ليلة إبن المعتز
تاريخ النشر: 08/01/16 | 9:53زارني أحد الطلاب الذين يعدون لتقديم أطروحة الدكتوراة في الأدب العربي، وكان أن توقف على قصيدتي “ليلة ابن المعتز” لسبر الأبعاد التراثية الأدبية والتاريخية في النص، وذلك ضمن موضوع اهتمامه.
أقدمها لكم اليوم لأن الاتصال هنا أيسر، ولأني أومن أن نصي يظل فعالاً ولا أتنكر له، ولأن الدكتور المرتقب أحب أن يقرأ تعليقاتكم على النص حتى لو كانت يسيرة.
…
أود هنا أن أذكّر أن الخليفة ابن المعتز كان شاعرًا، وقد حكم ليلة واحدة فقط، وعندما قتل وضعوه في كيس ليلقوا به. وقد رأيت عبر مأساته مأساتنا الفلسطينية بوجهة نظر سوغتها لنفسي آنذاك، فإلى القصيدة وما عاناه شاعرها.
لَيْلَةُ ابْنِ المُعْتَزّ
عَبْرَ الدُّموعِ غَدَتْ أغانينا شُموعًا مُحْرَقَهْ
دَرَّتْ كُرومًا مُغْدِقَهْ
نَحْمي بها كَلِماتِنا
أَوْ نَزْرَعُ الأَشْواقَ أَلْحانًا بِأَعْلى صَدْرِها
حَتَّى إذا نَشَرَتْ ذَوائِبَ شَعْرِها
في لَيْلَةٍ وَأَرَتْنيَ القَمَرَيْنِ
طَلَّتْ جَماجِمُ مُطْرِقَهْ
( والكَأسُ مِصْباحُ السَّماءْ
والبَدْرُ ” لا شَيْءٌ ” يُضاءْ
مُلْقًى عَلى ديباجَةٍ زَرْقاءِ
في لَيْلَةٍ كانَتْ رِياضُ الْحُبِّ فيها مؤْنَقَهْ
والنَّجْمُ يَخْتَلِسُ الرَّقيبْ
ـ إنْ شِئْتَ ـ تَحْتَضِنُ الْحَبيبْ
ويُطيعُ طَرْفي صَوْتَ دَمْعي
مِنْ حُبِّ نورٍ مِثْلِ ماءْ )
المُغَنِّي ـ
نِمْنا عَلَى جَفْنٍ كَليلْ
نِمْنا عَلى حَظٍّ قليلْ
جَبَلٌ رَآهُ النَّجْمُ أَضْأَلْ
يَحْتَلُّهُ مَنْ لا نُجيرُ
تَأتي هُنا بِنْتُ الْهَزيِمَهْ
حَتَّى نُحاكِمَ عُهْرَها
عَبْرَ الدُّموعِ تَذَلَّلَتْ وَتأَوَّدَتْ
شُطْآنُ
ما كُنْتُ أُدْرِكُ سِرَّها
دارَتْ عَلى أَعْقابِها الرَّهْبَهْ
والمَوْجُ أَغْلى مَهْرَها
طُرُقاتُها رَطْبَهْ.
مَرَّتْ دَقائِقُ غَيْرُها
حامَتْ بِها غُرْبَهْ
فَوُجوهُهُمْ غارَتْ
وشِفاهُهُمْ دارَتْ
وَذَوَتْ عُيونٌ نائمَهْ
وَجباهُهُمْ نَضَحَتْ عُبوسًا شائِهًا
وَزُنُودُهُمْ ( غَلَّتْ ) وُعودًا قاتِمَهْ
ظَلَّتْ تَحومُ كَعَنْكَبوتٍ تائِهَهْ
تَبْني بُيوتًا وَاهِيَهْ
( وَيَلُوحُ في ظَهْرِ اليَدِ
وَشْمٌ نَدِي )
حَتّى الشَّرايينُ الَّتِي غَذَّيْتُها
نارٌ على وَجْهِ الضَّبابْ
مَصْلُوَبةٌ بَيْنَ الدُّخانْ
مَصْلِيَّةُ العَوْرَهْ
وَتَهَرَّأ الإنسانُ
وَتَهَرّأَتْ في ذِكْرِها الأَحْسابُ
المُغَنِّي : ـ
الدَّمْعُ دَمْعُكِ يا عُيونْ
قَانٍ عَلى ذِكْرى الشُّجونْ
إنِّي أَخافُ من المَنونْ
مِنْ قَبْلِ نَصْرٍ لا يَكون
يَتَردَّدُ الاِعْصارُ في تَهْليلَةِ الأَوْطانِ
يَسْتَنْشِقُ الأحْزانَ مِنْ بَوَّابَةِ الإيِمانِ
اَلْجوعُ يَعْرِفُ كَيْفَ يُطْعِمُنا الْحَصَى
حَتَّى نَخافْ
عِنْدَ الْمَخاضِ بِرَعْشَةِ الأطْرافِ
مِن ( هاشِمٍ ) بَعْضَ الثَّريدْ
حَتَّى إلى ( عشتارَ ) ضِيمَ بِيوْمِ عِيدْ
يَتَسَلَّقُ الصَّمْتَ الْمُجَنَّحَ لاهِثًا
أَو لاهِبًا
في لَيْلَةٍ سُبيَتْ وَآلَتْ لا تَعودْ
حَمَلَتْ بِها قَمَرًا مُتَيَّمْ
يَتَقَوَّلُ الأشْعارَ إذ رامَ السِّيادَهْ
قالوا لهُ: أَنْتَ الأَميرْ
لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ أَميرْ
ـ ( اُنْظُرْ إلَيْهِ كَزَوْرَقٍ مِنْ فِضَّةٍ
قَدْ أثْقَلَتْهُ حَمولَةٌ مِنْ عَنْبَرِ )
وأَتَتْهُ أَشْعارٌ تُبايعُ للخِلافَهْ
وَأَتَتْهُ أَحْلامُ الْمَخافَهْ
ـ صَدَقَتْ ظُنونُكَ هاجِسٌ لا يَفْتري
ـ سَرْعانَ ما أَصْبَحْتَ شَيْطانًا مَريدْ
لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ حَقيرْ
وَأَتَوْكَ في بَاْسٍ شَديدْ !!
ـ هذا أنا في الكيس مَشْدودٌ ضَريرْ
ـ لكِنَّ شِعْرًا مِنْكَ يُدْفئُ خافِقي
تَبْني لدُنيايَ الَّتِي كانَتْ غَبِيَّهْ
دُنيا أَبِيَّهْ
ـ أَرْجو لآِخِرَتِي الَّتي تَبْدو غَبِيَّهْ
دُنيا تُحَرِّرُها بِقُدْرَةِ خالِقِ
تَبًّا وَوَيْلْ!
الْمُغَنِّي : ـ
ضاعَتْ خِلافَتُكُمْ سُدى
والشِّعْرُ أَدْرَكَهُ الوَهَنْ
هَلْ حَقَّقوا فيهِ الْمُنَى ؟
سِيروا عَلى هَدْيِ السَّنَنْ
يَرْثي نَفْسَه :
أَقْسَمْتُ أَرْثي بَعْدَ نَفْسِي هالِكًا
عُودُ الشَّجا في الحَلْقِ لا يَتَزَعْزَعُ
رَأسي تَدَلَّى، مَزَّقَ الْوَغْدُ الكَبِدْ
قُومي اغْزِلِي أُمَّاهُ أَوْراقي نَسيجًا كالْجَناحْ
عودُ الشَّجا في الحَلْقِ غَصْبًا يُنْزَعُ
حُبِّي تَجَلَّى للبَلَدْ
حُبِّي تَجَلَّى عِنْدَما لاكَ الكَبِدْ
فَأَنا كَعُصْفورٍ غَرِدْ
أَشْدو وَأشْجي كُلَّ مَنْ يَتَمَتَّعُ
لَعِقَتْ عَيوني قاعَ ظَلْماءٍ جَديَبهْ
وَبَدَتْ سُوَيْعاتِي رَتيبَهْ
وَأنا كَعُصْفورٍ غَرِدْ
المُغَنِّي : ـ
جِئْنا عَلى حُلْمٍ كَبيرْ
واحْتَدَّ صَوْتٌ مِنْ جَهيرْ
جَبَلٌ رَآهُ النَّجْمُ أَطْوَلْ
يَبْقى لَنا مَهْدًا وَثيرْ
نَهْدًا دَريرْ
حُبًّا كبيرْ.
بقلم: ب. فاروق مواسي