أحَشَفًا وسوءَ كِيلَة؟
تاريخ النشر: 09/01/16 | 8:42“زفَّتْ” بعضُ وسائل الإعلام نبأَ الإعلان عن مصادقة المجلس القطري للتنظيم على مشروعِ إقامةِ “قريةٍ درزيّة” أو تجمّعٍ سكّانيّ درزيّ في منطقة حِطّين. وكما هي العادة، كان نائبُ الوزير عضو الكنيست أيوب قرا (ليكود) سبّاقًا في التّهليل لهذا “الإنجاز التّاريخي”، فيما نشرت وسائل الإعلام أن السّيّد جبر حمّود، رئيس مجلس ساجور المحلّي ورئيس منتدى السّلطات المحلّيّة الدّرزيّة والشّركسيّة (وهو منتدىً منقسمٌ على نفسِه)، أيّد مشروع القرار. ولا علمَ لدينا إن كان جبر حمّود اتّخذَ موقفَه باسم المنتدى (أو الجزء الذي يمثّله في المنتدى) أو باسمه رئيسًا لمجلس ساجور المحلّي، وما هو موقف الرّؤساء أعضاء المنتدى الذي يرأسُه السيّد جبر حمّود.
ليست مواقف نائب الوزير أيوب قرا جديدة علينا. فهو من أنصار المستوطنين في المناطق المحتلّة منذ العام 1967، ويجاهرُ بمواقفه اليمينيّة المتطرّفة، وهو يحظى بدعمِ هذه الأوساط في داخل حزبه ويتقنُ صلواتِهم، ويستغلُّ كلّ ذلك من على كلّ المنابر للإساءة لسمعة الطّائفة المعروفيّة، بدون أن يكونَ مُمثّلًا لهذه الطّائفة.
وليست جديدة علينا مواقفُ رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، الذي يوزّع آيات العشق والغرام في كلِّ مناسبة، بدلًا من الدّعم الحقيقي، وها هو الآن يقدّمُ لنا السُّمَّ في الدّسَم.
لا شكَّ في أنَّ أزمة السّكن للأزواج الشّابّة في القرى الدّرزيّة، مثلها في ذلك مثل القرى والمدن العربيّة، تستدعي العمل على توسيع مسطّحات القرى والمدن وتسريع المصادقة على الخرائط الهيكليّة وعلى المخطّطات التفصيليّة. لكن، بدلًا من ذلك، يتفاخرُ نائبُ الوزير أيوب قرا ورئيس الحكومة بإقامة مستوطنةٍ على أراضي قرية حطّين المُهجّرة، في سهل حطّين الذي يعيد للأذهان سيرةَ صلاح الدّين الأيّوبي والحملاتِ الاستعماريّة الصّليبيّة.
…
رئيسُ الحكومة، السيّد نتانياهو، يُتقنُ التّضليل. فحسب أقوالِه، إقامة قريةٍ درزيّة جديدة أو (تجمّع سكّاني) يأتي نتيجةَ انعدام إمكانات توسيع مسطّحات القرى الدرزيّة بسببِ وجودِها على مقربةٍ من محميّاتٍ طبيعيّة. وهذه ديماغوغيا رخيصة؛ فالذي حوّل أراضي بيت جن والدّالية وعسفيا وحرفيش وأجزاء من أراضي المغار ويركا وجولس وغيرها من القرى الدّرزيّة إلى محميّاتٍ طبيعيّة هي السّلطة المركزيّة وأذرعُها، التي يقف نتانياهو على رأسِها.
والذي سلخَ مئات آلاف الدّونمات من مناطق نفوذ القرى الدّرزيّة، وحوّلها لمناطق نفوذ تابعة لمجالس إقليميّة، هو السّلطة المركزيّة نفسُها. وهذه المجالس الإقليميّة تتحكّم فينا وتحصل على ضرائب من جميع المؤسسات العامّة الواقعة في مناطق نفوذها.
والذي يقيمُ البؤرَ الاستيطانيّة، بما فيها “المناطر” (بالعبريّة מצפים)، في محيطات القرى الدّرزيّة بهدف خنقِها، وبدعمٍ حكوميٍّ هائل لكلِّ من يستوطن في هذه البؤر الاستيطانيّة، هو السّلطة نفسُها.
..
لقد تلقّينا بارتياح تصريح فضيلةُِ الشّيخ موفّق طريق، حين عبّرَ عن تحفّظه من مخطَّطِ إقامة القرية الاستيطانيّة المذكورة، وقالَ إنّه يُفضِّلُ أن يتمَّ توسيعُ مسطّحاتُ قرانا بدلًا من إقامةِ هذه القرية. لكنَّ التّحفُّظَ غيرُ كافٍ، ولا بدَّ من العمل وبحزمٍ على مستويَيْن:
الأوّل، محاربةُ هذا المُخطّط، لأنّهُ مُخطَّطٌ خطيرٌ ومن شأنِه أن يِظهرَ الدّروز وكأنّهم مستوطنون، على أراضي لاجئين. والمستوى الثّاني، النّضال من أجل توفير الأرض التي تفي بغايات توسيع مسطّحات القرى وتوفِّرُ القسائم للأزواج الشّابّة. وهنا ننتظر من فضيلة الشّيخ موفّق طريف ومن رؤساء وأعضاء المجالس المحلّية، إعلان موقفهم صراحةً وجهارًا: هل هم مع مُخطّط تحويل الدّروز إلى مستوطنين أم أنّهم ضدَّ هذا المُخطّط. ففي مثل هذه الحالات، لا بدَّ من اتّخاذ مواقف واضحة وحازمة.
بقي أن نوضح أنَّه لو افترضنا، كما يُلمح نتانياهو، أنّه لا يمكنُ توسيعُ مسطّحات قرانا (بسبب سلخِ الأراضي التي كانت في إطار مناطق نفوذها، ومحاصرتِها بالمناطر والمحميّات الطبيعيّة)، فلماذا لا تقامُ قريةٌ في الأراضي الي سُلِبت من قرانا؟ ولماذا تُقام المستوطنات والمناطر في هذه الأراضي بالذّات، بدعمٍ حكوميٍّ، ويحرمُ منها أهلُ قرانا؟
بكلماتٍ أخرى، إقامةُ قرية جديدة قد تكون حلًّا او أحد الحلول، ولكن يتعلّق في أيّ مكان تُقام.
إنّ ما يتباهى به نائبُ الوزير، ليس مدعاةً للتّباهي والمفاخرة، لأنّنا أمام مُخطَّطٍ خطير ومسيءٍ إلى أقصى الحدود للطائفة المعروفيّة، التي اشتُهرَت بعملِ المعروفِ والنّهي عن المُنكر. وقد آن الأوان أن يتوقّف البعضُ عن الحديث باسمنا وبدون أي تفويض منّا. حتى وإن كانت هنالك نوايا حسنة من هذا البعض أو بعض هذا البعض، فهنا تنطبق الحكمةُ العبريّة بأنّ الطريق إلى جهنّم مرصوفةٌ بالنّوايا الحسنة.
لكنّنا لا نؤمن بالنّوايا الحسنة، في هذه الحالة، خصوصًا بسبب الموقع الذي تمّ اختيارُه.
لذلك، لأمثال هؤلاء يُقالُ: أحشَفًا وسوءَ كيلة؟
وباللّغة العصريّة: أتبيعوننا بضاعةً سيِّئةً وتغشّون أيضًا في الميزان؟
بقلم: فريد قاسم غانم