الربيع العربي يتحول إلى خريف عاصف ومظلم
تاريخ النشر: 24/07/13 | 9:04
بعد اكثر من سنتين ونصف على إنطلاق شرارة الثورة في دول الربيع العربي والتي كانت نتيجتها قلب أننظمة قمعية ديكتاتورية في بعض الدول العربية، وإستمرار الإستبداد ونجاحه في لجم هذه الثورات في دول اخرى (سوريا) وبذلك بفضل الدعم والإمداد الذي لا زالت تحصل عليه من بعض حلفائها.
مع ذلك، الثورات العربية اليوم بدأت تشهد تحولات خطيرة تنبئ بإنحراف الثورات عن مسارها وأهدافها الحقيقة التي قامت من أجلها، وبصراحة، هناك تحولات وتغييرات كبيرة وجذرية تطرأ اليوم على الأرض، سواء في سوريا، وبعد معركة القصير على وجه الخصوص، أو في مصر بعد ثورة 30 يونيو على حكم الرئيس محمد مرسي، هذه التحولات تحتم علينا إعادة قراءة خارطة الثورات في هذين البلدين (مصر وسوريا) من جديد.
مع إنطلاق الثورة في مصر وفي سوريا كنا على يقين بأن هذه الثورات هي ثورات تلقائية من فعل الشعوب التي ملت من النهر والظلم والإستعباد الذي إستفحل في أوطانهم عقوداً، وأنهم خرجوا لا لشيئ إلا لرد المظالم إلى أهلها وتحقيق العدالة وتصحيح مظالم تاريخية لحقت بهذه الشعوب ردحاً طويلاً من الزمن، فكان لزاماً على كل إنسان حر أن يدعم ويؤيد، ولو بأضعف الإيمان، هذه الثورات التي إنتفضت بوجوه جلاديها مطالبة بأن تسترد حق تقرير مصيرها وحكم نفسها بنفسها، فكان حقاً لهم أن يلقوا الدعم من جميع إخوانهم المسلمين في العالم لأن مطلبهم شرعي وعادل.
إلا أن الأوضاع لم تكن مستقرة ليوماً واحداً، وأخذت الصورة تتغير بشكل مطرد إلى حافة وهوامش خطيرة، الوضع الراهن (في مصر وكذلك في سوريا) أصبح وضعاً مشبوهاً تغلب عليه صفة صراع المصالح الدنيوية الرخيصة أكثر مما هو صراع لأجل كلمة حق أو نصرة مظلوم (إلا من رحم ربي ممن لا يملكون من تغير الأمر شيئ)، فمثلاً، بعد معركة القصير التي جرت في سوريا والتي تلقت خلالها قوى الثورة ضربة قوية (لا أقول قاصمة، إلا أنها ضربة حدت من قدرة الثوار على المبادرة والهجوم والتأثير الإيجابي الهجومي على جبهات الخصم) الأمر الذي أعاد الثورة السورية وإنجازاتها إلى المربع الأول وقللت من قدرة الثوار على الوصول إلى دمشق على المدى القريب، وفي ظل موازين القوى الحالية في سوريا يبدو أن الثورة السورية يمكن أن تراوح مكانها لسنوات إضافية.
هذه الحقيقة فهمها النظام السوري، وتفهمها أيضاً قيادات إئتلاف الثورة السورية التي فتحت باب المساومات بينها وبين النظام وجميع الأطراف الاخرى المتنازعة في سوريا، واليوم يتم الحديث سراً من خلال مفاوضات غير معلنة بين الأطراف بهدف تقسيم سوريا إلى أربع دويلات صغيرة ليحكم كل طرف من الأطراف المنطقة التي يسيطر عليها عسكرياً، وهو أمر يجهل حقيقتة غالبية الثوار المتواجدين في الميادين الذين لا يزالون يحملون السلاح يَقتلون ويُقتلون ظناً منهم أن الهدف هو إسقاط النظام السوري برمته.
ومن هنا، بدأ يظهر دور قوى الإئتلاف (إئتلاف الثورة السورية) وهي تقوم بدور النخاسة وتلعب لعبة المتاجرة بالدماء السورية التي تسيل يومياً في سبيل أن تحقق مزيداً من مطالبها الفئوية، الدنيوية الضيقة والتي تشوبها رائحة المصلحة الشخصية لا أكثر.
أما في مصر، فالوضع يختلف بالتفاصيل فقط، مؤخراً، أمسى الصراع حزبي مصلحي ضيق تقوم من خلاله جميع الأحزاب بدفع جماهير الشعب المصري للتصادم والتقاتل لكي يتاجر كل طرف بالدم الذي يسفك من أنصاره، فيقوم كل طرف بإتهام الطرف الآخر بالدموية، القتل، الإجرام والإرهاب لكي يستعطف جموع الشعب المصري إلى جانبه.
لذا، أنا أعتقد بأن هذا التحول الخطير في مسار الثورة في مصر من ثورة كانت موجهه ضد الظلم والإستبداد وبهدف إعلاء أهداف نبيلة قد تدهورت إلى مناطق مظلمة تتلاعب في مشاعر الغلابة والمساكين من الشعب المصري الذي أصبح يصدق كل اروايات المفبركة من الطرفين ويرى في خصمه الآخر شيطان يجب التخلص منه حتى ولو إحتاج الأمر إلى سفك الدماء والقتل.
بعد أن إنحدرت هذه الثورات إلى هذا المستوى الإستغلال الممزوج بالدجل والإستهبال على الشعوب، لا أراى أن أي من هذه الأطراف ستكون قادرة فعلاً على تحقيق آمال أنصارها المغرر بهم. ونقول، ما لهذا ثارت الشعوب أول مرة، ما ثار السوري من أجل دويلة صغيرة (كنتون) في الشمال وآخر في الجنوب معزولة عن باقي أهله وشعبه، وما ثار الشعب المصري من أجل أن يذبح في الشوارع وأن تسيل دماءه في سبيل كرسي يتصارع عليه أناس جعلوا من هموم الناس آخر أولوياتهم.