أنين أمين الدمشقي
تاريخ النشر: 05/07/13 | 4:46في امسِ كنتُ ، كعادتي ، جالِسًا في فيء زيتونة حاكورتي قبالَةَ صَخْرتي الجليلية المُحَبَّبة ، أحاور قلقا مُضْنِيًا راحَ اشتعاله المُنهِك يتخلَّلُ عَتَماتِ ذُهْني ، حَتّى كاد يُفْقِدُني أمل الحياة وجَمالِيّاتها .
أذْكُرُ لَحْظَتَها ، كانتِ العتمَةُ المَسائية تَنْشُر عباءتها داكنة السواد على خد الأفق، فكانت تلك العتمة أشبه بلحظات تدميرٍ ذاتيٍّ مُمْسِكٍ بمراحاتِ إنسانيتي .
وفيما أنا مُنْشَغِلٌ بحوارِ ذاتي ومُساءلتها عن السر في هذا اتدمير الحاصل ، شُبِّهَ لي أنَّ أنينا ، هو أقرب إلى الصدى الموجع ، باتَ يَصِلُ مَسامِعي اليَقِظة. وحين تأملت أنين ذاك الصدى ، رأيت ملامح إنسان ، أسمر البشرة وشاب الملامح ، عرفت فيه وجه ابن أخي وخالي أمين محمد الدمشقي .
صُعِقْت من وجعي حين سمعتُ ذاك الأنين .
سَمِعْتُه هامسًا في ألم ، ذكرني بالألم السوري الموجع والشبيه بما حدثَ من قبل في العراق والجزائر وفي فلسطين .
وفجأةً مرَّ أمام عَيْنَيَّ الْمُرْهقتين شريط هو مزيج من لونيّ ذاك التدمير ، لونٍ أحْمَرَ شبيهٍ بلون الدم القاني المسفوك بغزارة وأخَرَ شديدِ السَّواد شبيه لما نحن فيه :
عتمة عقل مطبقة .
كان الشريطُ مُثْقَلاً بِدَلالاتٍ ثلاثة .
فالقلعة لا يأخذها غازون إلاّ بعون ناس مقيمين في القلعة . وكَمْ نحنُ بحاجة إلى معرفة هذه الحقيقة ، التي هي خلاصة تجربة حياة .
الإنسان ، أكثر الناس هم أعداء أنفسهم ، والإنسان يصير عدوَّ نفسه ، حين يَكِفُّ عن سؤال نفسه عما هو فيه ويرفض البحث عن أجوبة حياة .
والدلالة الثالثة أيقظت في سؤال مربك : أين هو الضمير الإنساني في كل ما حدث وما كان ؟ .
سمعت أمين محمد الدمشقي يهمس آناً :
بِتُّ طريحَ سرير ، أنتظرُ مسار حياة موجع كالمحن الحياتية ، حين أصبت بطلقات قناصة ، كنتُ لا أزالُ شابا يتفتح على الحياة ، يحلم بعالم مهور مُجنَّحَة ، هي أشبه بجديان ماعزٍ تَعشق رؤوس قمم الجبال وصخر منحيات الوديان ، وما فيها ، حولها وبينها ، من ماءٍ ، عشبٍ وشجر .
قالَ ، كما شُبِّهَ لي ، منذ استعدْتُ وعيي ، أفقتُ من غيبوبة الإصابة بدأتُ أحلم :
أن أعود بعض ما كنتُهُ ولا زِلْتُ أحلم ! أن نعود بعض ما كُنّاهُ .
وحين انقطع الأنين الهامس ، وجدتُني أسألُ نفسي موجَعًا :
أية محنة هي هذه ؟
نظرتُ إلى الأفق ، علّي أجد بصيص أمل ، فلا أعود أسمع أنينا موجِعًا ويكفُّ الإنسان عن قنص نفسه .