إسراء جعباص.. عندما ينتقم الاحتلال من الإنسانية
تاريخ النشر: 06/12/15 | 8:20من كان يعلم أن ألوان الطيف المرسومة على وجهها ستتحول يومًا إلى ندوبٍ مؤلمة قد لا تمحى، أو أن تصل بها الأيام إلى سرير في مستشفى مكبلة بالقيود يحدها ثلاثة جدران ونافذة زجاجية تحجب نور الشمس لسمكها، وعطب في مفصل الكتف اليمنى يفقدها القدرة على احتضان ابنها ذو 8 اعوام.
إسراء جعباص (31 عاما) من جبل المكبر في القدس المحتلة، كانت ترتب أمورها لنقل إقامتها مع زوجها وابنها من أريحا إلى القدس، علَّ ذلك يزيد من حظوظ زوجها في الحصول على لم شمل لتتمكن العائلة من الإقامة بشكل مستمر في المدينة، لكن حادثا عاديا تحول بإرادة سلطات الاحتلال إلى “عملية” غيّرت مجرى حياة إسراء وجمّدت أحلامها إلى أجل غير معلوم.
تؤكد منى جعباص شقيقة إسراء، أن ماحدث مع شقيقتها كان حادثا عاديا نتيجة “تماس كهربائي” في سيارتها، وأدى ذلك لغبار كثيف وانفجار في مقدمة السيارة تبعه فتح بالون الهواء في المركبة، لكن وقوع الحادث على بعد 500 متر من حاجز الزعيم المؤدي للقدس، أعطى الاحتلال ذريعة لاتهام إسراء بمحاولة تفجير عبوة.
وتبيّن جعباص أنها كانت قد ذهبت بسيارة شقيقتها قبل أسبوع من الحادثة إلى مكان يبعد نصف ساعة عن منزلهم، وهي مدة كافية لاختبار أي سيارة، مضيفة، أنها لاحظت في حينها أن السيارة تُصدر رائحة احتراق أشبه بتماس كهربائي، مما يبطل ادعاء الاحتلال بأنها حاولت تنفيذ عملية بواسطة جرّة غاز في المقعد الخلفي لسيارتها.
وتشير، إلى أن الحروق التي أصيبت بها إسراء كانت في المنطقة الأمامية العلوية، وليس من الخلف، ما يعني أن جرّة الغاز لم تنفجر رغم انفجار بالون الهواء وحدوث التماس الكهربائي، منوّهة كذلك إلى أن الزجاج لم يتكسر ولم تتضرر السيارة بشكل كبير، ما يؤكد أيضا عدم وجود أي سلاح داخل السيارة وعدم انفجار جرّة الغاز.
نُقلت إسراء إلى مستشفى هداسا عين كارم ومنذ ذلك الوقت رأتها عائلتها مرة واحدة عبر انعكاس صورتها على الزجاج عن بعد 10 أمتار. وكما يبدو فإن هذا العذاب لم يشفِ نفوس الاحتلال، فقد عمد ممرضون بين فترة وأخرى لإجبار إسراء على رؤية الندوب في وجهها قائلين، “شوفي حالك، أهلك كلهم ماتوا وما حدا بدو اياك” وفق ما نقله محامي إسراء.
وخضعت إسراء لست أو سبع عمليات، كما عقد الاحتلال لها عدة جلسات محاكمة بشكل غيابي انتهت جميعها بتأجيل جلسات المحاكمة، حيث تصر سلطات الاحتلال على اتهامها بمحاولة قتل شرطي في الحادث الأليم.
ورغم أن إسراء لم تعترف بأي من التهم التي وُجّهت لها، ولم تنته المحاكمة بعد ولم تستطع سلطات الاحتلال تقديم أي دليل تثبت به مزاعمها؛ إلا أن جهاز المخابرات استعجل اتخاذ خطوة انتقامية جديدة من إسراء وعائلتها، بالتعامل معها مثل أي فلسطيني نفذ عملية فدائية، فاقتحمت منزل عائلتها في جبل المكبر بهدف هدمه.
وتوضح منى، أن طواقم بلدية الاحتلال هدمت منزل العائلة عام 1998 بذريعة عدم الترخيص، لكن والدها أعاد بناء المنزل خلال ثلاثة أيام بشكل بسيط، ثم أضاف أشقاؤها الأجزاء الخاصة بهم إلى المنزل، مبيّنة، أن قوات الاحتلال اقتحمت منزل العائلة ثلاث مرات منذ حادثة إسراء وأخذت قياسات للمنزل، وسأل ضابط شقيق إسراء ساخرا، “لو هدمنا بيتكم وين بدكم تروحوا؟!”، فأجاب، “بنحط خيمة وبنظل قاعدين هون”.
إسراء أم لطفل واحد هو معتصم (8 سنوات)، انتهى به الحال إلى منزل جده لأمه في جبل المبكر، وتحاول العائلة جاهدة إخفاء الحقيقة المؤلمة عنه، فتجيب على تساؤلاته بأن أمه مريضة ولا يستطيع زيارتها لصغر سنه، لكن ذكاءه الشديد كما تقول منى جعل هذا المبرر غير منطقي بالنسبة له، فالتجأت منى إلى المرشد الاجتماعي في مدرسته لمساعدتها في البحث عن حل، ليتفق الجميع على إبلاغه بأن أمه تعرضت لحادث سير ولا يسمح لأحد بزيارتها حتى لا تنقل لهم الأمراض.
وتوضح منى أن شرطة الاحتلال تشدّد الحراسة على إسراء وتعمل جاهدة لمنع تسريب أي معلومات حول وضعها الصحي، مبيّنة، أن العائلة علمت فقط بأن إسراء خضعت لعمليتين في الكتف الأيمن، ستؤديان لعطل في مفصل الكتف.
وتضيف، “طبيبةً جراحة مختصة أكدّت لي بأنه من المستحيل أن تتسبب الحروق حتى ولوكانت درجة ثالثة في إحداث عطل في المفصل، إلا إذا تعرضت للضرب”، ما يجعل العائلة متأكدة من أن ابنتها تعرضت للتحقيق والتعنيف داخل المستشفى رغم سوء حالتها الصحية.
وعن إسراء تقول ابنة عمتها وصديقتها المقربة فاطمة أبوسلمان، إنها كانت تملك طاقة إيجابية كبيرة، وموهبة فتية في صنع الزينة والألعاب من مواد بسيطة، كما أنها قادرة على رسم الابتسامة على وجه من تتعامل معه.
وتضيف فاطمة، أن هذه المواهب دفعت إسراء للتطوع في مجال التهريج بهدف إدخال السعادة والراحة إلى نفوس الأطفال المصابين بالسرطان والكلى في مختلف المستشفيات، كما اعتادت أن تتوجه لمدارس الأطفال لأداء المهمة ذاتها.
وتشير إلى أن إسراء كانت من المؤسسين لحملة “فينا خير” التي لاقت انتشارا واسعا في مدينة أم الفحم ومناطق أخرى، وقد هدفت من خلالها إلى مساعدة الطلبة الفقراء على دفع أقساطهم الدراسية وشراء كتبهم الجامعية، مبيّنة، أن الحملة توقفت جزئيا بعد إصابة إسراء، ويسعى أعضاؤها إلى إحيائها مجددا.
كيوبرس