براءة الشيطان !!!
تاريخ النشر: 21/07/13 | 1:30الشيطان كقضية فلسفية تعتمد على وجهتي نظر منها العقائدية تخص المؤمنين، ومنها التصورية وهي تخص الخارجين عن حدود الإيمان، ولكن الجهتين يؤمنون ويتصورون إن الشيطان هو مصدر الشر في هذا الكون ! إلا أن الاعتقاد بهذا الخطأ الفلسفي الخطير من وجهة نظري، يعد أول آلية الخداع التي تمت بحق الإنسان من قبل الشيطان أو من قبل ذاته، فمن الجهة الإيمانية فان مصدر الشر لا بد أن يتصور كخالقه، ومن جهة أخرى فان الأستبراء الإنساني من صناعة الشر وتوكيله بشكل مطلق للشيطان، سيكون حافزا لاستفحال الشر نظرا لأنه خارج عن إرادة الإنسان أو بشكل آخر بسبب تملك الشيطان التام للشر الإنساني والكوني، وبالتالي سيطرته على كل أفعال الإنسان بشكل يجعل منه خالق للشر ومتحكما مطلقا للإنسان ، وهذا خارج حدود المنطق والعدل الرباني ، وبالتالي فان الاعتقاد أن نزع الشيطان بقدرة ربانية افتراضية من الحياة الكونية والإنسانية برمتها سيكون له الأثر بانتهاء فصل الفساد وسفك الدماء من حياة البشر ، ليدعو كل هذا التصور إلى الاصطدام بالرواية الدينية المتعارف عليها بين كافة الديانات السماوية ، فعندما تريد اكتشاف الحقيقة وتذويب الشبهات ، يجب عليك أن تنطلق من خلق ادم لتلج إلى أدوارك الحقيقية في هذه الحياة دون إن تخلطها بادوار شيطانية وهمية في جوهرها ، فحسب الرواية الدينية المسرودة في الكتب السماوية ، أن الله عز وجل عندما تأهب لتسوية ادم ونفخ الروح أمر ملائكته بالسجود لهذا المخلوق ، ولكنهم استغربوا إن هذا المخلوق سيخلف ويستعمر الأرض وهو الذي من صفاته الفساد وسفك الدماء ، أي إن ادم البشري قد شهدت له الملائكة بالشر قبل أن يخلق بل قبل إن يتمرد إبليس على أمر بارئه بالسجود وقبل أن يتم الصراع بين ادم وإبليس في الجنة التي هبطا منها بعداء إلى يوم القيامة ، أي أن الإنسان وبدليل السرد الديني لخلقه يحظى من أول دقيقة في عمره التاريخي بملكية خاصة مطلقة على شره ، لذا فان الشيطان لا ينطلق بعدائه والياته المخول بها في تنفيذ هذا العداء من بقعة الشر فقط بل ينطلق أحيانا من بقعة الخير مما يشير بأن الشر ليست خاصته أو منفذه الوحيد ، ولو كان الأمر بالعكس لتصرف الشيطان بمنطقته بحرية تامة ، وعليه فأن لاحظنا مجمل المعاصي والتي تتبع الاستغفار إنما لا تأتي لتفادي أخطاء مستقبلية مماثلة ، وإنما تأتي لتنحية الضمير وتبرئته من الخطأ ومن ثم إحالة كل الشر الذي صدر من ذاك الخطأ الى الشيطان بشكل كلي ، وكأننا انتقصنا بذلك من عملية خلق الإنسان جوانب معنوية وسيكولوجية هي تعد من مركباته الخلقية ، لنكمل بها الشيطان ولنتخذه كاله للشر وليس كعدو من شأنه أن يكيد بضعف أو يوسوس ، وهذا يشبه تحريك الأملاح أو السكر في الماء ، ولا يعني هذا التحريك انك صانع الكأس او منزل الماء أو خالق الملعقة !
– وأخيرا ، فان هنالك الكثير من الأمور الفلسفية في العقيدة والتي قد تعتمد على ملاحظة بسيطة في الرواية مثل تلك المذكورة أعلاه ، ولكن مثل هذه المعلومة ليس من الحكمة أن يتم التبهيت بها في حالة رفضها أو قبولها ، فقد يتعلق سلوك مجتمعات بشرية كثيرة من خلال فهم مغلوط لرواية صغيرة هي أصل لرواية كبيرة ، اسمها الشر وتصنيفه هل هو إنساني أم شيطاني ، أظن إن الشيطان برئ هذه المرة إذا أصلنا الشر وألصقناه به ، لكن تهمته المطلقة بالشر المطلق ستتحول نحونا إلى تهمة كبيرة يوم الحساب ، يوم نكتشف أن الغل سيبقى عند دخول الجنة أي يوم يكون قد فصل بين الخلائق الآدمية والشيطانية، لنجد الله ينزع الغل من قلوب مؤمنين يستعدون لدخول الجنة دون حتى وسوسة شيطان ! لذا فان أجرمت فلا تتهم الشيطان بالجريمة الكاملة، لان سفك الدماء كان بشهادة الملائكية صفة إنسانية وليست شيطانية، واعتقد أن الشيطان يغمض عينيه من هول الجرائم التي شهدها على مدار وسوساته على الإنسان ! لذا فان الاعتقاد الخاطئ للشيطان جاء بتصور خاطئ أيضا بحيث اعتمدت هذه التصورات أدبيا وإعلاميا وفنيا على تصوير الشيطان بشكل يعكس مفهومنا الخاطئ له ، وليس كما يكون في حقيقته هو بأنه اضعف من الجرائم المنسوبة إليه زورا وتبديلا لادوار التنزيه والجرم المشهود.
استاذ علي بورك فكرك النير تحياتي لك