الحمل الكاذب..!!
تاريخ النشر: 08/12/15 | 4:56منذ ان حبلت جميلة الصابر علي نتيجة للدواء الذي وصفه حامد الصافي لزوجها، والناس في هذه البلد في هرج ومرج، واصبحت سيرتها هي وزوجها على كل لسان.. حتى وصل الامر “بحذيفة الطاهر” ان تقول: “ان بطنها ليس بطن حبل.. هذا نفاخ.!”.
وحامد الصافي رجلٌ انتشرت سيرته في كل الافاق، فمنهم من يقول انه “نصاب” “يضحك” على ذقون الناس وجيوب الرجال ومنهم من يقول ان الله اعطاه العلم من حيث لا يدري وفي يده بركة ولكن الذي لا يختلفون عليه جميعاً ان الله اعطاه لساناً املساً “ينقط” حلاوة وعسل حتى ان “ام السعيد قالت”حامد ” هذا ” يأخذ البيضة من تحت الدجاجة دون ان تدري. ”
وانك عندما تدخل الى القرية، لا بد لك ان تصطدم بابتسامته المضيئة التي لا تفارق وجهاً مربوعاً واسعاً، وعينين متقرنتين تعلوهما حاجبان سوداوين وشعر خروبي املس.
وسرعان ما تنتبه الى شاربيه العريضين، اللذان يكسوان كل المساحة التي تفصل بين فمه وانفه، تتشعب منهما جناحان معقوفان شكلاً بعيناه فيضيفان على وجهه هالة من الهيبة والوقار – ويلبس عادة ” بدلة ” كاملة بالوان مختلفة يتراءى من تحتها قميص اختير بعناية، لونه يناسب لون البدلة تزينه ربطة عنق يغلب عليها اللون الاحمر سيد الالوان، يزينها دبوس ذهبي يلمع لمعاناً رائعاً اذا ما لفحته اشعة الشمس.
وعلى جيب معطفه تتربع وردة حمراء جميلة، كانت هي دائماً بطاقة حضورة وشعاره الذي الذي يدخل به الى عقول وقلوب من يتعامل معهم.. حتى ان ” ام السعيد ” كانت تقول “حامد دائماً مثل العريس قبل الدخلة “.
والحادثة الاخيرة التي حولت القرية الى فم واحد يضحك، هي ” عملته “مع ابي العاهد جاءه بعد ان سمع بِحَبَل ” جميلة الصابر ” واتهمه بالنصب والاحتيال والكذب على الناس فتحداه حامد انه اذا ما رُبط بحبل بعامود بالطريقة التي يرتئيها، فإنه بواسطة قراءة شيئاً من التعاويذ وهو يقف بعيداً عنه سيحل الحبل ويحرره منه دون ان تمس الحبل يد انسان.!
وكان من بين الحضور رجلان من القرية ” ابو ماجد ” و ” ابو محمد “، فطلب منهما ” حامد ” ان يكونا شاهدين على الرهان ومن يخسر الرهان يدعوا اربعتهم على عشاء على حسابه… وكانوا يجلسون في شرفه ارضية لدكان القرية وكان للشرفة عامودان، فطلب ” حامد ” من صاحب الدكان ” ابو محمد ” ان يبيعه ثلاث امتار من الحبل، وطلب من ابي العاهد ان يلتصق بالعامود ثم اخذ الحبل وبدأ يلف به جسمه مع العامود، لفه من فوق القدم حتى وصل الى رقبته ومن ثم عقد الحبل عدة عقدات وشده بقوة حتى تأكد من متانة وقوة الربط.! ثم توجه الى ابي ماجد وابي محمد واستحلفهما بالله ورسوله ان لا يفكوا رباطه.
” ودع ” الرجال قائلاً ” بخاطركم “! وغادر المكان متوجهاً الى بيته وبقي ” ابو عاهد ” مربوطاً مدة تزيد عن الساعة حتى مر إمام البلد وبعض المصلين ففكوه وسط ضحكات المصلين الذين توافدوا في هذه الساعة الى المسجد مارين بالدكان لاداء صلاة العصر. واعتكف ابو عاهد في بيته عدة اشهر مخفياً خزيه وخجله عن عيون والسنة اهل البلد.!!
اما حمل جميلة فهو امر جل، الى درجة ان السنة وعقول اهل البلد بذلت جهوداً جبارة لتفسيرة الا ان هذه الجهود ذهبت ادراج الرياح.. والسبب ان زوجها ” سالم الوجيه ” قد مر بكل الفحوصات الطبية، وكانت نتيجتها انه عاقر وانه لن يحظى ” بنعمة الخلفة كما كانت تقول الحاجة ” عيشة الهلال ” ” ولكن كيف حبلت ” جميلة “.!؟ حتى زوجها ” سالم ” بدأ يتشكك في الامر ولولا ان يده التي تناولت الخلطة التي صنعها حامد وسمعه يقول: ” اشربها وستزهق الخلف.!” لقتلته شكوكه واتهم زوجته الصالحة بمعاشرة رجل غيره والعياذ بالله!!”
وليست هذه المرة الاولى التي يصنع حامد فيها العجائب، فهو الذي وصف دواء القريص ” لأبي حمدان الجمال ” الذي كان يشكو من الحبيبات التي شكوا جميع انحاء جسمه، ومن ثم تتحول الى قروح تتملأ بالمداد وتسبب له الاماً شديدة ولم يترك طبيباً الا زاره. او وصفه شعبية الا واستعملها. طالباً الشفاء منها ولكن كل جهوده لم تأت بفائدة ترجى حتى التقى “حامد” ووصف له وصفة القريص- والتي كادت ان تلحقه بالرفيق الاعلى.. في البداية قابل حديث “حامد” بالسخرية والتندر ولم يحملها على محمل الجد ولكن المريض يتعلق من اجل شفائه بشعرة… فصمم على تنفيذها مهما كلفه الامر.!!
وفي احد الليالي الصيف الحارة التي غاب قمرها، وترك للظالم الدامس فرصة الاستبداد بالقرية.. خلع ملابسه وبقي عارياً كما ولدته امه، وتسلل الى خرابة بيت جارهم المهدوم، الذي تركه اصحابه وتشتتوا لاجئين في ديار الغربة، فنبتت به نباتات القريص “على حريتها” ودون ازعاج من احد، حتى اصبحت اطول من قامة رجل، حتى الحمير باتت تخاف اقتحامها خوفاً من كي لسعاتها التي هي اقسى من لسعات الدبابير.!
وعندما وصل “حقل” القريص، رمى بنفسه عليها وبدأ ” يتمرمغ” عليها عارياً صابراً على سكاكينها التي بدأت تقطع كل قطعة من جسمه.. ولما شعر انه اخذ كفايته من دواء القريص، تسلل راجعاً الى بيته ولم يصح الا على اصوات خافتة تهمس من حوله، ولما فتح عينه وجد نفسه نائماً على سرير ابيض تحيطه عائلته، فعرف انه ينام على سرير في المستشفى، وانه نام نومه امتدت اسبوعاً كاملاً جعلت زوجته واولاده يفقدون الامل في خروجه منها.!!
ولكن الغريب في الامر، ان الحبيبات والقروح اختفت من جسمه والى الابد.!!’ واحتار اهل البلد: هل شفي ابد حمدان الجمال من وصفه حامد ام نتيجة لمعالجته في المستشفى!؟
والقصص والحكايات حول حامد كثيرة، فلها نصيب مهم في حكاية تاريخ هذا البلد.!
ولكن اشهرها كانت قصة حمل جميلة الصابر.! ولما بدأ بطن جميلة يكبر وتكبر معه وتزيد معه الاقاويل والشائعات احتاج زوجها الى جلد فيل حتى يتحملها. بالاضافة الى الوساوس والشكوك التي كانت تنهش لحمه من الداخل.! ورفضت “جميلة” جميع نصائح صديقاتها وقريباتها وجاراتها من النساء بالتوجه الى العيادة الطبية، لاجراء الفحوص الضرورية مكتفية بالقول: “انا متوكله على الله ولا على احد غيره.!
ولما دخلت في شهرها الثالث، واصبحت عاجزة عن احتمال ضغوط السنة الناس وعيونهم، توجهت الى العيادة الطبية لاجراء الفحوص “وتقلع بها” كل عيون والسنة الحاسدين والمشككين.. وهناك خرج الطبيب بالنتيجة القاسية: ان حملك هو حمل كاذب.. انه نادر الحدوث ولكن حدوثه ممكن.! أضاف الطبيب.
يوسف جمال