المثل الشعبي الفلسطيني

تاريخ النشر: 06/08/13 | 0:12

في زيارتي يوم الجمعة الماضي لرام الله التقيت الصديق الكاتب محمد كمال جبر، وقد أهداني كتابه الموسوم "المثل الشعبي الفلسطيني"- الصادر عن جامعة النجاح سنة 2012، وهو ضمن عمل موسوعي شامل بإشراف الصديق أ. د يحيى جبر.

تصفحت الكتاب خلال هذين اليومين، وكان لي انطباع إيجابي جدًا في إخراج الكتاب، فالأمثال مرتبة همزبائيًا، وثمة كشاف بالأسماء عمد إليه الجامع في نهاية الكتاب، فإذا بحثت عن (الجار) مثلاً تجد أرقام الأمثال التي تتناوله، وبهذا ييسر عليك ويرفد معلوماتك.

غير أني وجدت في شرح الأمثال كثيرًا مما لا أوافق صديقي عليه، وكم كنت أرجو لو عاد إلى كتاب حسين علي لوباني " معجم الأمثال الفلسطينية" ليوازن ويقارن، وحبذا أن يستعين أيضًا بمن لهم باع معرفي في هذا الباب، وهم كثرُ.

آمل أن يكون للبحث صلة مستقبلاً حتى أنصف الكاتب والقارئ والمثل.

ويبقى أن أبارك لصديقي الدمث، وأن أحييه على جهده الجبار حتى لو تحفظت من هذا الشرح أو ذاك.

* * *

والشيء بالشيء يذكر:

في أوراقي غير المطبوعة كتاب "معجم الأمثال الشعبية الفلسطينية"، وقد أعددته في الثمانينيات، ولم يتسنَّ لي نشره لأكثر من سبب، فإن تحمس ناشر له فسأعكف عليه من جديد، ويقينًا أنني من كل كتاب صدر في هذا المجال سأفيد.

* * * *

لكني هنا سأتناول في ما يلي كتاب الأستاذين د. شكري عراف والأستاذ رزق الله عطا الله وهو بعنوان " "المثل الشعبي بين المتحفية والاستمرار"- الذي صدر سنة 1996.

اسمحوا لي أن أعيد نشر المادة وهي مثبتة في كتابي "تمرة وجمرة"، ط2، باقة الغربية- 2005، ص 27-31، وذلك من باب أن نذكّر بنتاجنا، وأن هذه الكتابة التي كتبت آنفًا لها من يبحث عنها اليوم، ويحفل بها.

ثم إن قراء المواقع اليوم أضعاف مضاعفة من قراء الصحف، فهم رصيد جديد وجاد، خاصة إذا قرأوا وتابعوا وعلقوا.

فإن صحبتموني أسر بكم:

…………………………………………………………………………………………

عن المثل الشعبي الفلسطيني

إن جهود د. شكري عراف في حفظ الآثار- سواء كانت مادية أم شفوية، موقعية أو تاريخية، أم مساهمة دراسية حول الأشجار والنباتات والقرية العربية الفلسطينية.. " لا ينتطح فيها عنزان " – كما كان يقال في الأمثال الجاهلية.

وقد صدر له مؤخرًا بالاشتراك مع الأستاذ رزق الله عطا الله كتاب مهم وجدير بالتقدير – هو " المثل الشعبي بين المتحفية والاستمرار "، مركز الدراسات القروية- معليا،1996 يفتتحه رزق الله بقصيدة له ورد فيها:

حكم على مر الزمان تثبتت

هي ثروة عن قول حق عبّرت

وتأكدت بشهادة العقّالِ

أجدادنا سموها بالأمثال

تلت القصيدة مقدمة وضعها الجامعان يقولان فيها:

" أما الجوانب الاجتماعية – وهي التي حفزتنا إلى هذه الدراسة فهمّها دراسة الأخلاق والعادات والقيم… خاصة وأن الأمثال تجربة الشعب بمختلف طبقاته، فهي وليدة إبداع الشعب بأسره من خلال الخبرة والفترة التاريخية التي اضطرت هذا الشعب إلى قول المثل" (ص 4) .

الكتاب مقسم إلى مواضيع، ولعل في هذا تجديدًا وإغناء لمن يبحث عن أمثال مركزة- عن الجار مثلا أو المصاهرة أو العداوة.

ومع كل هذا الإعجاب بجهد المؤلفَين فلي بعض الملاحظات عسى أن يتقبلاها قبولاً حسنًا:

إن تداخل الأبواب فيما بينها جعل التحديد في أمثال كل منها صعبًا، فمثلا يخصص الكتاب ِلباب "النصيحة" ثلاثة أمثال فقط (ص 1095) منها "اسلم بريشك" وهي نصيحة عامة، بينما نجد المثل " شاور اللي أكبر منك …" ( 612 ) في باب " التعقل" .

ومثل هذا التداخل نجده في الأبواب التي تتعلق بالعائلة، حيث نجد المثل "اصطلح الجوز والمرة ونسيو اللي جرى" تحت باب الصفات السلبية – الاسترضاء (347) . وأنا لا أدري حقـًا كيف أصنف المثل "اللي فات مات" أو تحت أي باب أجده: القناعة؟ التسامح؟ الموت؟ الاستهتار؟

ثم ما هو المبرر لانتقاء أبيات شعرية وأمثال جاهلية، بل آيات قرآنية معينة؟ فمن الأبيات أذكر:

فسامح ولا تستوف حقك كله

وأبق فلم يستوف قط كريم

( ص 466 )

وردت في الكتاب" يستقص"، وهذا البيت لأبي الفتح البستي، وكذلك البيت :

جمّل المنطق بالنحو فمن

يحرم الإعراب بالنطق اختبل

(559 )

وهو بيت لابن الوردي في لاميته، وقد وردت أبيات كثيرة من هذه اللامية في الكتاب، وكأنها جارية على السنة الناس، وقس على ذلك عشرات الأبيات؟!

ومن الأمثال القديمة: " أهدى من القطا " (1049)، " أبصر من عقاب" (1046) " كل فتاة بأبيها معجبة" (251)،" بالت بينهم الثعالب"(939).

ومن الآيات الكريمة: " المال والبنون زينة الحياة الدنيا .."، " سيماهم في وجوههم .. "، فإذا أدخلنا الآيات في الأمثال الشعبية بسبب استعمالها فثمة كثير من الآيات الأخرى تتردد على الألسنة نحو " إن الله مع الصابرين"، وغيرها كثير كثير ؛ فالآية آية، والمثل مثل، وعلينا أن نمايز بينهما.

* هناك أمثال ليست مشروحة إطلاقًـا ، نحو " ما بعد الصفاح إلا النكاح " (269).

" صديقك عقلك وعدوك جهلك "والشرح في الكتاب هو " المعنى واضح"

– يذكرني هذا بشرح بعض المعاني في المعاجم القديمة أن المعنى " معروف-.

* هناك أمثال شرحت بصورة غير دقيقة، نحو " خذها بيضة ولا مجنونة " (236) ، فالشرح "الميل هنا للبيضاوات (الصحيح لغة – البيض -) لقلة وجودهن في المجتمع العربي"، ولا أظن أن وجودهن أو عدمه هو السبب في رغبة/ تمثل المثل بالمرأة البيضاء.

أما القول "بلا قافية" (397) فهو ليس كما ورد في الشرح " يضرب في عدم الرغبة في الإساءة للآخرين"، بل هو للتنبيه على بعض العبارات التي قد تفسر تفسيرًا آخر، كأن يكون المعنى جنسيًا مثلا. أما المثل "صحيح لا تكسري وصحيح لا توكلي" (245) فقد ورد شرحه في الكتاب "يذهب هباء- إذ يجب أن تكون المرأة قادرة على تدبير أمورها بيدها" والصواب أن هذا المثل يخاطب الكنة التي لا يحتمل وجودها في العائلة، فيطلب منها أن تظل محرومة لأنها لا تستحق في رأيهم أن تأكل الخبز لا صحيحًا ولا مكسورًا، وتتمة المثل التي لم تُذكر هي مفارقة- " وكلي يا كنينتي تا تشبعي" .

أما المثل " الفاحش" فقد تحاشاه الجامعان في كتابهما الضخم (1105 صفحات)، فليس كل مثل يحظر إلى هذا الحد .

إنه- شئنا أم أبينا – سمة من سمات مجتمعنا، وقد عهدنا آباءنا يدونون ولا يتورعون، أقول: تسجيله ضروري، حتى ولو ضمن دوائر أكاديمية وفي مجال التوثيق والجمع الأمين.

كثيرًا ما يخلط الكتاب بين المثل والعبارة، فهل الدعاء "الله يرملك"- (300) أو الكناية- "سقط من عيني" (447) أو التشبيهات: "مثل البرق" (799)، " مثل عيون البقرة" (956) ، " غزال مصور" (987)،"فلان متيس" (1011) هي أمثال؟؟!

عود على بدء:

يبقى الكتاب- برغم ملاحظاتي المخلصة – إضافة هامة إلى مكتبتنا المحلية وتراثنا الفلسطيني، فما أعظم هذا الجهد في أجواء محاولات الطمس والتنكر، ولن نغمطه حتى لو كانت هناك بعض الهنات،فالكتاب الجيد هو الذي يُحاسب ويراقب ويعاتب؛

وتحية حب للمؤلِـفَـين رغم كل ذلك !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة