المدينة المنورة والمسجد النبوي الشريف
تاريخ النشر: 04/12/15 | 4:05المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، هو أحد المساجد الثلاثة التي قال النبي (صلى الله عليه وسلم) إنها المساجد التي تشدّ الرحال إليها، وذلك بقوله: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا والمسجد الأقصى والمسجد الحرام» (صدق رسول الله).
وهو المسجد الذي أسس بنيانه النبي الكريم وشيده يداً بيد مع المسلمين، وهو مركز الدعوة الأولى إلى الله تعالى و«المدرسة الأولى» في الإسلام.
وفيه المحراب والمنبر والأساطين، وأيضاً من الأماكن المفضلة الحجرة النبوية الشريفة، وهي الحجرة التي سكنها النبي الكريم وأزواجه المطهرات وفيها قبره (عليه الصلاة والسلام) وقبر أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما).
أُمِر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالهجرة إلى المدينة المنورة، وعند قدومه من مكة نزل عليه الصلاة و السلام في قباء ـ وكانت من ضواحي المدينة وهي الآن إحدى أحيائها ـ وأقام بها بضعة أيام وبنى مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس على التقوى.
ولقد أمر الرسول عمار بن ياسر (رضي الله عنهما) ببنائه، ثم توجه إلى المدينة المنورة وكان الأنصار يعترضون ناقته ويمسكون بزمامها، وكلٌ منهم يريد أن يتشرف بنزوله عنده، فيقول لهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) «خلوا سبيلها فإنها مأمورة»، حتى بركت الناقة في مربد لغلامين يتيمين من الأنصار هما سهل وسهيل،
فطلب الرسول منهما أن يشتري المربد ليبني فيه مسجده فقالا: «بل نهبه لك يا رسول الله…»، فأبى عليه الصلاة والسلام إلا أن يبتاعه منهما فدفع لهما ثمن المربد عشرة دنانير. وبعدها شرع النبي في بناء مسجده، وكان في المربد نخل وشجر وخرب، فأمر أصحابه بإصلاح المكان وتجهيزه فقطع النخل وسويت الأرض
وبدأ الرسول الكريم مع أصحابه في بنائه ويعمل معهم بيده الشريفة، فينقل الحجارة ويحمل اللبن بنفسه وهم يرتجزون فيرتجز معهم ويردد: اللهم إن العيش عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة وقد جعل أساس المسجد من الحجارة وبعمق ثلاثة أذرع تقريباً. وبنى حيطانه من اللبن، وأعمدته من جزوع النخل وسقفه من الجريد وترك وسطه رحبة وكانت القبلة أول بنائه باتجاه بيت المقدس.
وعندما أسس النبي (صلى الله عليه وسلم) مسجده الشريف جعل له ثلاثة أبواب: باباً في الجنوب حين كانت القبلة إلى بيت المقدس شمالا. وباباً في الشرق ويسمى باب النبي، وباب عثمان أيضا، ثم اشتهر بعد ذلك بباب جبريل. والباب الثالث في الغرب وعرف بباب عاتكة (وهي عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية) لقربه من بيتها، وهو يُعرف اليوم بباب الرحمة.
وحين تحولّت القبلة إلى مكة المكرمة، فتح باب في الجهة الشمالية وأغلق الباب الجنوبي، وكانت أول صلاة صلاها النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد تحويل القبلة هي صلاة العصر. وبعد عودته من غزوة خيبر سنة 7 هـ، وكان المسجد قد ضاق بالمصلين زاد في مساحة المسجد من جهة الشرق والغرب والشمال ليصبح شكل المسجد مربعاً، وطول ضلعه 100 ذراع.
بعد ذلك زاد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في توسعته ثلاثة أبواب أخرى، فصارت الأبواب ستة؛ اثنان في الجهة الشرقية هما: باب جبريل، وباب النساء. وسمي الثاني بذلك لقول عمر (رضي الله عنه): «لو تركتم هذا الباب للنساء». وآخران في الجهة الغربية هما: باب الرحمة وباب السلام.
ولكن في عهد الخليفة المهدي العباسي (161- 165هـ) ارتفع عدد الأبواب في توسعة الحرم إلى 24 بابا: ثمانية في الجهة الشرقية، وثمانية في الجهة الغربية، وأربعة في الجهة الشمالية، وأربعة في الجهة الجنوبية.
ثم في العصر المملوكي سدت معظم هذه الأبواب، وحوفظ فقط على الأبواب الرئيسية الأربعة، وهي: باب جبريل، والنساء، والسلام، والرحمة، وأطولها وأجملها باب السلام، ولهذه الأبواب مصاريع من خشب الجوز، عليها نقوش بالنحاس الأصفر.
وقد حافظت أعمال التوسعة السعودية المعاصرة على هذه الأبواب الخمسة، وأضافت إليها مثلها، وهي: باب الملك عبد العزيز، ويقع في الجهة الشرقية للجناح الفاصل بين الصحنين، وباب الملك سعود، ويقع مقابل باب الملك عبد العزيز في الجهة الغربية، ويتكون كل منهما من ثلاث فتحات متلاصقة، وباب سيدنا عثمان وباب سيدنا عمر (رضي الله عنهما)، ويقعان في الجهة الشمالية للمسجد الشريف، وباب الصديق ويقع مكان خوخة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) في الجهة الغربية من العمارة المجيدية.
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، أدخل عدد من الأبواب المتقدمة ضمن عمارتها، وهي: باب سيدنا عمر وعثمان والباب المجيدي وباب الملك عبد العزيز والملك سعود وباب البقيع. كما وضع للمبنى الجديد سبعة مداخل واسعة: ثلاثة في الجهة الشمالية، واثنان في كل من الشرقية والغربية، وفي كل مدخل سبعة أبواب؛ اثنان متباعدان، بينهما خمسة أبواب متجاورة. ويضاف إليها أبواب أخرى مفردة أو مزدوجة تؤدي إلى السلالم الكهربائية والعادية، موزعة على 41 مدخلا. وقد بلغ مجموع أبواب الحرم بعد هذه التوسعة 85 باباً ومدخلا.
تزدان ساحة الحرم الشريف بالقباب الجميلة التي تضفي على المكان جواً قدسياً مهيباً. وفي عام 1119 هـ أضاف السلطان العثماني محمود الأول رواقاً في جهة القبلة، وسقّف ما يليه بعدد من القباب. قام النبي (عليه الصلاة والسلام) يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة في المسجد، وكان الجذع بين مكان المنبر والمحراب. ولما شق عليه القيام اتخذ منبرا يجلس عليه ويخطب.
في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين كان المنبر مكوناً من ثلاث درجات، طوله من الجنوب إلى الشمال أربعة أشبار وشيء ومجلسه ذراع في ذراع، وارتفاعه ذراعان، له رمانتان، ارتفاع الواحدة نصف ذراع. وكان (صلى الله عليه وسلم) يقف على الدرجة الثالثة منه، ثم نزل الصديق درجة، ثم عمر كذلك، وأقام عثمان على الدرجة السفلى ست سنين، ثم ارتقى بعدها حيث كان (صلى الله عليه وسلم) يقف.
في عام 886 هـ احترق المسجد النبوي الشريف، واحترق معه المنبر، فبنى أهل المدينة منبرا من الآجر، طلوه بالنورة والجير ثم أرسل السلطان الأشرف قايتباي منبرا من الرخام الأبيض، حرص السيد السمهودي أن يضعه موضع منبر النبي (صلى الله عليه وسلم) تحديدا، فلم يوافق متولي العمارة، فوضع مقدما إلى القبلة عشرين قيراطا، وزحف إلى الروضة ثلاثة قراريط (خمسة أصابع).