لتغيير رأي أو تعديل موقف وهي تسعي إلى إقناع المتلقي بصحة الآراء التي يتبناها تنظيم سياسي أو حزب. كذلك اعتبرها البعض عملية تشتيت ذهني تؤدي إلى تشويه في المنطق والبتّالي إلى نوع من التشتت في السلوك. وهي تستهدف التأثير على السلوك السياسي للمتلقي ويكون ذلك بترسيخ مجموعة من القيم في قناعاته أو حمله على تغيير نمط سلوكه العام.
وهي تنطلق من الباث في شكل خطاب سياسي أو شعار أو رمز أو صورة وما إلى ذلك لتصل إلى الجماهير قصد تغيير مظاهر الاستجابة أي الرأي أو الموقف أو السلوك أو تثبيتها.
1- الباث أو المرسل أو المصدر ويكون عادة حزبا أو فئة مجتمعية وهذا الباب يفترض أن يكون له تصور سياسي شامل ومنطلقات فكرية واضحة وبرنامج متماسك ومبادئ وقيم ثابتة. وان يكون هدفه ترسيخ الاقتناع برؤاه السياسية عند الموالين له من الجمهور والسعي إلى تغيير مواقف الشرائح الأخرى. وحني يعتبر العمل الدعائي ناجحا ينبغي أن يتغلب منطق الباث على الممانعات القائمة.
2- الخطاب السياسي وهو يحمل رسالة دعائية هي عبارة عن مجموع الآراء والأفكار والمواقف التي يعبر عنها جهرا أو سرا تنظيم سياسي ما. وهذا الخطاب يأتي في أشكال متعدّدة كأن يكون بيانا منشورا أو مذاعا أو شريطا وثائقيا أو كتبا تحمل جميعا
الدعاية السوداء نوع من أنواع الدعاية السلبية، تعتمد على الكذب واتخاذ تشويه المنافس أساسًا للتقدم عليه وتغيير وعى الناخبين ومواقفهم النفسية والعقلية من أطراف المنافسة، وتعتمد الدعاية السوداء على تشويه الخصم وتلفيق الاتهامات له، والكذب عليه بكل وجه، وتضخيم أخطائه لتصل إلى مستوى الخطيئة، وإثارة الشائعات المدمِّرة حوله. ومن هنا تبدو الدعاية السوداء نوعًا من الدعاية السلبية يختلف عن غيره من أنواع الدعاية، والحقيقة فإن الدعاية السلبية تركز على الغزو النفسى والعقلى للناخب حتى يفقد السيطرة على قيادة نفسه، وتحرمه حقّ الانتخاب الحر وخاصة إذا اعتمدت على سياسة الإغراق الإعلامى الذي يحدث حتى فى أعرق بلاد الديمقراطية فى العالم. تُقدِّم نظرية التسويق السياسي جهازًا مفاهيميًا لدراسة استراتيجية الحملات الانتخابية وقواعدها، وأساليب الترويج للبرنامج السياسي، وأدوات لتحليل المشهد الانتخابي بوجه عام انطلاقًا من سؤالين أساسيين، هما: كيف يقوم المرشح بالتسويق السياسي؟ وكيف يحصل على المعلومات في السياسة؟
ونحتاج قبل تحديد هذا الجهاز المفاهيمي والأطر المعرفية لنظرية التسويق السياسي إلى الإحاطة بمفهوم “التسويق السياسي” نفسه، والذي يُقصدُ به “تحليل وتخطيط وتنفيذ والتحكم في البرامج السياسية والانتخابية التي تضمن بناء العلاقات ذات المنفعة المتبادلة بين الناخبين وكيان سياسي ما أو مرشح ما، والحفاظ على هذه العلاقة من أجل تحقيق أهداف المُسَوِّق السياسي
. وهنا يُعْنَى تسويق السياسة بكيفية عمل المؤسسة السياسية أو الحزب السياسي عند صياغة المنتجات، وتطوير البرامج وحملات الإشهار والدعاية للاتصال السياسي والإستراتيجية التشغيلية أو التجزئة للجمهور المستهدف لتلبية حاجات الناس الذين يصطفون لتجميع ودفع سعر المنتج السياسي.
لان ما يعطي للحزب السياسي قيمته التنافسية في الانتخابات هو برنامجه الانتخابي الذي يطمح إلى تنفيذه إذا ما وصل إلى السلطة، لذلك فالبرنامج الانتخابي يجب أن يعبر عن مشروع مجتمعي واضح الأهداف والمبادئ وقابل للتطبيق، ويفترض في البرنامج الانتخابي أن يتضمن متطلبات واحتياجات وآمال المواطنين، الناخبين،
وثانيا أن يكون مؤسسا وقائما على إيديولوجية سياسية ومرجعية فكرية خاصة وواضحة تجعله مميزا عن البرامج الأخرى، ولأن البعد الأول نجد له تماثلا أو تشابها في خطابات الأحزاب السياسية لكون هذه الأخيرة تدعي أنها تمثل المواطنين وتدافع عن متطلباتهم وحاجياتهم، فإن البعد الثاني -الإيديولوجي- هو الذي يميز حزبا سياسيا عن آخر، غير أن هذا يفترض بالأساس أن يكون للحزب السياسي أيديولوجية أو مرجعية فكرية ينهل منها ويؤسس عليها مشروعه المجتمعي، الحقيقة أن البرنامج الانتخابي الذي يكون مؤسسا على إيديولوجية فكرية واضحة ويتضمن أهدافا مجتمعية تستجيب لحاجيات المواطنين، يلقى إقبالا جماهيريا عليه، ويساعد الحزب السياسي أو المرشح السياسي على استمالة الناخبين للتصويت عليه، ويكون أكثر قدرة على الإقناع.
تعد الأحزاب السياسية المرسل الأساسي للمعلومات السياسية في الانتخابات، زيادة إلى أفراد لا ينتمون إلى هيئة معينة، وتعكس البرامج السياسية مضمون الخطاب السياسي، إلا أنها تطرح إشكالية كبرى تتمثل في مدى استيعاب المرسل للمشاكل المجتمعية ذات الأهمية البالغة، لأن مضمون الخطاب السياسي للانتخابات يعطي فكرة تقريبية عن مشروع التدبير المجتمعي لدى الأحزاب السياسية.
والتسويق السياسي الانتخابي ليس إلا آلية لخدمة الإستراتيجية الانتخابية للأحزاب، لذلك وبمثل ما يكون الإشهار الجيد لا يضمن الإقبال على سلعة رديئة، فإن نجاح آلياته مهما كانت حداثية يتوقف أيضا على جودة الرسالة التي تمررها. هكذا فتحديث آليات التسويق الانتخابي لا يعني شيئا في غياب نقاش سياسي حول السياسات الوطنية الكبرى وحول برامج تنافسية مؤسسة على مشاريع مجتمعية مختلفة.
بقلم: د.عادل عامر