اللغة العربية ذات علوم كثيرة
تاريخ النشر: 09/07/13 | 5:18اللغة العربية ذات علوم كثيرة تنسب اليها تتفرع متها وتنبثق عنها , وكل علم له شأنه وشأوه ,والحاجة الماسة الداعية اليه , وكل علم له دوره الذي يقوم به وفائدته الاصطلاحية والجمالية التي تستفاد منه , ومع ان لكل علم
اغراضه الخاصة الا ان هذه الغلوم جميعها يكمل بعضها بعضا فبينها صلة ورحم لانها منبثقة جميعها ومتولدة كلها من ابنة مضر لغة القران , فنحن نجد صلة وثيقة بين علمي النحو والصرف ومتن اللغة وفقه اللغة وعلوم البيان
والبلاغة , ولهذه العلوم البلاغية اثارها الحسية والنفسية التي تتصل اتصالا وثيقا ومباشرا بنواحي الحياة المتعددة ,
والبلاغة التي تمكن المتكلم ان يأسر المخاطبين فيما يخترق ببيانه واسلوبه البابهم وقلوبهم , فاذا كان الناس
يشترون العبيد باموالهم فانهم يشترون الاحرار باحسابهم ,وقد يكون الاحسان بما يفرج الكرب ويستر الجسم ويشبع العقول ويؤثر في النفوس . ولكن ما الفصاحة والبلاغة ؟
حينما نذهب لنلتمس في معاجم اللغة عن معنى الفصاحة والبلاغة نجد ان هاتين الكلمتين لا تخرجان عن السنن المألوفة والاساليب المعروفة في وضع العرب لكلماتهم فهي الكلمات التي ننطق بها الان وضع اكثرها لتدل على اشياء مادية محسوسة , لان العرب
كغيرهم من الامم في نشأتهم الاولى لم تكن لهم الا الامور الضرورية التي يتعاملون بها ويحتاجون اليها وفب الاغلب امور ساذجة لا تخرج عن الحاجات الاولى لاي امة من الامم فلم تكن هناك امور معنوية وقضايا حضارية ليضعوا لها الكلمات التي تدل عليها
فاي كلمة ذات دلالة ثقافية او حضارية او فكرية فعندكا ترجعها الى الاصل تجد انها وضعت لتدل على اشياء محسوسة , ثم تدرجوا باستعمالها الى ما كانت تدعو الحاجة اليه من امور طارئة مع ملاحظة الصلة بين هذه المعاني التي وضعت لها هذه الكلمات , وان كانت
قد مرت بمراحل كثيرة متباعدة ولنأخذ مثلا كلمة (كتاب) . فلا تذكر لها غير هذا المعنى وهو الة الثقافة ووسيلة العلم , فالكتاب هو ذلك الشئ الذي يصلنا بما حولنا وبما هو بعيد عنا من شتى العلوم والمعارف وحينما ننظر في هذه المادة مادة (ك ت ب )
نجد ان العرب اول ما وضعوها لغير هذه الدلالة التي هي عليها اليوم , لانهم لم يكونوا يعرفون الكتابة والقراءة , وانما كان وضعها لشئ هم في امس الحاجة اليه .انهم يريدون ان يستروا اجسامهم وعوراتهم وان يتقوا الحر والبرد , لا بد اذن من لباس , وهذا اللباس
لابد له من حياكة وخيلطة ونسج لذا نجد كلمة (كتب) تدل على ضم الخيوط بعضها الى بعض , فالكتب لغة :الضم والجمع: ثم توسع في هذه الكلمة حينما دعت الحاجة لذلك وألحت الضرورة . واصبح العرب قبائل متعددة يغزو بعضها بعضا , ولا بد لكل قبيلة من
اشداء يدافعون عنها وتتقي شر الاعداء كما وقاهم اللباس شر الحر والبرد , وعندما رأوا هؤلاء المدافعين وهم يتجمعون ينضم بعضهم الى بعض , كان لا بد من كلمة توضع لهم وتناسب في الدلالة عليهم فوضعت كلمة (كتيبة) , وامتد الزمن وامتدت معه جذور
الامة , واتسعت الفروع المنبثقة عن هذه الجذور واصبح العرب لهم صلة بغيرهم من الالمم ونشأت هناك معاملات واغراض دعتهم الى ان يعرفوا الخط ورسم الحروف , فلا بد اذن من كلمة يضعونها او اسم لهذا المولود الجديد وهو ضم الحروف بعضها لبعض
فوضعوا لهذه كلمة (كتب) , فنجد صلة لا من حيث الناحية الشكلية فحسب وانما من حيث الناحية الوظيفية المعنوية كذلك فكما ان النسج الذي ضمت فيه الخيوط يقيهم الحر والبرد ويستر عوراتهم , كذلك الجند تقيهم الاعتداء والعار , وهكذا الكتابة والقراءة تقيهم
انواعا كثيرة من الاذى وتجلب لهم اشياء كثيرة من الخير . واذا اخذت كلمة من الكلمات تجد انها مرت بهذه المراحل وتدرجو ا في استعمالها من معنى لاخر
الفصاحة .لغة مادة فصاحة ( فصح)كان اول وضع لها عند العرب يتناسب مع حاجاتهم الاساسية ,فالانعام تشكل جانبا مهما في حياتهم ينسجون اصاوافها واوبارها واشعارها ثيابا لهم ويأكلون لحومها ويقرون اضيافهم , ويشربون البانها , فلا عجب اذن ان نجد
هذه المادة (ف ص ح )يضعها العرب للبن الذي يحلب من الانعام . هذا اللبن حينما يحلب يعلوه رغوة , فاذا خلا هذا الحليب من الرغوة التي تشوبه سمي فصيحا اذن فصح اللبن لانه خلا من الرغوة التي تشوبه وتكدره . فاستعملت هذه الكلمة لتدل على الظهور
والابانة والسلامة من كل ما يشوب الشئ ويكدره . فافصح الصبح حينما تزول الظلمة التي تختلط بضوئه . ثم استعملت الفصاحة فيما بعد لتدل على الكلام الزاهر في معناه الخفيف على لسان من ينطق به وعلى سمع من يوجه اليه , ثم صار بعد ذلك للفصاحة فصلها
الخاص بها الذي تعرف فيه شروطها ومجالاتها من انواع القول .
اما البلاغة . فيظهر انها وضعت اول ما وضعت لتدل على الوصول الى المكان والنهاية الى الغاية التي يقصدها العرب في بداوتهم ورحيلهم من مكان لاخر , ثم تطور عذا اللفظ ليشمل مع هذا المدلول الحسي امورا معنوية ينتهي بها صاحبها الى ما يريد ان يصل
اليه من غايات متعددة , فلم تعد البلاغة محصورة في القول اولا وان كان القول فيما بعد اصبح اوسع ابوابها بل ميدانها الوحيد . مما تقدم تدرك ان للفصلحة والبلاغة اصلين مختلفين في اول الوضع ,فالفصاحة وضعت للخلوص من الشوائب لانها وضعت
لخلوص اللبن مما عليه من رغوة . والبلاغة للةصول والانتهاء .
فالفصاحة والبلاغة والبراعة والبديع كلها تدل على شئ واحد وهو الكلام الجيد السهل الذي لا عيب فيه