محاولات لتيئيس الناس وإجبارهم على الرحيل!
تاريخ النشر: 07/07/13 | 3:50قمنا اليوم (الجمعة) أنا وزملائي أعضاء الكنيست من ميرتس بزيارة تضامنية إلى قرية سوسان في جنوب جبل الخليل، بادرت إليها حركة "لنكسر الصمت"، بالتعاون مع منظمة "بتسيلم" وحركة "تعايش". وخلال هذه الزيارة/ الجولة عشنا لحظات تقشعر لها الأبدان. شاهدنا أولادا يضحكون ويلعبون، في واقع حياتي تعيس وبائس، من الفقر والضائقة. أصحاب الأرض وأهل القرى في جنوب جبل الخليل يحاولون العيش والبقاء كلاجئين في وطنهم، لكنهم يُحرَمون حتى من هذا. سخرية الأقدار أن ترى المستوطنين يرفعون دعوى إلى محكمة العدل العليا مُطالِبين بإخلاء أهل القرى وترحيلهم عنها وعن أراضيهم، بذريعة أن "قراهم غير شرعية"؟!!
وللأسف الشديد، إن ما يحصل في جنوب جبل الخليل لا يحظى بأية تغطية إعلامية في إسرائيل. وسؤالي هو: هل هذا مقصود؟
المواطنون الفلسطينيون في جنوب جبل الخليل منسيون وليسوا جزءا من الحل المستقبلي!! فهم يقطنون في المنطقة C. ومن الواجب على كل ذي ضمير أن يرفع قضيتهم ومطالبهم والعمل لنشر الوعي بقضيتهم وأوضاعهم أمام الرأي العام الإسرائيلي وفي المجتمع الإسرائيلي لكي يكون على اطلاع بما يجري ضد هؤلاء الناس من انتهاكات متواصلة لأبسط حقوق الإنسان. ويجب فضح الحقيقة أمام الرأي العام الإسرائيلي بأن الهدف الحقيقي يتمثل في الحفاظ على الاستيطان في منطقة جنوب الخليل، ومن أجل ذلك فإن كل الوسائل متاحة. حتى كوب الماء صار يكلّف هؤلاء الناس، من سكان المغر، ٣٥ شيكل!!!
ولمن لا يعرف،
ففي جنوب جبل الخليل هنالك قرى وبلدات منذ مئات السنين، يعيش جزء كبير من سكانها في مغر وكهوف في نمط حياتي تقليدي ومحافظ جدا. إنها منطقة صعبة جدا من جميع النواحي والظروف الحياتية، البيئية، الجغرافية وغيرها. حر شديد في الصيف وبرد قارس في الشتاء. لكي تستطيع العيش والبقاء في مثل هذا المكان وفي مثل هذه الظروف، يجب عليك أن تحبه، بل أن تعشقه، أولا.
في سنوات السبعينات، أعلن الجيش الإسرائيلي، وبشكل فجائي، عن المنطقة كلها إنها "منطقة تدريبات عسكرية"، وأطلق عليه اسم "منطقة رقم 918"، التي تقيم فيها 12 عشيرة. وفي العام 1999 قام الجيش بطرد السكان من المنطقة ومن قراهم، فتوجهوا إلى المحكمة العليا التي سمحت لهم بالعودة إلى قراهم بشكل مؤقت. ومنذ ذلك الحين لا تتورع الدولة (سلطات الاحتلال) والمستوطنون، سوية، عن أي شيء في محاولات لإجبار الناس على ترك أراضيهم وهجر قراهم.
لا شوارع في المنطقة إطلاقا، والوصول إلى بعض تلك القرى لا يمكن أن يتم إلا على الحمير أو الناقلات الكبيرة. ليست هنالك مدارس، لأن الجيش لا يسمح ببناء حجر على حجر. وإذا ما فعلوا ذلك، تحضر قوات الجيش وتقوم بهدم ما تم بناؤه.
المنطقة التي تفصل بين خيام السكان في تلك القرى وبين جدران وأسيجة المستوطنات المحيطة هي أراض مسجلة على أسماء المواطنين الفلسطينيين في الطابو، لكن الجيش أعلنها "منطقة أمنية"! ما يعني أن المواطنين الفلسطينيين لا يستطيعون الدخول إليها، وكذلك من المفترض أن يكون غير مسموح للمستوطنين الدخول إليها أيضا. لكن المستوطنين يفلحون الأرض، تحت سمع الجيش وبصره، والهدف هو: الاستيلاء على هذه الأرض وتملكها، فيما بعد، بموجب القانون العثماني الذي لا يزال سائدا في المنطقة.
وهذا ينسجم مع ما قاله أحد الجنود: إفعلوا كل شيء لكي تجعلوا حياتهم غير محتملة وغير ممكنة وحتى يضطروا إلى الرحيل من هنا!!! … وهذا ما حصل ولا يزال يحصل، بالفعل: فقد أغلقوا لهم آبار المياه، حاصروهم، شددوا الخناق عليهم، هدموا البيوت، بل هدموا حتى الكهوف حتى جعلوا حياتهم جحيما وشبه مستحيلة. . ولكن هؤلاء الناس المتمسكين بأرضهم ووطنهم، وبالرغم من كل ما يتعرضون له وكل ما يعانونه، سواء من المستوطنين مباشرة أو من الاحتلال الذي يوفر كل الدعم لهؤلاء المستوطنين – رغم كل ذلك، لم يتركوا قراهم ولم يغادروا أراضيهم. يعيشون في الخيام. إنهم جبارون، حقا. لم يستسلموا ولا يبدو أن فكرة الاستسلام تخطر في بالهم أصلا. فكرت وما زلت أفكر: ماذا يمكنني أن أفعل؟ إن أبسط وأقل ما يمكنني أن أقوم به، الآن وبصورة مباشرة وفورية، هو: أن أنقل رسالتي هذه إلى أوسع نطاق ممكن وأن أوصلها إلى أكبر عدد ممكن من الناس، عل وعسى أن يدفعهم ضمير الإنسان فيهم إلى التحرك!!!
بقلم: النائب عيساوي فريج