جدار بينهم وبين الآخر
تاريخ النشر: 10/01/16 | 9:28نفدت في الأسبوع الأخير من العام الماضي 2015 جميع النّسخ من رواية “جدار حيّ” أو “سياج حيّ” للرّوائيّة الإسرائيليّة دوريت ربينيان من حوانيت بيع الكتب في إسرائيل اثر الضّجّة الإعلاميّة التي أثارها قرار وزارة التّربية والتّعليم في حكومة إسرائيل بمنع شملها في منهاج التّدريس الرّسميّ. وصرّح صاحب إحدى أكبر شبكات حوانيت بيع الكتب بأنّ المخزون من الرّواية نفد، وقد طلب من دار النّشر التّي أصدرت الرّواية أن تزوّده حالا بعشرة آلاف نسخة منها، ولا غرابة في ذلك لأنّ كل ممنوع مرغوب!
وجدار حيّ “هي قصّة حبّ بين مترجمة يهوديّة إسرائيليّة اسمها ليئات وبين رسّام فلسطينيّ اسمه حلمي يلتقيان في مدينة نيويورك ثمّ ما يلبثان أن ينفردا وتعود ليئات، بالحفظ والسّلامة، إلى مدينة تل أبيب ويعود حلمي إلى مدينة رام الله. ومن المعروف أنّ قصّة حبّ بين فتاة يهوديّة وبين شابّ عربيّ فلسطينيّ موضوع مطروق في الأدب العبريّ(والعربيّ أيضا) سواء في الرّواية أو القصّة القصيرة أو الأعمال المسرحيّة أو الّسينمائيّة، وهي قصّة عاديّة في الحياة أفرزها الاختلاط بين العرب واليهود في الجامعات وفي أماكن العمل وفي ميادين أخرى، وهناك المئات من الزّيجات المختلطة، منها النّاجحة ومنها الفاشلة” إلا أنّ تفاقم ” قوّة اليمين الإسرائيليّ المتطرّف وإنتشار العنصريّة في المجتمع الإسرائيليّ أفرز جمعيّات يهوديّة عنصريّة تعمل علانيّة على منع هذه العلاقات الإنسانيّة ومنع الزّواج المختلط وتسعى جاهدة إلى “انقاذ” الفتيات اليهوديّات من هذا “الخطر” وإعادتهنّ إلى “بيت الطّاعة” اليهوديّ. وهناك جمعيّات في البلاد تصرخُ صباح مساء “العرب يسرقون بناتنا” و” بنات إسرائيل لرجال إسرائيل”.
يدّعي مسؤولو وزارة التّربية والتّعليم أنّ منع الرّواية “جاء للمحافظة على هويّة وتراث كل وسط من أوساط المجتمع الإسرائيليّ”، وأنّ الرّاوية “تشجّع ذوبان أو انصهار اليهود في شعوب أخرى” وتعترف الوزارة بأنّ “الرّواية تقرّب القلوب من بعضها البعض ولكنها تهدّد الهويّة المنفصلة… وأنّ الحبّ والزّواج المختلط يهدّدان هويّة اليهود”. وأثار قرار الوزارة غضبا ومعارضة بين عدد من الأدباء العبريّين وبين مجموعات من المدّرسين وعند عدد من الصّحافيّين وبخاصّة صحيفة “هارتس” فالقرار كما قالوا وكتبوا يعني “أنّ الحب ممنوع” وأنّ إقامة علاقات جنسيّة بين عربيّ وبين يهوديّة ممنوعة “ويعني” الرّعب من الزّواج المختلط”. وقد ردّ وزير التّربية والتّعليم المتديّن اليمينيّ المتطرّف بأن “مثل هذه العلاقات تتناقض مع قيّم الدّولة”، وزعم بأنّ الرّواية تُظهر الجنود الإسرائيليين مجرمي حرب وساديّين ويشبهون “مخّربي حماس” بينما أكّدت الكاتبة بأنّ الوزير كاذب ولم يقرأ روايتها.
وأعتبر الكاتب التّقدّميّ سامي ميخائيل قرار الوزارة “يومًا أسود للأدب العبريّ” وأمّا زميله الكاتب مئير شليف فاقترح (ساخرا) على الوزير أن يشطب فصولا من التّوراة حول داود وسليمان اللذين تزوّجا نساء غير يهوديّات، وأمّا صحيفة “هارتس” فقالت: إن قرار الوزارة يعود إلى أنّ الرّواية تصوّر العربيّ وعائلته من وجهة نظر إنسانيّة وتدعو إلى التّعامل معه كانسان ذي قيّم إنسانيّة”.
حاول يوسي سريد، وزير التّربية والتّعليم اللبراليّ قبل سنوات إدخال قصيدة للشّاعر محمود درويش في المنهاج العبريّ فتصدّت له قوى واسعة في المجتمع الإسرائيليّ وأمّا اليوم بعد أن صار اليهود المتديّنون، الذين يكرهون العرب ويحقدون على الفلسطينيّين، يسيطرون على الكنيست وعلى الحكومة وعلى أجهزة الأمن فمن الطّبيعيّ أن يمنعوا رواية تعترف بإنسانيّة الآخر لأنّهم يبنون جدارا فولاذيّا بينهم وبين الآخر، ولا غرابة إذا منعوا عمّا قريب مسرحيّات لشكسبير وروايات لتولستوي وفرضوا تدريس” سفر يشوع” فقط لا غير من التّوراة.
بقلم: محمد علي طه