تقاطع الالام
تاريخ النشر: 19/07/13 | 2:00في البدء سارت الامور كالمعتاد, قامت من فراشها وبدأت بتحضير نفسها ومن حولها من اجل عبور يوم جديد… هي الى مدرستها التي تستقبلها يوميا منذ عشرين سنة واولادها الثلاثة الذين يتجهو الى مدرسة اخرى, وزوجها الذي يتثاقل يوميا في سلخ نفسه من فراشه كل صباح, ليعد نفسه من اجل التحاق بالبنك التجاري الذي يعمل فيه…
خرجت من الحمام, فسمعت بكاء خافتا يتسلل من غرفة الاطفال, فأسرعت الى مصدره فاصطدمت بالباب بسمير ابنها البكر "ابن الثامنة" امي ان رانية تبكي" وصلت الى سرير الطفلة وقبلتها."وضعت يدها على جبينها "يا حبيبتي… ان البنت تغلي…!! نادي اباك!!" قالت لسمير, وهي تحمل الطفلة بين يديها… حضر احمد مسرعا وضع يده على جبين الطفلة وقبلها بحنان شديد:"لابد من نقلها الى العيادة حالا..!!"..قال الاب.واللهم يخطف وجهه .
اتصلت بالمديرة. "حضرت" الطفلة ,ووضعتها في مقعدها الخاص في السيارة, وتوجهت الى العيادة.
وعندما وصلت, تناولت نمرة من حافظة النمر القريبة من باب العيادة… نظرت اليها فوجدتها تحمل الرقم 35, فعرفت ان وقت طويل ينتظرها وينتظر ابنتها, فاشتد خوفها وهلعها ,فرمت بنفسها على مقعد الانتظار, لينقذها من خطر الانهيار…
جالت بناظريها, لتفحص على وجوه الجالسين على مقاعدهم ,فوجدتهم كالعادة كل واحد منهم يحمل الامه او الام من معه .وعلى وجهه ,متخذا من الصمت ستارا يحجب معاناته… كانت هنالك نساء ورجال واطفال…
رجعت الى ابنتها, فوجدتها تغيب في اتون من نار. ..تأن أنات كانها تاتي من بعيد ..وضعت يدها على جبينها.. فوجدتها جمرات لنار خمد لهيبها.. فزادت دقات قلبها ,التي لم تستطع ان تقف امام, هذا السيل الجارف من الهلع والخوف من المجهول…
"ستموت الطفلة بين يدي…!!!" خرجت من اعماقها اصوات, انفجرت في داخلها قبل ان تصل الى شفتيها… حولت انظار مستغيثة الى المنتظرين لدورهم الى الطبيب ..فوجدتهم كتل من الحجارة ,تلفعت بستائر من صمت رهيب… تمعنت في داخل عيونهم.. فوجدتها تغور في قاع بئر من الجمود … "سأطلب منهم بالسماح لي بالدخول الى الطبيب… لا بد من انقاذ الطفلة… تصاعدت موجات من الكلمات اطلقتها الثورات التي بدا تعلو من داخلها…
-
ابنتي وضعها صعب… واطلب منكم السماح لي بالدخول الى الطبيب..!! زعقت باستعطاف محموم.
-
"لا…لا.!!." انطلق صوت امرأه عجوز هشم الزمان وجهها…"انتظري دورك!!… كلنا مرضى ..وكلنا نحتاج الطبيب بسرعة..!!" اكملت كلامها ,وهي ترسم على وجهها علامات المقت والكراهية.
-
لماذا… لماذا…!؟ صاح رجل في منتصف العمر كان يجلس في الجهة المقابلة,"انها تقول ان ابنتها في حالة خطرة ..!!". اكمل محتجا.
-
"انها تعارض ادخالها بسبب كونها عربية..!!". همست شابة في مقتبل العمر في اذن الرجل.
-
"انا لا احب العرب… !!ولكن هنا حالة انسانية..!!". رد الرجل على الشابة ,وكأنه يحاول ان يبرر لهم اسباب مطالبته بالسماح لها بالدخول.
-
"قتلت ابنة اخي في انفجار القدس..!!". همست صاحبتها, كانت تجلس ملتصقة بها, اكملت بحزن شديد.
-
"ايتها المرأة هل قلبك من حجر…!؟ ان ابنتي ستضيع بين يدي..!!". قالت بصوت تتنازع فيه الثورة والاستعطاف.
-
نعم تحجر..!! وانا اشاهد مناظر لم اشلاء قتلى الانفجارات..!! قالت بصوت يخلو من الاحاسيس.
-
"ولكن هذه الطفلة لم تكن هناك… !!ليس لها ذنب فيما تقولين..!!". سمع صوت لشاب كان يجلس على مقعد بعيد.
-
"سأدخل بعد ان ينتهي الطبيب عمله, مع المريض الذي يعالجة الان… ويكن ما يكون..!!" قالت بتحدي مستميت.
-
"لن تدخلي…!! لن تدخلي ..!!". انطلق صوت حنجرة شاب "تزين" راسه قبعة المتدينين.
-
"لماذا …!!؟". تدخلت شابة اخرى في الحديث "لانها عربية…لم يبق في قلوب هذا الشعب رحمة!!!". اكملت بصوت يحمل في طياته اليأس.
-
"لتذهب لغزة… هناك سيساعدوها…!! اكملت قوله امرأه كانت تجلس بجانبه تحمل طفلا رضيعا… ربما تكون زوجته.
قامت من مكانها.. تحمل الطفلة.. وتوجهت بجانب الباب ,مصممة على الدخول, عندما يفتح الباب ليخرج المريض… واصمّت اذنيها كي لا تسمع النقاش الذي استمر بينهم.
-
"هم لم يعيشوا في المانيا… ولم يروا معاملة النازيين لليهود, حر موهم من العلاج والدواء…!!". توجهت العجوز بالحديث, لامرأة كانت تجلس بجانبها.
-
"انا من اصل عراقي … سمعت الكثير عن معاناتكم في اوروبا..!!". قالت العراقية محاولة الاشتراك معها بالحديث.
-
"اه.. انتم عشتم بينهم…!!". قالت محاولة استدراجها لحديث تتوق الى استماعه.
-
"اه ..عشنا بينهم حياة طبيعية… ولم نذق مرارة الظلم الا هنا…!!". اجابتها محاولة عدم فتح جراح لم تندمل بعد.
-
"اه ه…" اطلقت العجوز ,همهمات فيها معاني انسحاب المهزوم… واشاحت بوجهها عنها الى الجهة المعاكسة.
واذا بصرخة, تنطلق لتكسر الواح المكان … توجهت العيون نحو الصوت, فرأوا ,الام العربية,ترمي بطفلتها في حضن الاب اليهودي المتدين ,وتنتزع ابنه من حضن زوجته , وتسرع الى باب عيادة الطبيب, وتبدأ بالطرق على الباب بقوتها, وهم ينظرون اليها متجمدين في اماكنهم… عاجزون عن فهم هذا الموقف المذهل الذي يتكون امامهم…
-
"عربية …عربية…!! سرقت طفلي" صاحت المتدينة.
قامت من مكانها.. . وتوجهت بسرعة نحو المرأة ..نحوالباب ولكنها قبل ان تصل… فتح الباب ودخلت مع الطفل الى العيادة… وسط صرخات الطبيب المحتجة على الطرقات المحمومة…
-
اسعفه يا دكتور لقد ابتلع شيئا…!! صرخت به بهلع… بدأ الطبيب باسعاف الطفل, غير ابه بالطرقات التي كانت تنصب على باب العيادة…
كل هذا كان يحدث ,والرجل المتدين يحتضن الطفلة العربية… نظر الى شحوبة وجهها والدموع الخرساء ,التي كانت تسيل من اطراف عينيها… وفمها الصغير الذي كان يتعذب ,من وجع سياط المرض… وضع يده على جبينها ,فدخلت في اصابع راحته موجات حارة من المعاناة ,فتسللت الى قلبه فملأته ,باحاسيس الشفقة والرحمة… فذكره بما حدث لابنه في ساعات الليل… فقام من مكانه وتوجه الى باب العيادة ,وعندما وصل, رفع رجله وركل الباب بكل ما اوتى من قوة ,ففتح الباب. سحب ابنه من سرير الطبيب, ووضع الطفلة مكانه, ورد على احتجاج الطبيب الذي قال:لم انه بعد من علاج الطفل… انك مجنون!!
– سنكون مجانين ,ان لم ننقذ هذه الطفلة, لا بد ان تعيش …!!