هل سننجح بتحقيق خطة اقتصادية مفيدة للعرب؟
تاريخ النشر: 25/11/15 | 18:44قضايا شعبنا شمولية ومتداخلة فنحن أهل الوطن الأصليون، مجموعة قومية تناضل من أجل الحقوق القومية (الاعتراف بها كمجموعة قومية وأصلانية والاعتراف بالغُبن التاريخي مثل النكبة ومصادرة الأراضي وإقامة مؤسسات قومية وغيرها من الحقوق الجماعية والتاريخية) ونحن مجموعة مواطنين تناضل من أجل الحقوق المدنية (التشغيل والصحة والرفاه والسلطات المحلية وغيرها) ونحن جزء من شعب محتلّ منذ العام 67 ومهجّر في أصقاع الأرض منذ العام 48 ونرى لزامًا أخلاقيا وقوميًا ومدنيًا أن نناضل، من موقعنا المتميّز، وبالشراكة مع القوى التقدمية في الشارع الإسرائيلي، من أجل تحقيق حقوقه المشروعة. وفي الوقت ذاته لدينا موقع للتأثير في سائر القضايا العامة في إسرائيل كقضايا الديمقراطية والعدل الاجتماعي (من أجل المساواة الاقتصادية) والتقدم الاجتماعي (من أجل المساواة بين الرجل والمرأة وسائر القضايا الاجتماعية).
• اتجاهان مرفوضان!
هناك من يقترح علينا التنازل عن ساحة نضال والتركيز في غيرها. هذا الطرح غير مقبول أخلاقيا ومبدئيًا لأنه يعني إدارة الظهر لقضية أو قضايا عادلة، وغير مقبول عمليًا لأن قضايانا مترابطة حقًا. وتكفي هذه الأيام دلالة حيث أن تصعيدًا في المناطق المحتلة أدّى الى اختناق الهامش الدمقراطي هنا والتضييق على المواطنين العرب في كل مناحي الحياة. كما أن تركيز مليارات الشواقل في يد حفنة من رؤوس الأموال ورصد الميارات للعسكرة والاستيطان يعني عمليًا ضرب كل الفقراء وعلى رأسهم المواطنون العرب (ثلثا الأطفال الفقراء في إسرائيل هم عرب!).
وهناك اتجاه أخر غير مقبول أيضًا، وهو مطالبتنا بالمراوحة في الشعار السياسي فقط دون تحقيق انجازات، وطرح القضايا الكبرى والقفز عن الهمّ اليومي للناس البسطاء، بحجة أننا لن نتقدّم قيْد أنملة دون حلّ القضايا الكبرى. وهذا الطرح قاصر عن إعطاء تبرير للتقدّم المنهجي للمواطنين العرب منذ وقف مصادرة الأراضي بالجملة، إلى الاعتراف بالقرى غير المعترف بها في الجليل، والاعتراف بعشر قرى في النقب، والتقدّم البطيء في تشغيل العرب في المؤسسات الرسمية وزيادة عدد الطلاب العرب بالجامعات، وغيرها. بل أقول أكثر من ذلك بأن الجمهور يرفض بالفطرة كل من يترفّع عن الهمّ اليومي للناس، لأن من لا يحمل هم الناس فالناس لن تحمل همه، كما قلنا مرارا وتكرارا.
لقد دأبت كل الحركات الوطنية في العالم على الربط بين الهمّ القومي-السياسي والهمّ اليومي-المدني، وإلا فستصبح القضية الوطنية حكرًا على الطبقات الميسورة، بينما يكتفي الآخرون بسدّ رمق أطفالهم. والتوجّه الوطني الصحيح هو الربط بين كافة القضايا والنضال في كل المواقع.
• التحضير للخطة الاقتصادية
في معركة الانتخابات الأخيرة تحدّثنا عن خطة عشرية لإغلاق الفجوات بين المواطنين العرب واليهود، ومن أجل إغلاق هذه الفجوات فالأمر يتطلّب 62 مليار شاقل! وفوْر دخولنا الكنيست باشرنا بهمّة عالية بالاتصال مع وزير المالية موشيه كحلون وكافة العاملين في وزارة المالية كي نطرح خطة خاصة بالمواطنين العرب. إن هذا التوجّه المباشر الذي استغرق أربعين جلسة مع كبار الموظفين، منها عشر جلسات مع وزير المالية وجلستان مع رئيس الوزراء نتنياهو، أدى إلى بناء خطة كبيرة خاصة بالجمهور العربي.
وعندما أقول بأننا سعينا من أجل ذلك، فأنا أتحدث عن القائمة المشتركة بتعاون كامل مع اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، ومؤسسات المجتمع المدني، مثل مركز “مساواة” الذي له باع طويل في قضايا ميزانية الدولة بقيادة مديره جعفر فرح، وجمعية “سيكوي” التي تقدّم تقارير مهنية للمؤسسات الرسمية، وقد كان عنواننا المهني الاقتصادي علاء غنطوس.
• مضمون الخطة الاقتصادية
يُظهر قسم الميزانيات في وزارة المالية والبنك المركزي معطيات حول الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد في المستقبل اذا لم يتم دمج المواطنين العرب بسوق العمل. إذًا فهناك قناعة متصاعدة بهذا الاتجاه ولكنها تصطدم بالعقلية والبنية العنصرية للدولة.
وليست لدينا أوهام حول طبيعة هذه الحكومة، وعدائها السافر للجماهير العربية. ولكن التناقض في هذه المسألة هو أنّ سياسة التهميش والتمييز العنصري، بآثارها الاجتماعية والاقتصادية المعروفة، تمسّ بمجمل الاقتصاد الإسرائيلي. وقد وصلت الجهات المهنية في الحكومة إلى استنتاج مفاده أنه دون إحداث تحوّل جذري في أوضاع الجماهير العربية واليهود المتزمتين (الحريديم) فإنّ الاقتصاد الإسرائيلي سيذهب إلى مزيد من التدهور ومزيد من التدني حسب المعايير العالمية، لا سيما مؤشرات منظمة التعاون الاقتصادي (OECD). ومن واجبنا استغلال هذا التناقض لما يخدم مصلحة جماهيرنا، خاصةً الأجيال الشابة التي تكافح من أجل شقّ طريقها في الحياة. هذا مع العلم بأنّ طبيعة حياة شرائح واسعة من “الحريديم” تحول دون اندماجهم في الاقتصاد، بينما يريد المواطنون العرب التعلّم والعمل والإنتاج.
بالعمل المثابر من قبل القائمة المشتركة تمّ، خلال النصف سنة الأخيرة، إعداد خطة في وزارة المالية، وبفضل المفاوضات المنهجية تمّ تطويرها بشكل جذري، وأسمها الرسمي: “برنامج شمولي للدمج الاقتصادي للمجتمع العربي من خلال آليات تصحيحية لمنظومة توزيع الميزانيات”.
هذه الخطة تختلف عن الخطط الحكومية التي تم إعدادها سابقًا. حيث لا يتم الحديث عن خطة خمسية تخصص ميزانيات إضافية مؤقتة للمواطنين العرب. إنما عن توجّه تصحيحي لآليات توزيع الميزانيات. وتنوي، حسب المقدّمة المعلنة للخطة، تغيير آليات توزيع الميزانيات العادية في المجالات المختلفة.
صحيح أن ميزانية الدولة للعامين 2015 و2016 مُرّرت قبل اتخاذ قرار حكومي بشأن هذه الخطة، إلا أنه يمكن دمجها خلال الشهر القادم لأنها عبارة عن تغييرات داخل بنية الميزانية ذاتها، الوزارات والمكاتب الحكومية. هذا هو التقييم المهني، ولكن الأمر يبقى متعلقًا بصدق النوايا، وهذه الجملة “صدق النوايا” ترافقنا مع كل جملة تُكتب في هذا المقال، لأنها الجملة الشرطية لتنفيذ كلّ ما يُكتب هنا.
تشمل الخُطة نحو 50 آلية توزيع مركزية بضمنها آليات تفضيل ترفع نسبة الميزانية المخصصة للمواطنين العرب إلى30% حتى 40% في بعض البنود بهدف التعويض عن التمييز المستمر اللاحق بالمواطنين العرب منذ قيام الدولة إلى يومنا هذا.
لا شك في أنّ تحسين آليات التوزيع من آليات تمييزية إلى آليات توزيع أكثر إنصافًا سيضمن تحويل ميزانيات كبيرة للمجتمع العربي. مثلاً، يحصل المواطنون العرب على 7% من ميزانيات المواصلات العامة. الخطة الجديدة تحوي تغييرًا جديًا لآليات التوزيع يضمن تحويل مئات ملايين الشواقل لصالح المواطنين العرب، بالإضافة إلى تحويل المزيد من خطوط المواصلات العامة إلى البلدات العربية كل سنة. في مجال التعليم تكشف الخطة الجديدة تمييزًا كبيرًا يصل إلى عشرات النسب المئوية في تخصيص الميزانيات، ويحوّل توزيع الميزانيات إلى آلية تصحيحية. وبسبب ضخامة ميزانية وزارة التربية والتعليم فإن هذا التغيير سيضمن تحويلات مالية ضخمة إلى جهاز التعليم العربي سنويًا.
إن تغيير آليات توزيع الميزانيات هو تغيير جوهري من اجل إغلاق الفجوات بين المواطنين العرب واليهود.
الخطة تشمل البنود التالية:
* التربية والتعليم – تصحيح التمييز الكبير في توزيع الميزانيات في الجوانب التالية: الحضانات، التعليم الابتدائي، التعليم الإعدادي، التعليم الثانوي والتربية اللا منهجية.
* البنى التحتية، الشوارع والصرف الصحي. – الهدف هو إغلاق الفجوات بين البلدات العربية واليهودية، بما يشمل 30-40% من الميزانية الحكومية لإغلاق الفوارق، وتحسين الطرق البلدية التي تخدم البلدات العربية.
* المواصلات العامة – الهدف هو إغلاق الفجوات الكبيرة بين البلدات اليهودية والعربية، من خلال سياسة تفضيلية تزيد من حصة البلدات العربية.
* التشغيل – بما يشمل تحسين آليات التوزيع لتطوير الصناعة.
* السلطات المحلية- مواءمة (“ماتشينغ”) متعددة وتوزيع الضريبة البلدية (الأرنونا) الحكومية بشكل أكثر عدلا.
* الإسكان – تخصيص ميزانيات لتنفيذ توصيات طاقم الـ 120 يومًا.
* الأمن الداخلي – زيادة الميزانيات للبلدات العربية وإضافة برامج مكافحة العنف والجريمة. (وهنا بطبيعة الحال ما زال النقاش قائمة حول طبيعة هذا الاستثمار لأنني نريده مباشرة في جمع السلاح ومكافحة الجريمة).
* السلطات المحلية – يحوي البرنامج المقترح عددًا من آليات توزيع الميزانيات المباشرة للسلطات المحلية: توزيع ضريبة الأرنونا الحكومية أيضًا على البلدات العربية وآلية توزيع تفضيلية في ميزانيات الرفاه والخدمات الاجتماعية والتعليم.
• النواقص الأساسية للخطة
النقص الأكبر في هذه الخطة هي قفزها عن تحويل أموال مباشرة للسلطات المحلية العربية، مثل هبات الموازنة، ميزانية التطوير (انتزعت القائمة المشتركة مع اللجنة القطرية للرؤساء 250 مليون شاقل لهذا السنة وتم تحويلها فعلا للسلطات المحلية، وحصلت على تعهد بتحويل مئة مليون إضافية) وكذلك النقص في المباني العامة (وهنا حققنا تقدمًا غير كافٍ بتحويل 750 مليون خلال خمس سنوات).
النقص في ميزانيات السلطات المحلية أمر حاسم لفهم العقلية الاقتصادية؛ فالخطة تريد التشغيل كي يتحرّك الاقتصاد، ولكن لا بأس بأن يعود العمال العرب إلى تجمعات سكانية متخلّفة! كما أنّ عدم تحويل ميزانيات للسلطات المحلية يعني أنّ ثمار هذه الخطة المهمة لن تُرى في الأشهر القريبة القادمة. ولهذا فقد تظاهرنا قبل أسبوع قبالة وزارة المالية، وقد يتطلب تحقيق هدفنا الآني نضالاً شعبيًا أوسع، والمفاوضات ما زالت مستمرة في هذا الموضوعالهام.
• هل سننجح؟ وماذا بعد؟
خلف هذه المفاوضات عشرات السنوات من النضال، وأستطيع أن أجزم بأنها أهم خطة اقتصادية خاصة بالمواطنين العرب منذ العام 1948. والمفاوضات على أشدّها والتعهّد الحكومي هو تمرير القرار قبل نهاية هذا العام. ونحن نتعهد لشعبنا، ولكل من يقرأ هذا المقال، أن نواصل بإخلاص ومهنية حتى إقرار الخطة رسميًا خلال ثلاثين يوم من الآن. وفي حالة نجاحنا بذلك فعليْنا بناء طاقم لمتابعة التنفيذ، حيث أن جمهورنا يذكر خططًا حكومية (أقل قيمة وشمولية) أُقرّت ولم ينفّذ منها إلا النزر اليسير.
وبعد.. منذ بداية العام علينا إطلاق الخطة الكبرى (الـ62 مليار لإغلاق الفجوات) وهذه تتطلب نضالا جماهريًا عنيدًا، منظمًا وواعيًا. وهو أحد عناوين المرحلة القادمة بامتياز وكما عاهدناكم خلال الانتخابات فلا نعدكم إلا بالنضال من أجل تحصيل كافة حقوقنا، القومية منها والمدنية.
بقلم النائب أيمن عودة – عضو في الكنيست الإسرائيلية