الدّودة المجنونة
تاريخ النشر: 18/07/13 | 0:39هل انقرضت العلمانيّة أم ستنقرض من الوجود؟ يمكن أن يتبادر هذا السّؤال إلى ذهنك نتيجة ما يقرعون به الآذان من حديث عن صعود نجم الإسلاميّين، وعن اندحار للعلمانيّة والعلمانيّين. وهل يستطيع الإسلاميّون الحكم خارج بنية الدّولة الحديثة بما تفترضه من سلطات وأجهزة ومؤسّسات، وخارج النّموذج الدّيمقراطيّ الذي هو علمانيّ بالضّرورة؟
ألم ينتقل الإسلاميّون، في تونس على الأقلّ، من ادّعاء حماية الإسلام إلى ادّعاء حماية الثّورة؟ ألم يقدّموا تنازلات متتالية للمجتمع المدنيّ : تنازل عن إقرار الشّريعة مصدرا للدّستور، تنازل عن مبدإ تجريم المسّ بالمقدّسات، تنازل عن تعويض مبدإ المساواة بين الجنسين بمبدإ التّكامل، تخصيص فصل للدّولة المدنيّة، إلخ؟
طبعا هناك الفئات السّلفيّة التي ستتلقّف ما بقي من عناصر إيديولوديّة صريحة في المشروع الإسلاميّ.
ولكن ما أفق هذه المجموعات وهل تمثّل ظاهرة متجذّرة في مجتمعاتنا لولا التّمويل المتدفّق من بعض دول الخليج؟ هل نحن خارج الحداثة أم داخلها؟
نحن بالتّأكيد حديثون، من حيث استعمال التّقنية، ومن حيث التّحوّلات الاجتماعيّة التي شهدتها الأسرة في مجتمعاتنا، ومن حيث تبنّي النّموذج الدّيمقراطيّ الكونيّ أو رفضه في انتظار تبنّيه. لم يعد نموذج الشّريعة يفرض نفسه إلاّ من باب ردّ الفعل المحافظ ومن باب إنتاج الفتاوى المضحكة التي لا يتّبعها سوى صاحب الفتوى نفسها وربّما زوجته وبعض أو بعض أتباعه في أحسن الأحوال.
من يتبع اليوم فتوى "رضاع الكبير" وفتوى تحريم التّصفيق وفتوى تحريم الإبحار للمرأة بلا محرم؟ لكنّنا أكثر شعوب العالم رفضا للحداثة والعلمانيّة، ونحن حديثون ومتعلمنون.
خطرت ببالي وأنا أكتب نصّ محاضرة قدّمتها مؤخّرا عن العلمانيّة صورة الدّودة في قلب التّفّاحة : أليس العرب في قلب تفّاحة الحداثة، والكثير منهم يشتمونها ويريدون تحطيمها وهم بداخلها؟ في عالم الطّبيعة لا توجد دودة مجنونة. فالطّبيعة عمياء، والدّودة تؤدّي دورها الغريزيّ، وتتطابق معه إلى أن تموت في سبيل بقاء نوعها. في عالم البشر، الأمر مختلف.
عالم البشر هو عالم عدم التّطابق : أفكّر حيث لا أوجد. أنا أفكّر إذن أرفض التّفكير. وعدم التّطابق مع النّفس عند العرب المسلمين مبالغ فيه إلى حدّ الانفصام التّامّ.
متى سيكفّ هذا الصّنف من البشر عن تقديم أنفسهم نموذجا لمجانين الحداثة؟ وهل تكون الثّورات العربيّة فاتحة الخلاص بعد تأجّج هذا الجنون واحتدامه على نحو عنفيّ؟