هل يجوز صلاة الرجل مع امرأته في جماعة؟
تاريخ النشر: 06/12/15 | 14:16هل يجوز شرعًا أن يؤدي الزوج والزوجة صلاة الجماعة بحسب مذهب أبي حنيفة؟ علمًا بأن والدي ووالدتي -الذين درسوا الإسلام في روسيا في أيام ما قبل الثورة حيث كان التعليم الإسلامي في روسيا يتمتع بجودة عالية – لم يصلوها على هذه الصفة وظل الوضع كذلك حتي أصبحت صبيًا وصرنا نصليها نحن الثلاثة (أنا وأبي وأمي). فقد بين لي أبي أن صلاة الجماعة تستلزم وجود رجلين حتى وإن كان أحدهما صبيًّا.
تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
المقرر في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه يصح انعقاد صلاة الجماعة في الصلوات المفروضات -غير الجمعة- بعدد أقله شخصان، إمام ومأموم، ولا يشترط فيهما أن يكونا ذكرين، فتصح جماعة الرجل وزوجته.
يقول الإمام الكاساني في بدائع الصنائع: “وأما بيان من تنعقد به الجماعة: فأقل من تنعقد به الجماعة اثنان؛ وهو أن يكون مع الإمام واحد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الاثنان فما فوقهما جماعة” ولأن الجماعة مأخوذة من معنى الاجتماع, وأقل ما يتحقق به الاجتماع اثنان, وسواء كان ذلك
الواحد رجلا, أو امرأة, أو صبيًّا يعقل; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى الاثنين مطلقا جماعة, ولحصول معنى الاجتماع بانضمام كل واحد من هؤلاء إلى الإمام”.
وبهذا يتضح أن ما ذُكر في السؤال من أن صحة صلاة الجماعة تتوقف على وجود اثنين من الذكور على الأقل مع المرأة غير صحيح. وهناك فرق عند الحنفية بين جواز الجماعة بين الرجل والمرأة وبين محاذاتها إذا صليا معًا؛ فالأولى جائزة، والثانية ممنوعة تفسد الصلاة.
ومما استدل به الحنفية على أن محاذاة المرأة للرجل في الصلاة إذا نوى إمامتها تفسد صلاة الإمام ما ذكره الكاساني في البدائع قائلا : “ولنا ما روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: “أقامني النبي -صلى الله عليه وسلم- واليتيم وراءه وأقام أمي أم سليم وراءنا” جوز اقتداءها به عن انفرادها خلف الصفوف, ودل الحديث على أن محاذاة المرأة مفسدة صلاة الرجل; لأنه أقامها خلفهما مع نهيه عن الانفراد خلف الصف, فعلم أنه إنما فعل صيانة لصلاتهما”.
وحدُّ المحاذاة المفسدة للصلاة مختلف فيه عند الحنفية على قولين: (الأول): أن تقع المحاذاة بقدم المرأة لأي شيء من أعضاء الرجل، وبه قال بعض الحنفية. (والثاني): أن تقع المحاذاة منها بالكعب والساق، قال الزيلعي وهو الأصح. فالمحاذاة إذا وقعت بغير قدمها وكعبها وساقها لا توجب فساد الصلاة باتفاق. وثمرة الخلاف المذكور تتبين بما قاله ابن عابدين في رد المحتار قال: “فعلى قول البعض لو تأخرت عن الرجل ببعض القدم تفسد وإن كان ساقها وكعبها متأخرا عن ساقه وكعبه, وعلى الأصح لا تفسد وإن كان بعض قدمها محاذيا لبعض قدمه بأن كان أصابع قدمها عند كعبه مثلا تأمل”.
ومما تنتفي به المحاذاة أن يكون بين المرأة والرجل حائل بمقدار مؤخرة الرحل، سمكه قدر الأصبع، ومؤخرة الرحل هي: الخشبة التي يستند إليها راكب البَعير، وهي قدر عَظْم الذراع، وهو نحو ثلثي ذراع.
وكذلك تنتفي المحاذاة بوجود فُرْجَة (أي: مساحة فارغة) بمقدار ما يتسع لرجل، قال العلامة كمال الدين ابن الهمام عند ذكره شرائط وقوع المحاذاة المفسدة للصلاة: “أن لا يكون بينهما حائل, فلو كان منع المحاذاة, وأدناه قدر مؤخرة الرحل؛ لأن أدنى الأحوال القعود, ومؤخرة الرحل جعلت للارتفاق بها فيه فقدرناه بها, وغلظه مثل الأصبع, والفرجة تقوم مقام الحائل, وأدناها قدر مقام الرجل”.
وفي خصوص مسألة صلاة المرأة وزوجها جماعة في البيت جاء في فتاوى الإمام قاضي خان : “المرأة إذا صلت مع زوجها في البيت, إن كان قدمها بحذاء قدم الزوج لا تجوز صلاتهما بالجماعة, وإن كان قدماها خلف قدم الزوج إلا أنها طويلة تقع رأس المرأة في السجود قبل رأس الزوج جازت صلاتهما؛ لأن العبرة للقدم؛ ألا ترى أن صيد الحرم إذا كان رجلاه خارج الحرم ورأسه في الحرم يحل أخذه, وإن كان على العكس لا يحل”.
وقال ابن عابدين في الدر المختار: “لو جمع بأهله لا يكره وينال فضيلة الجماعة لكن جماعة المسجد أفضل”.
ومما سبق يتبين أنه بحسب مذهب الإمام أبي حنيفة تصح صلاة الرجل وزوجته جماعة في غير صلاة الجمعة دون حاجة لانضمام شخص ثالث من جنس الذكور – وإن كان الأفضل أن يصلي الجماعة في المسجد – وأن الواجب حينئذ ألا تحاذي المرأة بقدمها أو كعبها وساقها شيئا من بدن الرجل، فتتأخر عنه بحيث يكون موقفها خلف الإمام أو يكون بينها وبينه حائل بمقدار مؤخرة الرحل كما تقدم، أو فرجة تتسع لمقام رجل آخر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.