مصر تتجرع المر
تاريخ النشر: 06/07/13 | 8:11
لا يهم بأي مسمى أسقط محمد مرسي كرئيس لمصر وكممثل للشرعية والشعب، الأكثر أهمية هو ذاك السقوط المتتابع كأحجار الدومينو لكل هيبة مصر، فالثورة قد أسقطت وكذلك دور الشعب الحقيقي، إضافة للأزهر الذي لم يعد شريفا بتلك التغطية الدينية للانقلاب العسكري، فضلا عن سقوط الجيش وعودته لسياسة التوطئة لينهض بالسياسات الأمريكية، وكذلك سقوط الفكر السلفي في بئر الخيانة والتي كانت جزئية مبطنة بالأمس عندما كان رموز السلفية يشهدون للمجلس العسكري ولمبارك إلى أن حانت اللحظة ليعلنوا الولاء لأضداد الثورة والشرعية والشعب المصري، أما بالنسبة للإعلام المصري فيكفي الإشارة إليه عندما ظهر في بيان عزل مرسي بند يوعز بميثاق شرف يلتزم به الإعلام! وفي ذلك شهادة واضحة على عدم شرفه المهني، فضلا أن مثل هذا الميثاق هو في حقيقته تسخير لسياسة نظام قمعي قادم بلا شك.
ما حدث لمرسي يحتاج لمراجعة داخلية قبل كل شئ، لأن الخوض فقط في المؤامرة الطويلة والمعقدة داخليا وخارجيا سيعني فقط تشكيل الأعذار والمواساة، فخلط الأوراق بين الآلية السياسة والفكرية أحدث تناقضات شكلت حفر ومطبات لحكم الإخوان، وما حدث لمرسي يتطلب أيضا مراجعة تاريخية، لأن اصطياد حكم الإخوان بفخاخ سياسية واضحة يتناقض مع تاريخ وتجربة الإخوان المخضرمة، فلم يكن إسقاط مرسي أو الإخوان هو المطلوب ولم يكن إسقاط ثورة 25 هو المطلوب، بل كان المطلوب حقيقة هو الرجوع إلى المربع الأول في الربيع العربي المحرك بعدما استعادت أمريكا عافيتها وكيدها، فكانت المؤامرة بكيد تزول منه الجبال، ويكفي أن الغالبية العظمى من لأبناء الشعوب العربية قد استشعرت حدة المؤامرة، ولا أبالغ أنه لو قدر الاستفتاء الآن على الرئيس مرسي في سماء هذه الأمة لحاز على تأييد غالبية تاريخية غير مسبوقة حتى مقارنة مع الناصرية والتي أسقطها حمدين صباحي بامتياز من وجدان كل عربي.
بكل الأحوال فقد أفرز التمرد "الثوري" ذو الملايين عن شخصية فريدة أمريكياً كالبرادعي كمندوب انتداب للغرب "الثوري"، وكذلك عن مصالحة بين الشعب والشرطة والتي لم تدفع ثمن قتلها للثوار ولم تعاتب كونها أداة مباركية سابقة، بل إن ثمن المصالحة كان معاداتها للرئيس مرسي! وكذلك الجيش الذي استعاد احترامه أمام المعارضين عندما تآمر على الشرعية والديمقراطية، فحظي بتصفيق مغاير تاريخيا لدوره في إرساء نظام مبارك مدة ثلاثة عقود، ومثل هذا الجيش الانقلابي حرام علينا أن نسائله ما هي إنجازاته منذ حرب الـ 73 التي انتجت اتفاقية كامب ديفيد، مثل هذا الجيش الذي لا نعلم له إنجازا قوميا سوى الحاجز الحديدي على حدود ومعابر غزة، مثل هذا الجيش الذي يحاسب محمد مرسي ويقضي على الإخوان المسلمين نتيجة أخطاء هنا وهناك وتقصيرات متوقعة، حلال على هذا الجيش أن نحلل عليه ذلك باسم قدسية مزورة بتوقيع قياداته وحرام علينا أن نعاتبه كفلسطينيين عن الإخفاق والخذلان الذي أودى باحتلال الضفة وسقوط القدس والأقصى في سنة 67، رغم حجم المعلومات العسكرية التي وصلت قياداته من البطل المصري رأفت الهجان حينها والتي أخفيت بكل تفصيلاتها ومواقيتها، مثل هذا الجيش الذي يحمل غلا لسقوط ابن مؤسسته مبارك كما يصفونه ليطيح بمرسي ويحاول تجريمه بتهمة التطهر والنقاء، أيعقل لهم أن رئيس لا يسرق لا يقتل لا يسجن لا يظلم! من المؤكد لهم أن مثل هذا الرئيس لا بد أن يكون معتوها! ولو افترضنا جدلا بأنه مرسي كما يصفون، ترى ماذا كان سيؤول حال مصر لو كان مبارك معتوها دون أن يسرق أو ينهب؟ أكان حال مصر سيؤول لهذا الضياع السياسي والاقتصادي؟
وأخيرا وليس آخراً، فإن اليهود كطائفة اكثر الناس تاريخيا من تعرضوا للعبودية إن كان في زمن فرعون آو بعصر اضطهادهم في آوروبا، ولكنهم قد تعلموا من شربهم لمر العبودية بآن آصبحوا آسياد العالم، آما نحن العرب فقد ولدنا عبيدا من رحم جارية وهي آمنا هاجر، وما زلنا نستعبد إلى يومنا هذا لولا فسحة الإسلام والتي آعطتنا بعض الاستراحات السيادية التاريخية، بمعنى أننا كأمة نتعلم ونخفق، أما في مصر فهناك حقيقة تاريخية يجب الاعتراف بها أيضا، فعندما استعبد الفراعنة بني إسرائيل حتى لحقوا بهم إلى الغرق، فقد أحضر فرعون معه خيرة الشعب من النبلاء والجيش والفرسان وإلخ إلخ من النخبة، فغرقوا جميعهم وبقي العبيد، وبهذا فلم تجد معظم نساء القوم من مناص ليتزوجن بالعبيد، ولتتحول مرحلة استعباد بني إسرائيل إلى استعباد جيني ذاتي اضطراري، ولكنا بدل أن نتمرد على العبودية يبدو أننا استسغناها فراقت لنا، وها هو مثال فرعون باستخفافه لقومه الطائعين يتكرر، وها الشعب يثور بعد عامين على كرامته واستعادة الديكتاتورية الحاضنة لعبوديتنا المترسخة بنا تاريخيا.
وأخيرا، فإن كان مصير مصر أن تتجرع المر، فإن مصير الأمة أن تشرب العلقم، وأظن أننا أمام مفترق طرق بخيارين لا ثالث لهما، فإما أن تعود الأنظمة القديمة بصور مختلفة بالظاهر ومتفقة بالجوهر، وإما أن تعود الثورة من جديد ولكن ليس بطابع عربي لأنها قد أجهضت، ولكن بطابع إسلامي، وهذا الخيار التاريخي الأمثل، بعدما عانت الأمة العربية من مخزونات العبودية في عقلها الباطني فأفشلت تحررها بحجج لا ترقى لهذا الانقلاب، وهذا سيكون قدر على قدر في مقابلة مكيدة على مكيدة.
استاذ علي دائما اشاطرك رأيك بما تكتب فتحليلك منطقي وطريقته تجذب القارئ تحياتي لك