إنذار خاطئ.. هذا ليس عهد الحرية
تاريخ النشر: 03/07/13 | 9:55إنه حقاً من المحزن والمؤلم ما نشاهده جميعاً يحصل اليوم في العالم العربي، فحال الدول التي مرت بها الثورات العربية ليس بأفضل من حال تلك التي ما زالت قابعة تحت دك المدافع، الدبابات والطائرات النظامية التي ما زالت تصر وتحاول أن "تقنع" شعوبها على أن عهد الحرية لم يحن بعد. وعلى ما يبدو فإننا كعرب وكشعوب إسلامية بلغنا من المأساوية ما تعجز عن تحمله المآسي نفسها.
إن تشخيصي لما يحدث اليوم بالعالم العربي هو كما يبدو أن هناك للثورات العربية شيفرات تتحدث بها، ولم ينجح أحد حتى الآن في فك رموزها بالرغم من أن الثوار يتحدثون باللغة العربية ويعبرون عن مطالبهم بشكل واضح وعلى الهواء مباشرة، إلا أنه يبدو أن أصحاب المناصب والنخب (الذين كانوا قبل الثورات والذين جاؤوا بعدها) لا يفهمون القول الصريح ويفضلون تأويل المطالب الواضحة إلى أولويات وسياسات عمل لا تعلم الشعوب من أين أتوا بها.
مثال على ما يحدث اليوم في مصر من ثورة جديدة على الثورة الوليدة، إنها حالة مأساوية لثورة نجحت وما لبثت أن بدأت تتراكم ضدها ثورة جديدة، وذلك لأسباب أفسرها بالأتي:
جميعنا نعلم أن الشعب المصري خلال الثورة وبعدها كان يقسم إلى قسمين إثنين، الأول ذو طابع إسلامي متدين، والثاني يميل إلى العلمانية بدرجات متفاوتة. الرئيس مرسي خلال فترة حكمة القصيرة (سنة) إستطاع أن يثير حفيظة الطرفين على حد سواء، فأغضب قسم من الشعب على الصعيد الداخلي يوم أن قام بتركيب حكومة إختار أعضائها على أساس إنتمائهم وتوجهاتهم الإسلامية (وهذا من حقه) ولكن دون أن يراعي حقيقة أن الدولة مرت بثورة عظيمة إقتلعت نظام تجذر في الدولة المصرية على مدار عقود طويلة من الزمن خلف ورائه الكثير من الفساد والتقصير في جميع مناحي الحياة، وعادة الشعوب بعد الثورات تنتظر نتائج سريعة تتلائم مع تسارع ونبض الثورة التي حققت إنجازات عظيمة خلال أيام معدودة فقط. لذا، فالأولى للرئيس مرسي كان إنشاء حكومة ترعي المهنية (أناس مهنيين) في شتى الوزارات والمجالات، أناس أصحاب خبرة حقيقية في مجالات الإقتصاد، الأمن والداخلية وباقي وزارات الدولة بغض النظر عن إنتمائاتهم في هذه المرحلة المفصلية من عمر الثورة في مصر، إلا أن حماس مرسي لإدخال شخصيات إسلامية محترمة ولا غبار عليها، إلا أنهم لم يكونوا الأشخاص المناسبين لهذه المرحلة، غلب على تحكيم المنطق.
بذلك أضاع مرسي على مدار سنة كاملة فرصة إحراز تقدم سريع وعرض نتائج فعلية (غير التصريحات) على الشعب المصري المتعطش لأي إنجاز في هذه المرحلة، مثيراً بذلك حفيظة من ثاروا إحتجاجاً على الوضع الإقتصادي الذي ساد في عهد الرئيس حسني مبارك.
ليس هذا فحسب، فقد نجح الرئيس الجديد (محمد مرسي) بإثارة حفيظة القسم الآخر من الشعب المصري (الإسلاميين) عندما قرر، وخلافاً لرغبة غالبية المصوتين له، بأن يقيم علاقات مع إيران، وهي خطوة لم يكن ليتخذها الديكتاتور السابق حسني مبارك لما يعلمه من مخاطر لمثل تلك الخطوة على أمن وإستقرار مصر على المدى الطويل.
وقد يقول البعض بأن غالبية قادة التمرد الذي يشن على مرسي اليوم هم من أصحاب الأجندات الخارجية الراغبين في ضرب مصر، لنتفق على ذلك جدلاً، ولكن، من الذي جعل كل هذه الملايين تصطف خلفهم ؟؟!! هل يمكن أن ملايين من الشعب المصري قد قبض من الغرب ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!
بعد فترة قصيرة من إنتخاب الرئيس مرسي شاهدنا محاولات تقاربه مع إيران، وكان تتويجاً لهذا التقارب هو زيارة أحمدي نجاد للقاهرة قبل شهور، وهي خطوة دلت على حسن نوايا الرئيس مرسي، ولكن، لم تشفع له حسن نواياه هذه، حيث قام هذا الموتور (المسمى نجاد)، وبنفس اليوم وخلال الزيارة، بمقاطعة شيخ أزهري كان يتحدث في مؤتمر صحفي برفقته من داخل الأزهر الشريف عندما قال هذا الشيخ الأزهري بأن ثمرة هذا التقارب هي وعد من إيران بالتوقف عن سب الصحابة، زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم والإساءة للإسلام، فقاطعه أحمد نجاد قائلاً:
"لا تغالط يا شيخ.. لم نعط وعوداً بأي شيئ". أي بصريح العبارة أراد نجاد القول بأننا جئنا لدفع الدولارات مقابل السماح لنا بالسب في مصر.
إذاً، ليس بالنوايا الحسنة فقط تدار الدول يا سيادة الرئيس مرسي، ولو خُير من إنتخبك من الشعب المصري بين المصلحة الإقتصادية أو الدين لإختاروا العودة للنظام السابق على إدخال إيران لمصر، بالرغم من كل ما يقال عن الفوائد المادية التي ستجنيها مصر من هذا التقارب. فيا ليتك يا سيادة الرئيس مرسي أصغيت بشكل أفضل لكل الشعب المصري، فصوته واضح ومطالبه كذلك واضحة، ولكن هي كما قلت، يبدو أن شيفرة الكلام الواضح لا يفهمها البعض، وخسارة، خصوصاً وأن الناس لا تزال في الشوارع ولم تعد إلى بيوتها حقاً بعد.
من مآسي الثورات العربية أيضاً الذي ما زال يجري في سوريا حتى اليوم، وهو أمر يتحمل مسؤوليتة ليس النظام السوري الدموي فقط الذي أصبح بتماديه ما بعد الجريمة، ما بعد الدموية، بل يتحمل المسؤولية على ما يحدث هناك الخطاب العربي بشقيه (الأنظمة والشعوب) الذين أجرموا بحق الشعب السوري على ما يبدوه من وهن، جُبن ونذالة سيكتب عنها التاريخ، وحتماً ستتحدث عنها كثيراً الأجيال القادمة التي ستعرف بالضبط في أي خانة ستضع كل حاكم، مسؤول وكل رجل دين. كما ونبشر جميع جيوش العار العربية والإسلامية التي ما تركت مناسبة للخذلان إلا خذلت، نبشركم بأوسمة من الخزي المطرز بالشنار، فسبحان الله، أنظروا إلى ليبيا التي تولت ثورتها رحمة رب العالمين أولاً، ثم الدول الغربية كيف إستطاعت أن تنهي حقبة مظلمة من تاريخها، وأبعد من ذلك، إستطاعت الثورة الليبية أن تأتي بحكومة إسلامية مستقرة إلى حد كبير، أما حيث وضعت دول وجيوش الهزائم العربية يدها، التي تترنح مرة كقوة وطنية، ومرة كحليف للغرب، ومرة كحليف للشرق (إيران، الصين وروسيا)، أضاعت سوريا وشعبها، فمدن سوريا اليوم غالبيتها أصبحت رماداً، وشعبها توزع إما قتلى، أو جرحى أو مهجرين في خيام الذل تخوفهم أذرع الأمن بالدول التي لاجئوا إليها وتعربد عليهم مليشيات حزب اللات في لبنان لدرجة وصل فيها الفلسطيني هناك (في لبنان) الخوف من التصريح بأنه يؤوي سورياً أو أنه يؤيد الثورة السورية.
وعلى ذكر حزب اللات نتذكر أيضاً مأساة جديدة اخرى من مآسي العالم العربي، وهي ضرب فصيل سني لبناني كامل قبل أيام دون أن يتحدث عن ذلك أحد أو نسمع صوتاً لأحد، فلا نطق الإسلاميون، ولا الوطنيون ولا حتى من يدعون بأنهم حقوقيون، فها هو الشيخ السني أحمد الأسير يٌغيب بمصير مجهول حتى الآن، فهو إما قتيلاً وإما جريحاً وإما طريداً بعد أن تكاتفت عليه أيدي الجيش اللبناني مع مرتزقة حزب اللات الإيراني حيث دك الجيش اللبناني "البطل" مسجد بلال بن رباح رضي الله عنه الذي كان يؤمه الشيخ الأسير، وليرى العالم إلى أي حد أوصلنا "حكمائنا" من قيادات سياسية ودينية الذين لا يصلح الواحد منهم لفك "طوشة" بين عائلتين إختلفتا على دجاجة، فيأتي الواحد منهم ليصدع روؤسنا بأن مقتل الشيخ الشيعي المصري (حسن شحاتة) هي جريمة يندى لها جبين الإنسانية في حين لم نسمعه يصف بكلمة واحدة ما يفعله النظام السوري المجرم خوفاً من إغضاب ساداته وبالتالي إنقطاع ممرات تهريب الدولارات لأسباب "فنية".
فمن هنا، نحن كعامة الشعب نطالب بأن يتوقف كل أصحاب المصالح والمناصب الذين يقعون تحت تأثير تناقض المصالح عن التدخل بالقضايا التي تحتاج إلى قرارات مصيرية، نطالبهم أن يصمتوا وينأوا بأنفسهم ومصالحهم عن هذا الخلاف، فنحن لم نعد نطالبهم بشيئ، لأن عجزهم بات واضحاً للعيان.
وبالنهاية أقول، يبدو أن الحالات التي انتجتها الثورات أصبحت قاصرة تماماً مثل الحالات التي سبقتها، ويبدو أن القيادات التي تعودت على الذل واستساغته لم تعد قادرة على مقاومتة، وأظن، والله أعلم، أن جرس الحرية الذي قرع مع بداية الثورات العربية لينبئنا بوصول الحرية ما كان إلا إنذار كاذب، وحالياً، لا يبدو أي جديد بهذا الأفق القاتم، الحرية والتحرر لا زالت على بٌعد سنوات ضوئية من العرب والمسلمين، فعودوا إلى نومكم يرحمنا ويرحمكم الله.