التسامح والحقد
تاريخ النشر: 11/12/15 | 9:00من صفات المؤمنين حقًا وصدقًا ما ورد في الذكر الحكيم: “ونزعنا ما في صدورهم من غِـلّ”، والغل هو الحقد الكامن.
ونقيض الحقد -كما نعلم- هو التسامح والصفح، فالمسامح لزلة غيره يجد الراحة في نفسه، ويطمئن قلبه إن آجلاً أو عاجلاً.
ثم إن التسامح هو الامتحان الفريد الحقيقي لمعنى الثقافة، وهو نتاج لها، ويتأتى ذلك إذا تفكرنا في عيوبنا وأخطائنا نحن، فعندها نكون متفهمين أكثر لعيوب غيرنا وأخطائهم.
يقول جواهر لال نهرو: “النفوس الكبيرة وحدها هي التي تعرف كيف تسامح وتصفح”.
الغل، الحقد، الضغن أو الضغينة، والحفيظة، والإحْـنة (الإحن تجرّ المحن)- مرادفات يعمد إليها كثير من الناس، فلا يتسامحون ولا يعفون، ولكن هؤلاء لم يدركوا ما ورد في درر شعرنا:
يقول عنترة:
لا يحمل الحقدَ من تعلو به الرتبُ … ولا ينال العلا من طبعه الغضب
وعلى المنوال نفسه نسج المقنّع الكِندي وهو يبرئ نفسه أمام بني عمومته، فيقول:
يعاتبني في الدَّين قومي وإنما … ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم … وليس كبير القوم من يحمل الحقدا
فإذا صفحت ولم تحقد فإنك تنعم براحة بال كما ذكرت، وصدق الشافعي إذ قال:
لما عفوت ولم أحقد على أحد … أرحت نفسيَ من هم العداوات
خلاصة القول ما ذهب إليه البُستي الخَطابي في قوله:
تسامحْ وإن لم تستوفِ حقك كلَّه … وأغضِ فلم يستوفِ قطُّ كريمُ
من جميل القول في هذا المعنى عن الحقد ما أورده شاعر من تشبيه جميل، حيث شبهك في ابتعادك عن الحقد أنك عال كالنخلة، وحتى لو أوذيت فإنك لا تعرف إلا الخير، لأن هذا أصلك وفصلك:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعًا *** يُؤذى برجم فيعطي خير أثمار
أما أنا فرأيت أن محبة الناس هي المفتاح لزوال الحقد، فقلت من قصيدة لي:
أحب الناس من قلبي وربي … لذا فالحقد مجهول المكان
فيا ظمآن هاك الوِردَ صفوًا … شرابًا سائغًا ملءَ الدنان
فقد وافيتَ قلبًا مطمئنًا … يناغي الحب في أحلى الأغاني
…..
اللهم انزع ما في قلوبنا من غِل قد يطرأ!
بقلم:ب.فاروق مواسي