هل سينجح الخائن السيسي في قتل أول تجربة ديمقراطية في مصر ؟
تاريخ النشر: 07/07/13 | 23:36مصر اليوم تعيش على فوهة بركان …. ليس سببها الديمقراطية التي رضي بها ( الإسلاميون ) حَكَمًا بين القوى السياسية الحية في تداولها السلمي للسلطة ، وهم أكثر من ذاق مرارة ظلم أنظمة الاستبداد منذ نظام فاروق والذي في عهده حُلَّت حركة ( الإخوان المسلمون ) ، وأدخل قياداتها وكوادرها السجون بسبب جهادهم في فلسطين وعدائهم الصريح للاحتلال الانجليزي لمصر ، وتعبئتهم للشعب المصري ليوم التحرير والاستقلال الذي دعموا حركته وحَمَوْها في 23 يوليو 1952 ، واغتيل مرشدها العام في أكبر شوارع القاهرة بأمر من بريطانيا وأمريكا وبأيدي البوليس السري لفاروق …… وحتى عهد مبارك ….
ما يعيشه المصريون اليوم من غليان ، ليس سببه حق الجميع في الانتقاد ، والحق في التعبير عن الرأي دون خوف ، وليس الحق في تنظيم المظاهرات السلمية ، وليس أيضا الحق في ألا يكون هنالك اعتقال سياسي ولا أحكام طوارئ أو إجراءات استثنائية ، وكلها حقوق تمتع بها الشعب المصري إلى أبعد الحدود في عهد أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر منذ آلاف السنين ، وبشكل مبالغ فيه جرأ أوباش الناس على الوثوب على ثوابت الأمة وتقاليدها الجميلة وأخلاقياتها السياسية النبيلة التي حلم بها الشعب المصري بعد ثورته المجيدة على نظام مبارك ، وإنما سبب هذا الغليان الذي ينذر بالفوضى هو عدم تضافر جهود الشركاء في الثورة المصرية على تفكيك نظام الاستبداد ودولته العميقة بعد الإطاحة برأسه ، فظلت أذرعه تعمل في الخفاء والعلن في كل أجهزة الدولة ، ابتداء في أوساط أغلب وسائل الإعلام الفاسد الذي تخلى عن شرف المهنة لمصلحة ملايين الجنيهات التي اشتروا بها ذمم الإعلاميين الذين وصلوا بإعلامهم الهابط حدا لو فعلوا 1% منه في عهود الظلام لَذُهِبَ بهم إلى ما وراء الشمس ، مرورا بأغلب الأجهزة الأمنية ( مجلس عسكري ، شرطة ، مخابرات … ) التي تربت على القمامة ، فأذاقت الشعب المصري على مدى عقود طويلة ألوان العذاب والمهانة والإذلال ، وقتلت المتظاهرين السلميين في ثورة 25 يناير ، وجندت جيش البلطجية ( 300 ألف حسب الإحصائيات الرسمية ) لفرض إرادة المستبد والدكتاتور الإله ، إضافة إلى عدد لا يستهان به من القضاة في كل دوائر القضاء وخصوصا العليا منها ، والذين عينهم مبارك على عينه فشرعنوا له ظلمه وفساده ، ونفذوا أوامره الظالمة في ملاحقة المعارضين من أحرار مصر عبر قرارات قضائية بعثت بهم إلى غياهب السجون لعشرات السنين ، وزيفوا له الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وآخرها في 2010 ، أي قبل الثورة بأشهر ، وانتهاء بالطابور الخامس من المنتفعين خربي الذمة من الوحوش الآدمية ، ممن اقتاتوا على الفتات المتساقط من موائد النظام ورجال أعماله على مدى عقود ، والذين ارتبطت مصالحهم به ، فظلوا يعيثون فسادا في أرض مصر منذ سقط رأس النظام وعلى امتداد فترة حكم الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي القصيرة ، أملا في عودة مبارك ، أو على الأقل في إزاحة من رأوا في بقائهم في السلطة ( الإسلاميون خصوصا ) ، عائقا أمام استمرار عملية امتصاصهم لدماء الشعب المصري .
عدم حل هذه الدوائر المسيطرة على مفاصل الدولة المصرية كجزء من الحالة الثورية ، والتي من ضروراتها عقلا ومنطقا رَسْمُ حَدٍّ فاصل بين مرحلة سوداء سابقة ، وبين مرحلة جديدة تتحمل المسؤوليةَ فيها أجهزةٌ تؤمن بالثورة وأهدافها ، ولم تتلوث بروث أنظمة الفساد القديمة ، والذي يعني ببساطة هدم كامل لبناء الاستبداد في أجهزته الحيوية ، وبناء كيان بديل يتفق في رؤاه مع روح الثورة وأهدافها ، هو الذي أوصل مصر إلى هذه المرحلة الخطيرة ، وَمَكَّنَ الأجهزة الظلامية بقيادة السيسي عَبْدِ مبارك ولاعق حذائه على مدى سنين ، أن يتولى كِبَرَ هذه الخيانة العظمى التي هَدتَّ أول تجربة ديمقراطية حقيقية في مصر ، ويحاول أن يعيد إنتاج دولة أشد عنفا وقهرا ووحشية وعسفا ودوسا للحقوق السياسية والمدنية ، من كل أنظمة الاستبداد السابقة بما فيها نظام مبارك ، وما الإجراءات التي اتخذها الغفير السيسي بعد انقلابه الفاشل حتى الآن من إجراءات ، إلا دليلا على وصول خطة الانقلاب على الثورة إلى مرحلة متقدمة من التنفيذ تستدعي ثورة شعبية تعيد الوعي المغيب للعسكر وطغمة السياسيين الذي فشلوا في تحقيق أي إنجاز في خمسة استحقاقات انتخابية منذ آذار 2011 وحتى الاستفتاء على الدستور في العام 2012 . من هذه الإجراءات/الجرائم التي بدأ بها العسكر عهدهم ، إلغاء حرية الرأي والتعبير من خلال إغلاق العشرات من شبكات التلفزة الإسلامية المعارضة ، ومنع إصدار الصحف التي ترفض بيع مبادئها ، وإلغاء الحق في التنظيم والتظاهر السلمي بحصاره للمظاهرات المعارضة لانقلابه والتعاون مع جيش البلطجية للفتك بالمتظاهرين السلميين ، وحتى إطلاق الرصاص الحي إلى صدور الأبرياء وعلى المصلين الراكعين والساجدين كما حصل في مدينة العريش ، وسحق حقوق الإنسان المصري من خلال عاصفة الاعتقالات التي طالت أحرار الشعب المصري وشرفاءه من القيادات الإسلامية والوطنية ، وهو ما لم يجرؤ السيسي على عمله قبل أيام من انقلابه وهو يرى الفوضى والقتل والدماء التي تسببت بها حركة التمرد على الرئيس الشرعي لمصر .
عجبت للحرب غير المبررة التي شنها كثير من كتاب المقالات وخاصة من الداخل الفلسطيني ، على الإسلاميين في مصر وعلى أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا منذ ستة آلاف عام ، متجاهلين تحت ضغط التحامل على الاتجاه الإسلامي ، وتجاهلهم ما ارتكبه العسكر من جريمة منكرة في حق كل المصريين بإلغائه إرادة شعب ، تماما كما ألغت المحكمة الدستورية إرادة 32 مليون مصري اختاروا أول مجلس شعب حقيقي في تاريخ مصر ، وألغت قانون الانتخابات الذي أقره مجلس الشورى والذي على أساسه أصدر رئيس الجمهورية مرسومه بتعيين موعد للانتخابات العامة لمجلس النواب والذي كان من المفروض أن يكون اللبنة الأساس في النظام السياسي المصري ، حيث ستشكل الأغلبية البرلمانية الحكومة الجديدة وسيتقاسم رئيس وزرائها الصلاحيات مناصفة مع الرئيس حسب ما ينص عليه الدستور الجديد .. لم أكن أريد لهم أن ينضم هؤلاء الكتاب لجوقة الرّدّاحين ، وكم تمنيت لو عرضوا لوجهات نظرهم المعارضة والمنتقدة ، بدرجة من الموضوعية ، مقدمين المصلحة العليا لمصر والتي تنحصر اليوم في احترام إرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع ، لكنهم اختاروا الحرب إشباعا لغرائز الانتقام ، وإعلاء لثقافة الخصومة اللدودة التي لا تعرف الاحتكام إلا للقوة والجبروت ، تماما كما اختارتها قطاعات من العلمانيين الاستئصاليين ، والليبراليين الظلاميين داخل مصر وخارجها ، والذين يدوسون مستقبل أممهم لحظة يستهدفون شركاءهم في الوطن إسلاميين كانوا أو علمانيين متنورين .
الأمر عجيب مرتين ، الأولى لصدور هذا الهجوم من أطراف صَدَّعَتْ رؤوسنا بالحديث عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ، ثم هي تنقلب عليها عند أول منعطف مُبَرِّرَةً للعسكر انقلابَهم ، وهم أكثر من يعرف ما تسببت به الانقلابات من دمار وإرهاب .. والثانية ، لأنهم تخلوا في مقالاتهم عن كل قواعد المنطق والمنهجية في تحليل أوضاع غاية في التعقيد وبالذات في مصر الكنانة ، فتحولوا إلى معول هدم بدلا من أن يكون معول بناء ..
هذه "الساديّة/العدمية " الفكرية لا يمكن تفسيرها .. إنها ظاهرة لا بد من التحذير منها ، وأدعو كل الكتاب إلى الحذر من الوقوع في شباكها ، لأنها ببساطة تفجر مصداقية صاحبها حتى لا تُبقي له وجها يقابل به الناس .. إنها منهجية تقفز على الأحداث قفزا ، تسابق الزمن للوصول إلى هدفها المنشود ، " الدمار الشامل " …
أنا أصر – ولي الحق الكامل والشرعي – كابن الصحوة الإسلامية والذي يعشق ( حركة الإخوان المسلمين ) منذ وعيت ، على أن كل الأحرار في وطننا العربي ، وبالذات التيارين الإسلامي والقومي ، بقدر ما يجب أن يكونوا موحدين في رفضهم للانقلاب العسكري ، يجب أن يكونوا موحدين على استعادة الشرعية والاحتكام فقط إلى صناديق الاقتراع في ظل مناخ من الحريات الكاملة ، مهما اختلفوا أو اتفقوا مع رؤى من يحكم … فهذه هي الديمقراطية ، وإلا فالكل يعلم أن الحَكم في غياب الديمقراطية هو للاستبداد الذي ثرنا عليه ، أو للفوضى والحروب الأهلية التي ستحرق الأخضر واليابس ، وسيكون فيها الجميع خاسرا
لا يعنيني المرضى والانتهازيون والمنتفعون والحاقدون على كل شيئ جميل في فضائنا العربي ، فهذا النوع لن يرضيه اعتذار ولا يشفي غليلَه وعدٌ قاطعٌ مشفوعٌ بأغلظ الأيمان ، ولا يملأ عينيه بيان ممهور بتوقيعِ ألفٍ من كبار قادة الأمة ووجهائها وعلمائها ومفكريها … لأنه ببساطه مريض ، والمريض من هذا النوع لا أمل يُرجى منه إلا أن تتداركه رحمة الله …
( عَلَّيَّ وعلى أعدائي ) ، قول ما رأيت أفظع منه إلا في الكم الهائل من السموم التي يضخها إعلام فلول النظام السابق والإعلام المعادي لكل تجربة ديمقراطية حقيقة في مصر وفي غيرها ، خصوصا إذا أفرزت العملية الديمقراطية إسلاميين لحكم البلد . لا أرى أي منطق في عملية تقويض لأول تجربة رائدة في بلد يعتبر وبكل المعايير قلب العالم العربي ، بسبب خطأ هنا أو هنالك …. فالتركة التي سيرثها أي نظام يقدر له استلام السلطة ديمقراطيا ، ثقيلة : فساد وخراب عَمَّ وَطَمَّ في كل جوانب الحياة في مصر …
لقد حصل الإسلاميون على ثقة الشعب المصري ووصلوا إلى الحكم بدون انقلاب ولا إرهاب ولا عنف ، ولكن عبر صندوق الاقتراع ، الأمر الذي يعني احتفاظ الشعب والشعب فقط ، بالحق في تغيير النظام كل أربع سنوات عبر صناديق الاقتراع ذاتها إن لم يثبت الإخوان جدارتهم بحكم اكبر دولة عربية … فلم العجلة ، ولم الأحكام المسبقة ، ولم الانقلابات العسكرية ، ولم العمل على تدمير تجربة ريادية في دولة هي الأكبر على مستوى الدول العربية ، والتي نعلم كما يعلم أعداء مشروع الاستقلال الجديد لعالمنا العربي ، أنها إن نجحت ستكون نموذجا يحتذى به في كل أرجاء الوطن من المحيط إلى المحيط ؟!!!
لقد أدركنا منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها السيسي ( الذي عينه الرئيس الشرعي وأقسم أمامه اليمين الدستورية ) ، في قراءة بيانه العسكري الانقلابي الأول ، أننا أمام انقلاب كامل الأوصاف للعسكر ضد صندوق الانتخابات ، والذي يعني عودة الأصنام التي ثار الشعب ضدها وخلعها .. بذلك خان الجنرال مصر وشعبها وانقلب على الديمقراطية لصالح فريق البرادعي وشفيق وضاحي الخرفان وزمرتهم ، خدمة لدول الاستكبار العالمي وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل .. انقلاب على إرادة الشعب ، تم التحضير والتخطيط له بعناية مركزة .. واجتمعت من أجله كل مطابخ ومصانع الخديعة والتلصص والمكر وإعاقة عجلة التقدم للمجتمعات في العالم ، للإجهاز على الدولة المصرية المدنية الديمقراطية التي وُلِدت من رحم الثورة وإرادة الجماهير ..
ليس أدل على قبح هذا الانقلاب الباطل ، فوق ما اتخذه من إجراءات استثنائية داس بها على كل الحقوق كما ذكرت سابقا ، من أنه جَمَعَ لدميته ( الرئيس الطرطور !!! ) رئيس المحكمة الدستورية – حتى يضمنوا إمساكهم بالخيوط كلها – بين سلطات الدولة كلها ، التنفيذية بصفته رئيس الجمهورية المزيف ، والتشريعية بعد أن حل مجلس الشورى قلعة الديمقراطية الأخيرة ، والقضائية بصفته رئيس المحكمة الدستورية . هذه فقط بعض من جرائم هذا الانقلاب العسكري المجرم والتي وقعت كلها في ساعات ، في الوقت الذي لم يقع اعتقال سياسي واحد في عهد الرئيس الشرعي محمد مرسي رغم الجرائم التي ارتكبها المعارضون ، ولم تُمْنَع مظاهرة رغم ما ارتكب في ظلها من جرائم وسفك دماء وحرق وتخريب ضد مؤسسات وأشخاص محسوبون على الرئيس ، ولم يُقصف قلم ولم تُغلق جريدة ولم يوقف بث محطة تلفزة فضائية رغم أنها صبت من الشتائم والإشاعات والاتهامات في حق الرئيس وحكومته ما لا تحتمله أكثر الديمقراطيات في العالم … لم يحص شيئ من ذلك ، ثم يكون بعد ذلك هذا الانقلاب المجرم ..
أنا على ثقة أن الشعب المصري بكل مكوناته الحرة والرافضة للعودة للماضي ، لن يسمح بمرور مؤامرة الانقلاب ، وسيخرج سلميا عن بكرة أبيه لإسقاطه مهما كلفه ذلك من أثمان . قَدَرُ مصر الحديثة أن تقف اليوم على مفترق طرق ، فإما أن تنطلق بقواها الديمقراطية الحية وعلى رأسها الإسلاميون نحو المستقبل ، وإما أن تَغرق في مستنقعات الاستبداد العسكري – العلماني ألاستئصالي من جديد ، وهذا لن يحدث ..