ما بين الحق والواقع
تاريخ النشر: 19/12/15 | 14:23شتان ما بين الحق والواقع.. فالواقع هو ما نعيشه من أوضاع قد نقبل بعضها ونرفض أغلبها..فهو نسبي تتفاوت أحواله وتتباين صفاته بإختلاف طبائع البشر الذي يحيون فيه وأعمالهم التي تضفي عليه صفة الحسن أو القبح،العدل أو الظلم…أما الحق فهو الفطري في قلب كل سوي والبديهي بذهن كل لبيب، نبع صاف إسُتقى من الوحي السماوي رَبِح من إتخذه نهج حياة وإن ذاق الويلات من أتباع الواقع الآثم ذاك الذي تأثر بأهواء البشر المريضة وأعرافهم الخاطئة فبرغم علمهم بسوء مآله وهلاك سالكيه إلا أنه ظل ومازال خيارهم الوحيد.. فلا بديل عنه لديهم فصار ثيابهم المفضل لا يطيقون خلع عباءته البالية وقد إمتلأت بالرقع والدنس ولا يرون ما شابها من إتساخ قبح شكله وساء منظره وإن رأوه لم يدركوا مدى أثره البغيض على أجسادهم بل و على المحيطين بهم وإن أدركوا لم يخلعوه حيث صار إرتدائه عادة إلا أن يشاء الله ويرد بهم خيرا ويبصرهم بما هم عليه ويهديهم إلى سواء السبيل.
إن الصراع بين الحق و الواقع السئ لاسيما إن ساد وقنن كما هو الحال في تلك الأيام لهو صراع دائم تحتدم قوته وتضعف في ميدان النفس البشرية وتختلف آثاره وفق إستجابات بني البشر والذين إنقسموا إلى ثلاثة أصناف تجاه تلك المعركة وهم : الثابت، المتردد، الأمعة.
أما الثابت فهو شخص علت همته وقويت إرادته ولم يتزعزع إيمانه بالله ثم بذاته القوية فظفر بنصرا مؤزرا لم يخطر بحسبانه يوما ما وكأن هذا الفوز العظيم جاء جزاءا له عما تجرعه من صبر شديد في تلك الحرب الضروس تحمل خلالها ما لايطيق من سخرية قوم إتخذوا الأهواء دستورا لهم وراحوا يشيعون خبثها في كل صوب وحدب حتى تفشى الوباء والتبس الحق بالباطل ووقع من وقع في غمار تلك الفتنة وسلم من سلم من أهل الثبات فقد عفاهم الله تعالى لما علم ما في قلوبهم من خير وافر ودوا لو إنتشر وصارت له السيادة..هم قوم رفضوا الإنسياق إلى واقع كثرت أخطاء صانعيه بل وصارت عيوبهم هي المتحدث الرسمي بإسمه فهي الحق في أذهان من إصطنعوها بذكاء بالغ وطباع من اتبعوهم بجهل فاضح.
أما المتردد فهو المذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء..يعلم الحق ولا يتبعه طويلا فسرعان ما ينسلخ عن إنتهاجه لقلة عزمه وإضطراب ثقته وإلتفاته الدائم إلى ما سواه ويدرك الباطل جيدا وتبغضه فطرته التي تأبى إستمرار سيره تحت ظلال أهله فيفر منه خائفا من تبعاته السيئة في المستقبل حتى إذا حدثته نفسه الأمارة بالعودة مجددا لنيل ما ناله الكثير من لذات زائفة ورغبات زائلة وقد أعدت تبريرا صادف موافقة هواه ألا وهو يسر المسير في طريق تلك المتع وسهولة إقتناصها فيحاول المتردد الرد على تلك الشبهة بصوته المرتعش لإقامة الحجة على النفس بأن ما تدعوه إليه هو الحرام بعينه فلا يرى مبررا لإتباع الهوى إلا أن أربابه كُثر وقانونه صار واقعا فيتنامى طمع نفسه في إشباع ما ترجوه من آمال ورغبات لطالما أوقعت هذا الصنف من الناس ” المتردد” في فخاخ عدة وذلك لإضطراب عزمه وتشتت ذهنه فتارة مع أهل الحق وتارات أخرى مع أرباب الهوى صناع الواقع الآثم.
أما الأمعة فهو شخص دائم الإنقياد لأهواء أقرانه فلا يعبأ بعواقب إتباعها فقد قصر نظر بصيرته عما هو آت فما يعنيه هو عظم المكسب العاجل من هذا الإتباع، يعلم الحق من الباطل لكن لا يصغى إلا لصوت شهواته.
وأخيرا وليس آخرا سيظل لواقعنا الآثم أتباع يصفقون لشرائعه المصطنعة من أهواء بني آدم من عادات وتقاليد إصطنعها الأباء والأجداد وتوارثها خلفهم وجعلوا منها شرعة ومنهاجا ونسوا الحق الذي جبلوا عليه منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة….والآن لك الإختيار قارئي العزيز مع من تريد أن تكون مع أهل الواقع أم أصحاب الحق؟
علاء صلاح الرفاعي