مصر ستنتصر لأن الحق أقوى من القمع والإرهاب العسكري….
تاريخ النشر: 13/07/13 | 4:53
كثيرة هي الجوانب التي لفتت الانتباه في الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال السيسي على أول تجربة ديمقراطية حقيقية في مصر بعد ثورة 25 كانون ثاني/يناير 2011 ، معلنا بذلك انحيازه للماضي الأسود الذي ساد مصر على مدى عقود طويلة ، وتحالفه مع القوى المدنية الليبرالية الاستئصالية الظلامية ، ومع مراكز القوى الانتهازية التي امتصت دماء المصريين حتى تركتهم جثة هامدة ، شاءت الأقدار لهم أن تقف على قدميها في لحظة تاريخية لا تحدث في تاريخ الأمم إلا قليلا ، وَمُصِرًّا – بكل صلف وعنجهية – على تجاهل وجهة نظر الغالبية الساحقة من الشعب المصري التي لا ترضى ولن ترضى إلا باحترام إرادتها والانحناء أمام خياراتها الديمقراطية …
جاء انقلاب السيسي على اعتباره السيناريو المضاد( anti–thesis ) للثورة وأهدافها والآمال التي انعقدت على نجاحها ، حيث كان من باكورة إنجازاته القمع السلطوي والتنكيل الحكومي والارهاب الامني الذي ذَكَّرَنا بأكثر العهود سوادا في تاريخ مصر الحديث ، ابتداء من قمع حرية التعبير والرأي من خلال إغلاق الفضائيات والصحف المعارضة ، وقصف الأقلام الجريئة وتزييف الوعي والتاريخ من خلال مؤتمرات الكذب الصحفية ، مرورا بقمع الحق في التظاهر والتنظيم والذي وصل حد ارتكاب مجزرة في حق المتظاهرين السلميين قتل فيها الجيش بدم بارد نحو ثمانين من الرجال والنساء والأطفال من المعتصمين السلميين أمام نادي ضباط الحرس الجمهوري ، وجرح أكثر من الألف وهم يؤدون صلاة الفجر ، في الوقت الذي لم يرفع الجيش هراوة على مظاهرات واعتصامات المؤيدين للانقلاب ، وانتهاء بقمع الحريات الشخصية والسياسية المعارضة من خلال عاصفة الاعتقالات السياسية الواسعة التي شملت قيادات سياسية ودينية ومجتمعية مرموقة ، نجحت في حصد الغالبية الساحقة من أصوات الشعب المصري في خمسة استحقاقات انتخابية منذ استفتاء آذار/مارس 2011 الأول على تعديلات دستور 1971 ، مرورا بانتخابات مجلس الشعب الذي صوت له 32 مليون مصري ، وحلته المحكمة الدستورية المشكلة من قضاة مبارك ، والانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي ، وانتخابات مجلس الشعب ، وانتهاء بالاستفتاء على الدستور الجديد في 2012 . هذا بالإضافة إلى مجموعة القرارات التي اتخذها السيسي من حيث تعيين رئيس المحكمة الدستورية طرطورا ينفذ إرادته ، وما أمره به بعدها من إصدار ( إعلانان دستورية ) كرست حالة الاستبداد والدكتاتورية ، الأمر الذي فضح نوايا العسكر في إعادة إنتاج نظام أشد فتكا في الإنجازات الديمقراطية التي حققتها ثورة يناير ، من نظام مبارك ، مما دفع شباب ( تمرد ) وقوى أخرى ، إلى رفض ما صدر من إعلانات دستورية وقرارات من المسمى بالرئيس المؤقت والذي جمع له العسكر كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، في سابقة لم تحصل في تاريخ مصر إلا في عهود الظلام …
لقد كذب إذا رئيس الانقلاب ومن أيده من الشخصيات والقوى التي لا وزن لها في الشارع المصري ، حينما ادعى انه جاء لإنقاذ ثورة 25 يناير ، فإذا به يطلق الرصاص مباشرة في محاولة يائسة لقتلها لمصلحة فلول مبارك وإن بوجوه جديدة ، متكئا في جريمته هذه على ما سمي بحركة 30 يونيو ( تمرد ) ، فارتقى بذلك مرتقىً صعبا ، لا أخال إلا انه سيكون ضحيته بعد حين …
الخطيئة الإستراتيجية التي وقع فيها السيسي الانقلابي هي أنه نسي أو تناسى بحكم تربيته الذليلة التي تلقاها على مدار السنين وهو يلعق حذاء مبارك ( ظن مرسي حين عينه خلفا لطنطاوي أنه سيستفيد من التحول ، وسيعمل لصالح مصر !!!! ) ، نسي أن الشعب المصري بعد ثورة يناير 2011 ليس هو ذاته قبل الثورة ، وأن هذا الشعب الذي أسقط مبارك لن يتردد في إسقاط السيسي ليعيد الشرعية مهما اختلف الناس معها أو اتفقوا ، والعودة إلى الشعب كَحَكَمٍ عبر صندوق الاقتراع في أجواء من الحرية وتكافؤ الفرص تماما كما حصل في الاستحقاقات الانتخابية منذ الثورة وإلى ما قبل الانقلاب الأسود …
الحراك الذي تموج به شوارع مصر من أقصاها إلى أقصاها في هذه الأيام رفضا للانقلاب سيُدخل مصر في عهد جديد ، ينفي خبث العهود الاستبدادية القديمة والجديدة ، ويؤسس لنهضة سياسية جديدة تطلق الحريات، وتلغي الاحكام العرفية الجائرة، وتحارب الفساد،وتُؤَمِّنُ تداول السلطة بشكل سلمي، وتحقق التنمية على كل المستويات وعلى كافة الأصعدة ، مستفيدة من التجربة الأخيرة والتي ستستدعي العمل على تفكيك دولة الاستبداد العميقة التي أقامها مبارك ( إعلام ، قضاء ، جيش ، أجهزة أمنية ، الأجهزة الحكومية المختلفة ، المحافظات والمحليات ..) ، والتي لم تسقط مع سقوط مبارك مما أتاح لعملائها إفساد الحياة وعرقلة المسيرة منذ انتخاب مجلس الشعب والرئيس محمد مرسي ، وأدت بالضرورة إلى الانقلاب العسكري الذي ترفضه أوساط واسعة من الجيش وضباطه الشرفاء الذي يطالبون السيسي بالتراجع وتحمل المسؤولية عما يجري واستخلاص العبر ، والذي قد يعني الاستقالة والاختفاء عن الساحة تمهيد ا لمحاكمته على جرائمه خلال أيام من حكمه مصر الكنانة .
لا شك أنّ نجوم هذه المرحلة هم" الاخوان المسلمون " ، الذين حققوا الانجاز الاكبر رغم ما واجهوه على مدى اكثر من سبعة عقود من تحديات وحصار وقتل ونكران ، حُرموا فيها من الحق الطبيعي في ان يكونوا جزءاً شرعيا من نسيج العمل السياسي في مصر، فعاشوا مطاردين وقد سلطت عليهم الحكومات المتعاقبة سيف طغيانها الذي أذاقهم الويلات والنكبات التي لو نزلت بساحة غيرهم لزالوا من الوجود ، ولاصبحوا نسيا منسيا ، لا تحسُّ منهم من أحد،او تسمع لهم ركزا .. صبر( الاخوان المسلمون) على هذا البلاء محتسبين ما يصيبهم عند الله، واثقين من نصر الله وان تأخر، موقنين بهزيمة جلادهم مهما تجبَّر ، ومستثمرين لكل هامش ممكن مهما ضاق في سبيل التعبير عن قناعاتهم والذود السلمي عن حياضهم…