حسن ومرقص
تاريخ النشر: 28/07/13 | 3:33لم تكن تلك المرّة الأولى التي أشاهد فيها فيلم "حسن ومرقص" للنجمين المخضرمين عادل إمام وعمر الشريف، لكنّها كانت مؤثّرة لما أثارته فيّ من إدراكِ لما وصلنا إليه من استغلال للدّين، ولما نقوم به من أعمال خسيسة ومؤامرات دنيئة، شخصيّة، اجتماعيّة وحتّى قوميّة تحت عنوان الدين.
لقد أعادني المشهد الأخير في الفيلم حيث تمشي العائلتان: عائلة حسن المسيحيّة وعائلة مرقص المسلمة، يدًا بيد، وسط مئات من الشبّان والرجال المسلمين والمسيحيين الذين يتقاتلون بوحشيّة وهمجيّة بعد أن تلقّوا التشجيع على قتال الآخر في المسجد وفي الكنيسة، تمشي العائلتان متّحدتين ويتمّ ضرب أفراد العائلتين وتعذيبهم، لقد أعادني هذا المشهد إلى ما لاقاه المسلمين من ضرب وإهانة وتعذيب حين أعلنوا إسلامهم وطافوا مكّة بين ضربٍ وشتمٍ من الجاهليين، أوليس العراك الديني بين أفراد المجتمع الواحد كما في الفيلم هو الجاهليّة بعينها؟
أوليس التحريض في المساجد والكنائس على الآخر هو الكفر بعينه؟
لقد ذكّرني ذلك بقول الشاعر فؤاد جرداق:
فكيف يبرأ هذا الشرق من سقمٍ ومُدية الدين تفري في حشاشته
الشيخ حوّل للتفريق جامعه والقس يبذر حقدًا في كنيسته
لماذا لا تكون دور العبادة صوتًا يدعو للمحبّة والتعايش الإنسانيّ؟ أليس الإنسان هو الأساس؟ لقد نزلت الآيات الأولى على الرسول الكريم تدعو إلى الإنسانيّة، فقال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم * اقرأ باسم ربّك الذي خلق * خلق الإنسان من علق* صدق الله العظيم، لم يقتصر الله في حديثه في الآية الثانية على فئة أو مجموعة، بل على الإنسان، والسؤال الذي يُطرح هنا: أين نحن من القراءة ومن الإنسانيّة التي دعانا إليها الله؟أقول لهؤلاء الذين يفرّقون الناس تحت لواء الدين بدل توحيدهم ما قاله الشاعر إلياس فرحات:
دع آل عيسى يسجدون لربّهم عيسى وآل محمّدٍ لمحمّدِ
أنا لا أصدّق أنّ لصّا مؤمنًا أدنى لربّكَ من شريفٍ ملحدِ
إنّ جوهر الإنسان هو الأساس وليس مظهره أو ما يدّعيه، وهنا أخصّ من يدّعون التديّن فيربّون اللحى، ويحفظون من الأقوال الدينيّة ما يخدم مصالحهم وأهدافهم، متناسين للهدف الأسمى وهو الإنسانيّة والإنسان، واستذكر هنا قول الشاعر ابن خفاجة حينما هجا علماء السوء:
درسوا العلوم ليملكوا بجدالهم فيها صدور مراتب ومجالس
وتزهّدوا حتّى أصابوا فرصةً في أخذ مال مجالس وكنائس
إنّ الإنسان هو الأساس وهو العماد لأيّ مجتمع كان، والديانات كلّها جاءت لتصلح الإنسان وتسمو به إلى الرقي والحضارة وليجسّد الإنسانيّة الحقيقيّة ، فلندع إذاً التفرقة بين الناس على أساسٍ دينيّ ما بين أبناء الدين الواحد وما بين الأديان المختلفة.