مصر … الانقلاب على الشرعيّة وأزمة الإسلاميين
تاريخ النشر: 14/07/13 | 0:10ما زالت تبعات الانقلاب على الشرعية في مصر، تكشف الكثير من القضايا المثيرة، أمور لا تتعلق بالجانب المتآمر فقط فاللعبة في مصر أصبحت مكشوفة، ولكنها تتعلق بجوانب تدعو للحيرة، فحزب النور السلفي لن يعرّف بتآمره على الشرعية فقط بل بتناقضه بين دعوته للجهاد وللذبح في سوريا وبين مهادنته ومعاونته لاسترجاع نظام لن يختلف بديكتاتوريته عن نظام البعث السوري عبر التضحية بمرسي والإخوان على موائد الإفتاء والحذر من الفتنة! أما الجانب الأكثر إثارة في الموضوع فهو صمت المعارضة السورية في داخل سوريا وخارجها وإحجامهم عن أي تصريح ثوري يتعلق بالحاصل في مصر ومع الإخوان ومرسي بالتحديد والذي لم يكترث لتبعات تصريحاته بما يتعلق بالمساندة للثورة السورية ولرفض تدخل إيران وحزب الله العسكري، وهنا لا أجد أي عذر للقوى الثورية السورية إلا إذا كان الأمر يتعلق بالنظام السعودي والذي أغضبه تدخل مصر مرسي بشكل قد يعيد التوازنات ويفتت المؤامرات الداخلية المعقدة، لكن انصياع الثورة وجيش التحرير بالذات عن أي مساندة ولو معنوية لما تتعرض له الثورة المصرية لدليل أن الأمور ليست كما نتصورها وكأنها لونت بالأبيض أو الأسود فقط، فكيف نتصور السعودية كأول داعم للثورة السورية وكيف نتصورها كأول هادم للثورة المصرية المتمثلة بالشرعية!
إن الانقلاب في مصر قد كشف شدة انقلاب الكثير من الحركات الدينية على نفسها، من حيث انعدام الرؤية السياسية وضبابية الفكر الضيق، فقد مجدت أدوار السعودية والخليج بشكل عام حد الثمالة، دون أن يعتمدوا بتحليلهم عن ركيزة النظم الخليجية القائمة تبعيتها للغرب بشكل مثير للاشمئزاز، فالدول العظمى تدعم الدول المستضعفة لتحظى بتبعيتها، ولكن الخليج ويا سبحان الله فهو الذي يصرف على المحتل والمستعمر لتدوم عبوديته وذله الحضاري والتاريخي! إن التناقض بين موقف الخليج من الثورة السورية وبين الثورة المصرية، ليدل على أن تدخل السعودية كان ضمن مؤامرة على الثورة السورية وللتحكم بانجازاتها بحيث يوجه الفكر المطلوب للإحاطة بتلك الإنجازات العسكرية على الأرض ولإحاطتها بأغلفة فكرية مذهبية وطائفية، وكأن أي انتصار سيكون كان بفعل المذهبية وليس الثورية!
إن الانقلاب على مصر ليشير بخلل رهيب بمن يمثل الفكر الإسلامي في كل المنطقة العربية، فضيق الأفق الفكري والانفتاح السياسي للحركات الإسلامية في ذات الوقت، جعل حراك تلك القوى يتوجه بالشارع وكأن هنالك طبقية دينية، وكأن الانفتاح السياسي يبنى على برلمان من الدعاة وليس من المفكرين، مثل هذا الفكر المبني على جمودية النصوص لم ولن يستطيع أن يتعامل باحترام مع الآخر وحتى مع نفسه بعفوية تمثل فطرة إنسانية، فما زالت الكثير من القضايا المصيرية في المجتمعات الإسلامية والعربية تمثل غذاء حضاريا للعداء من قطاعات عالمية تحمل أوجه حق أحيانا، فلم تقف القوى الإسلامية لتواجه ظواهر تعصف بالفكر الإسلامي وتحصر عالمه ليل نهار، مثل قضية الختان في مصر والتي تعتبر عادة اجتماعية مقيتة تحولت إلى عادة إسلامية عندما نرى كل مؤازريها من رجال الدين، دون أن يتخذ مفكري أو دعاة الإخوان موقف بهذا الخصوص، وكذلك فإن اللباس الإسلامي أصبح معيبا بعدما فقد هويته عندما ركز على الحجاب لتكتفي الحركات الدينية بنصر سياسي وبالاكتفاء بنصف لباس دين، وهنالك الكثير من الأمثلة التي تؤثر سلبا بعقول الناس، ولكن بما أننا نتحدث عن الانقلاب فقد ساهمت الحركات الإسلامية بهذا الانقلاب وساعدت بالتحضير له، عندما امتدحوا قائد القوات المسلحة السيسي وجعلوه بطلا قوميا وخطرا استراتيجيا على إسرائيل وأمريكا في كل أدبياتهم وصحفهم ومواقعهم، أسرفوا الملايين من المال والحبر على بطولة مزيفة والآن سيكررون الصرف على خيانة مطلقة، تلك الخيانة على مرسي والتي لم تتطهر منها تلك الحركات ولو بشكل نسبي، وقد يعتبر هذا الانصياع لاتجاه واحد حتى في السياسة كخلل فكري خطير، فما معنى مبدأ السمع والطاعة من قائد أو داعية ديني دون أي وجه حق في التخصص، فهل الطاعة أن نمتدح السعودية والسيسي قبل عام وأن نلعنهم الآن؟ هل نحن شعب "رداحات" وهل قياداتنا بمستوى "فتاحات" وهل الطاعة العمياء تتطلب تخوين الآخر إذا أشار إليك أن هنالك من داخل الثورة السورية من يخدم النظام، وبأن النظام العربي لا يختلف عن بعضه البعض وبأنك يجب أن تنظر استراتيجيا للأمور، وهل غاب عنكم أن جيوش دول الطوق المحيطة بإسرائيل قد صممت للحفاظ على اتفاقيات وضمانات سرية وعلنية لحفظ أمن وأمان إسرائيل المرهون بأمان كل نظام أو زعيم عربي محيط! هل صدم جهلكم السياسي بإنتاج السيسي كمنقلب على المرحلة!
وأخيرا، فلو قدر لشخصية أخرى غير مرسي لتغير اتجاه الأمور ولنجح الانقلاب ساعتها، ولكن لطف الله أن عرّف الأمة بشخصية غير معروفة قبل عام واحد، شخصية ساهمت ببساطتها وطيبتها ومدنيتها بالكشف عن أسرار اللعبة الحقيرة إعلاميا وميدانيا، حتى أن ما يبثون لم ينطلي على طفل صغير، ولكن كان يجب الانتباه أن رحم هذه الأمة قد حمل بتؤأم ثوري عربي وإسلامي، ولكي يولد أي منهما على كل المعنيين مد الجنين بالمكونات الطبيعية الإنسانية التي يحتاجها، وإلا فسيولد الجنين يوم موت الفكر في هذا الجيل والذي أنهكته التناقضات والخزعبلات السايسية المنطلقة رأسا من دماغ القائد الواحد الأوحد! فإلى متى هذا الاستهتار الفكري؟