شاعر الحرية والمقاومة شيركو بيكه يلملم اوراقه ويرحل ..!

تاريخ النشر: 07/08/13 | 5:20

ودع الدنيا قبل أيام قليلة الشاعر الكوردي الكبير شيركو بيكه، الذي غيبه الموت في احد مستشفيات السويد اثر مرض عضال لم يمهله طويلاً.

يعتبر شيركو بيكه أحد القامات الشعرية في الادب الانساني المعاصر ، ومن رواد الشعر الكوردي، ومن آباء قصيدة الحداثة النثرية ، وأحد الأعلام المضيئة الساطعة في الأدب العراقي والثقافة الكوردية . وهو ينتمى الى شعراء الحرية والكفاح والمقاومة والثورة على القهر والظلم والطغيان والديكتاتوريات . بدأ حياته الشعرية رومانسياً شغوفاً بالطبيعة والجبال ، لكن سرعان ما تحول الى شاعر كفاحي مقاتل بعد انخراطه في صفوف المقاومة والحركة الشعبية الكوردية المناضلة لأجل الحرية والاستقلال والتحرر الوطني . وكان يرى في السياسة موقفاً من الوجود والحياة والإبداع .

شيركو بيكيه من مواليد كوردستان العراق عام 1940، تفتحت شاعريته وموهبته في النظم في جيل مبكر ، فنمى ملكته الشعرية بالقراءة والتسلح بالثقافة . قال الشعر وهتف به عالياً فأصغت جبال كوردستان لنشيده وردد الشعب قصيده . ملأ سنوات عمره بعطاء أدبي خصب ووهج شعري متألق ، وأضاء بشعره وفكره دروب عشاق الوجدان الصافي وشداة الإحساس الإنساني الصادق .

برع في كتابة قصيدة النثر ، وتنوع نتاجه الأدبي بين النصوص القصيرة والطويلة والقصة الشعرية والمسرحية الشعرية . صدرت له أول مجموعة شعرية عام 1948 ثم توالت اعماله الشعرية بالصدور حيث بلغ عددها أكثر من 18 عملاً شعرياً أخرها ديوان شعري حمل اسم (استعجل .. ها قد وصل الموت) وكأنه أحس بأن الموت يقترب ويدنو منه . وترجمت أشعاره الى لغات عديدة . وفي العام 1970اسس حركة (روكانة ) الشعرية ، ضمت عدداً واسعاً من الكتاب والمبدعين الكورد .

التحق شيركو بحركة المقاومة الكوردية وبسبب نشاطه السياسي عانى الملاحقات السلطوية ، وفي العام 1975 ابعد الى محافظة الأنبار غربي العراق وفرضت عليه الاقامة الجبرية لمدة 3 سنوات ، وفي اواخر السبعينات اعادته السلطات الى السليمانية . وفي منتصف 1984 انضم الى رجالات المقاومة الجديدة وعمل في إعلام المقاومة وإتحاد أدباء كوردستان في الجبل .

بعد ذلك قضى شيركو سنوات عديدة في المهجر بالسويد بعيداً عن وطنه ، لكنه عاد في العام 1991 بعد نشوب الانتفاضة الجماهيرية الكوردستانية ، ورشح نفسه على رأس قائمة الخضر كمستقل وأصبح عضواً في أول برلمان كوردي ، ومن خلال البرلمان أصبح أول وزير للثقافة في اقليم كوردستان ، لكنه قدم استقالته من منصبه بعد عام ونيف احتجاجاً على الخروقات الديمقراطية . ثم عاد للسويد وبقي فيها حتى وافته المنية .

ان الطابع المميز لأشعار شيركو هو التصاقها بالمكان وحركة الواقع السياسي واليومي وذاكرة الكورد الثقافية والسياسية والشعبية الجماعية ، واقترابها من نبض الشارع والذائقة الجمالية الشعبية ، وتعبيرها عن وجدان الناس وهمومهم وواقعهم المرير وآمالهم العريضة واحلامهم الخضراء وتطلعاتهم نحو المستقبل وأفق الحرية والانعتاق والعدالة ويوم الخلاص . انها أشعار تتسم بالطابع السياسي والوجداني والانساني ، ويطغى على كلماتها وتعابيرها مسحة الحزن والشجن والأسى وذلك انعكاساً للمأساة والتراجيديا الكوردية المستمرة والمتواصلة . وهي تتميز بالبساطة والوضوح والليونة، وتخلو من التكلف والصنعة اللفظية ، ويوظف فيها السياسة والتاريخ والحكايات والأساطير والملاحم البطولية . ويمكن القول ان قصيدة شيركو ترسم ملامح الوطن المعذب ، وتجسد الواقع الكوردي وما يتعرض له الأكراد في العراق من عسف وظلم واضطهاد وتمكيل وقتل وارهاب وموت جماعي .

ومن جميل شعر شيركو هذه الأبيات الرقيقة المميزة من قصيدة "حلبجة تذهب الى بغداد " ، التي تؤكد الوحدة العضوية بين الأرض والوطن والانسان ، التي كان يحلم بها، ولا بد أن تتحقق يوماً .. فيقول :

ستذهب حلبجة الى بغداد قريباً

عن طريق غزلان سهول( شيراونة )

حاملة معها سلة من الغيوم البيضاء

وخمسة الاف فراشة

تنهض دجلة بوجل …

تنهض بكامل هيبتها .. وتحتضنها

ثم تضع طاقية الجواهري على رأسها

بعدها..

تقترب يمامتان من النجف

يغمر حنجرتيهما الهديل

ليحطا على كتفيها .

شيركو بيكه شاعر كوردي انساني ، مرهف الحس، جميل الايقاع ، ناصع الأسلوب ، رقيق المعنى، يموج بالحياة ، حمل نفساً وحساً شعبياً حقيقياً ووجدان تجربة انسانية ونضالية صادقة ، كرس كل مواهبه للأدب المنحاز ثقافة للحرية وقضايا الإنسان ، الذي يوقظ في حس ومشاعر الناس كل احاسيس الكفاح والنضال والالتزام ، وتبدو في مجمل كتاباته القضية الكوردية معجونة بمداد قلمه السيال الذي غذاه وسقاه من دمه وروحه ، فكان هذا القلم كالبندقية وكريشة الرسم ، فكلها ادوات ووسائل للتعبير عن المعاناة والوجع والألم ، والواقع القهري المأساوي للشعب المضطهد والدفاع عن قضيته الكبرى . وقد جاء شعره في شكله ومضمونه تعبيراً حياً واميناً عن قضايا شعبه ونضاله التحرري وتطلعه الى نيل الحقوق وتحقيق أهدافه الوطنية بالتحرر والاستقلال .

فيا شاعر الحرية والكفاح طوبى لك ، والمجد لك، وسلاماً لروحك من ثرى وأرض فلسطين التي تقاوم القهر والاحتلال وتنتظر انبلاج النهار . وستظل خالداً بأشعارك ونضالاتك وسيرتك المشرفة في ذاكرة الكورد والعراقيين والعرب أجمع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة