ستر المعصية
تاريخ النشر: 31/12/15 | 6:10قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا . إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( اجْتَنِبُوا هذهِ القَاذُوراتِ التي نَهَى الله عز وجل عَنْهَا ، فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيءٍ منها : فَلْيَسْتتِر بِسِتْرِ الله عز وجل وليتب إلى الله ؛ فإنَّه مَن يُبْدِ لنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله) .
والقاذورة : هي الفعل القبيح والقول السيئ مما نهى الله عنه .
قال ابن عبد البرّ :
في هذا الحديث دليل على أنّ السّتر واجب على المسلم في خاصّة نفسه إذا أتى فاحشةً وواجب ذلك أيضاً في غيره .
وعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ :ُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ )
رواه البخاري ومسلم
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
المؤمن العاصي فإنه إذا ابتلي بالمعصية فإن الأفضل ألا يجاهر بها وألا يخبر بها أحداً ، وأن يستتر بستر الله ويتوب إلى الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين ) ، المجاهرون هم الذين يعملون السيئات ثم يصبحون يتحدثون للناس بما صنعوا ، فمن أصاب شيئاً من هذه القاذورات : فليستتر بستر الله ، وليتب إلى الله عز وجل ، ولا يخبر بها أحداً .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله
ويؤخذ من قضيته – أي : ماعز عندما أقرَّ بالزنى – أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ
وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال : أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب
وقد اتّفق الفقهاء على أنّ المرء إذا وقع منه ما يعاب عليه يندب له السّتر على نفسه ، فلا يُعْلِم أحداً ، حتّى القاضي ، بفاحشته لإقامة الحدّ أو التّعزير عليه ؛ لما رواه البخاريّ وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : ( كلّ أمّتي معافًى إلاّ المجاهرين … ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر اللّه
وقال أبو بكرٍ الصّدّيق : ” لو أخذت شارباً لأحببت أن يستره اللّه ، ولو أخذت سارقاً لأحببت أن يستره اللّه ” ، وأنّ الصّحابة أبا بكرٍ وعمر وعليّاً وعمّار بن ياسرٍ وأبا هريرة وأبا الدّرداء والحسن بن عليٍّ وغيرهم قد أثر عنهم السّتر على معترفٍ بالمعصية ، أو تلقينه الرّجوع من إقراره بها ، ستراً عليه ، وستر معترف المعصية على نفسه أولى من ستر غيره عليه . والجهر بالمعصية عن جهلٍ ، ليس كالجهر بالمعصية تبجّحاً ، قال ابن حجرٍ : فإنّ من قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربّه
وقد ذكر العلماء فوائد يترتّب على الاستتار بالمعصية :
أ. عدم إقامة العقوبة الدّنيويّة ؛ لأنّ العقوبات لا تجب إلاّ بعد إثباتها ، فإذا استتر بها ولم يعلنها ولم يقرّ بها ولم ينله أيّ طريقٍ من طرق الإثبات ، فلا عقوبة
ب. عدم شيوع الفاحشة ، قال اللّه تعالى : ( إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدّنيا والآخرة واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون ).
ج. من ارتكب معصيةً فاستتر بها فهو أقرب إلى أن يتوب منها ، فإن تاب سقطت عنه المؤاخذة ، فإن كانت المعصية تتعلّق بحقّ اللّه تعالى فإنّ التّوبة تسقط المؤاخذة ؛ لأنّ اللّه أكرم الأكرمين ، ورحمته سبقت غضبه ، فلذلك إذا ستره في الدّنيا لم يفضحه في الآخرة ، وإن كانت تتعلّق بحقٍّ من حقوق العباد ، كقتلٍ وقذفٍ ونحو ذلك ، فإنّ من شروط التّوبة فيها أداء هذه الحقوق لأصحابها ، أو عفو أصحابها عنها ، ولذلك وجب على من استتر بالمعصية المتعلّقة بحقّ آدميٍّ أن يؤدّي هذا الحقّ لصاحبه.