من مبرك الإبل ….. نفكر في المناخ
تاريخ النشر: 25/12/15 | 5:17كِدتُ أقْترف هذا الأسبوع فنا وأرسم لوحة، لولا أنها هي التي رسمتني بالطريقة التي تجْعلُني أُعيدُ النظر إلى نفسي في المرآة عساني أنسجم مع مناخ عام لم يعُد لِطقسه وجهٌ؛ أليست اللوحة باعتبارها وريداً وثيق الحياة بالإنسان، الأجدر بالتفكير ولو خيالا في ما سُمِّي قِمّة المناخ بباريس لعام 2015؟؛ ليس إذاً ترفاً أن نعتلي بسيزيفية قصوى هذه القمة العالمية لنُفكِّر في مناخنا وما طرأ على هوائه من اختناق، ولو من باب التشكيل الذي لا شُغل له إلا تعهُّد المواهب والكواعب والأشجار والمشاتل في دار فنية لا يتخذه لمواقده حطباً، وحشو جيوبه بسيولة مائية وليس فقط مالية بالاغتراف من أجمل الأنهار، ولا يهُمُّه إذا سار بين الناس مُبلَّلا في طقس حوَّلنا جميعاً جافِّين..!
وانا اتابع عن بعد تقلبات المناخ في مؤتمر باريس، شطح بي خيالي بدون موسيقى الى محاولة فهم هذا التجمع بمشاركة كائنات من بعض الدول العربية التي لا تفقه فيما يجري ويدور حولنا من اكاذيب ملونة، تحاك بدقة متناهية، للأسف نصدقها ونبدع في الحديث عنها بإسهاب وزيارة، ونتشدق بما لا نعلم، ويكون حديثنا وكأننا القابضون على الجمر، والعارفون بجغرافيا الكون والوجود ،وما بعد الميتافيزيقا، ثم نصدق أنفسنا.
كل الدول العربية أوفدت وزرائها الذين يجيدون التوقيع على أشياء يجهلون فحواها، وهم بعيدون كل البعد عن فهم ما يجري ويدور في فلك العالم، كما انهم يجهلون حاجيات شعوبهم ، ويتفاخرون انهم ناموا بالفندق الفلاني وأكلوا في المطعم العلاني ، كم هو محزن الانتماء لمثل هؤلاء الذين يبكون مع الراعي ويضحكون مع الذئب.
بفرنسا الامم المتحدة ناقشت لغاية في نفس يعقوب وسام، مشكلات المناخ ” المناخ : – الجغرافيا- علم دراسة ووصف الظواهر الجوية الخاصة بمناطق الارض المختلفة، وبحث التفاعلات فيما بينها، هذا ما نقشه المؤتمرون الذي حجوا لباريس ومعهم كل الملفات التي يجب فرضها على للدول العربية والنامية، ومن بينها الإعلان عن نهاية الوقود الأحفوري، لتنفث الأزمة سمها في ركب الدول العربية المنتجة للنفط، وتعود لحالتها الطبيعية كما كانت عليه قبل اكتشاف الذهب الأسود، وعليه وجب علينا اعادة التظر في كلمة المناخ ، والذي يعني: مَناخ / مُناخ المُنَاخُ : مَبْرَك الإبل، وبدل مناقشة المناخ بمفهومه الجغرافي ، بات علينها ان نعقد مؤتمرا استثنائيا لدراسة مبرك الإبل، ونفس الغاية ستفتح مسالك علمية في كل الجامعات العربية لتعليم مبرك الجمل، وستقام في كل سنة مهرجانات في مختلف الجهات لتدارس ومناقشة وضع المناخ المتاح.
لقد تغيَّر المُناخ في العالم ولم تعُد البحار تُطيقُ أسِرَّة شواطئها مضجعاً، إنما تتوق لمَدِّّ أيادي طوفاناتها الرهيبة التي تغمر العمران والإنسان؛ وصارت للرياح وهي تُعبِّر بهبوبها عن كل ما كَظَمْناهُ حَنَقاً من زفير، أسماءٌ عالمية في معجم العواصف؛ فمن “كاترينا “و “أندرو “و” هايان” الى تسونامي وهُلَمَّ إعصارا؛لكأنَّ سُمّاً روَّع الأرض في بطنها،
فما فتئت تُعبِّر كلما تقلَّب المناخ عن موتها الوئيد المُنذر بغثيان سيقتلنا يوماً جميعاً، ولن تُفيد البشرية ساعتها ونحن على شفا القيامة، كل المؤتمرات بقممها الشاهقة عاصماً..!
ليس ترَفاً أن نُفكِّر في مُناخنا ” الجغرافيا” ونرفع الأعين بين الدمعة والأخرى إلى السماء هل ما زالت في مكانها، أم انحدرت سقفاً يكاد يهوي على رؤوسنا بعد أن أثقلته قاذوراتنا التي لا يمكن أن نعيش دون أن نفرز مادتها الحيوية وليتنا نملك الخبرة لإعادة تصنيعها؛ و قد نُفكِّر في المناخ ونحن نوقد سيجاراً كوبياً نكاية ليس فقط في أمريكا التي تُحبُّنا بنفس شراهة حبها للهمبورغر، بل في كل البلدان الغربية التي ذهبت بترسانة آلتها الصناعية، سكيناً استعمارياً بعيداً في جسد الدول الفقيرة والطرية بالثروات الطبيعية، لتُفحِّم سماءَنا بكل الانبعاثات الغازية الصادرة من مصانع متعددة الجنسيات وشركات عابرة للقارات، وجدت في البلدان المغلوبة على بؤسها، كل التسهيلات غير المُقيَّدة بقوانين بيئية، أما نحن فلا نستطيع مضاهاتها على مستوى التصنيع الذي يُسمِّمُنا إلا بانبعاثات غازية نرسلها من أسفلنا كلما اشتد بنا المرض؛ ألسنا نشرب فضَلات هذا الوحش الرأسمالي الذي يُدخّننا دون مِصفّاة في مائنا، ونتنفَّسُها في هوائنا، ونأكلها في سمكنا الذي فَقَد طَعمه حين ارتدى البحر بكل المُلوثات الصناعية ثوب الحداد..؟!
الأحرى بقِمّة المناخ أن تعود أدراجها إلى أحد بلداننا العربية الموبوءة من أجل حمْلة تحْسِيسية تُثير من فرط نجاحها الإعلامي الحكَّة في الجلد، بَدَل أن تُقام في باريس النظيفة جِداً حتى في الوبَر الذي ترتديه قططُها وكلابُها الأشبه ببزات أنيقة لا تنقُصها إلا الفراشات عند العنق كي تطير اختيالا في شوارع أنظف؛ أجل الأجدر بقمة المناخ أن تختار لمؤتمرها العالمي، مكانا يشبه الهاوية، عوض باريس التي تُعيد تصنيع كل فضلاتها في بلداننا الفقيرة لتبقى بيئتها نقية بدرجة لا تخالف قانون الطبيعة الأحوج بدوره لشرطي مرور يقيس درجة الكحول في الدم..!
كان الأجدر بالقمة أن تنزل إلى الهاوية في شوارعنا المخنوقة القواديس والضيّقة والمُحَفَّرة بأوراش إصلاح مزعومة على مدار السنة كذريعة لاستخراج ميزانية تسْتنزفُ المواطنين من المهد حتى القبر؛ وهنا لا يمكن للمناخ إلا أن يغير رأيه في أن يبقى مناخاً إزاء هذا التلوث السّمعي بهدير آلات الحفر التي تصُمُّنا فنفقد في الضجيج لذة الإنصات لأصوات عظامنا، و يصبح الغبارُ هواءَنا الذي تحْتبس له الأنْفاس في الرئات قبل أن يصير أحد أسباب الإحتباس الحراري الذي لا يمكنه إلا ينفجر يوماً بكل الأمراض من أحدنا، فيُتَّهَمُ أنه السببُ في انقراض النوع البشري؛ لقد صرنا بنفسياتنا المُتكدرة حزانى حتى في فرحنا دون أن نعرف سبباً، نعاني صُداعاً نِصفياً أو كُلياً في الرأس، وكاد بعض الناس يتخذون من دوليبران وأسبرين ومشتقاتها التي لا تداوي في الجُمجمة شرخاً، أسماءً لأبنائهم وبناتهم حديثي الولادة تيمُّناً بالمناخ العالمي الجديد..!
يبدو أن كل القِمم تنطوي في قناعها على أبعاد سياسية تصْطرع من أجل المصالح الشخصية الضيقة فقط، ولا يُهمها الإنسان، لتكون أقرب في مناقشاتها للتغيُّرات المناخية من المناخ الذي خلف الغيوم في كوكب آخر، وليس الذي تعيش طقوسَه البشريةُ التَّعيسة على أديم أو عديم الأرض، مما يزيد في تعميق الهُوَّة سحيقاً بين دول الغرب والجنوب بالمسافة المتوترة القمينة بفتح جبهات أوسع لترويج آخر صيحات الأسلحة التي ستُعجل بفنائنا، لنوقن أن كل البكائيات التي يُجهشون بأكاذيبها بعد كل عملية إرهابية أمام الكاميرا، مُجرد سياسة أو صناعة هوليودية يستطيع حتى البصل أن يذرفها من الأعين دون أن تستحق في الغفران منديلا..!
لا عجب إذاً أن نعيش كل الفصول في يوم واحدٍ دون أن ننعم في هذا الشتاء الخريفي الذي يشوبه الصيف بربيع جميل.
سعيد العفاسي كاتب مغربي مقيم بكفر قرع
صورة توضيحية