تهمة التحريض على العنصرية، كيل بمعيارين؟
تاريخ النشر: 18/01/16 | 14:28في تاريخ 9.12.2015، اصدرت المحمة العليا الاسرائيلية، بصفتها محكمة العدل العليا، قرارها القاضي بعدم التدخل في قرار المستشار القضائي للحكومة بعدم تقديم لائحة اتهام، بتهمة التحريص على العنصرية، ضد مؤلفي وناشري كتاب ” توراة الملك ” او “תורת המלך “. وكان قرار العليا قد اتخذ بأغلبية قضاة اثنين (القاضي روبنشتاين ورئيسة المحكمة القاضية ماؤؤر)، مقابل رأي القاضي سليم جبران.
ومع اقتراب موعد بحث المحكمة العليا في استئناف الشيخ رائد صلاح على ادانته بتهمة التحريض على العنصرية والتحريض على العنف، والمحدد بتاريخ 25.1.2016، رأيت من المناسب ان اجري مقارنة بين توجه المحكمة العليا في قرارها بشأن كتاب توراة الملك وبين توجه المحكمة المركزية في القدس من خلال قرارها الذي ادانت فيه الشيخ رائد صلاح بتهمة التحريض على العنصرية بسبب اقواله في درس القاه قبيل خطبة جمعة، في عام 2007، فيما عرف لاحقا بخطبة وادي الجوز.
لقد ادين الشيخ رائد صلاح بتهمة التحريض على العنصرية ضد اليهود، بسبب جملة جاءت في سياق طويل تحدث يومها فيه عن احداث هدم باب المغاربة الذي يشكل جزءا من المسجد الاقصى، حيث جاء في سياق حديثه ما يلي: “ما سمحنا لأنفسنا يوما ان نجبل خبز الفطور في رمضان بدماء الاطفال، ومن اراد تفسيرا اكثر فليسأل ماذا كان يحدث لبعض الاطفال في اوروبا عندما كانت تجبل دماؤهم بالخبز المقدس”.
ورغم ان قاضية محكمة الصلح كانت قد برأت الشيخ رائد من تهمة التحريض على العنصرية، ولم تجد في الجملة اعلاه ما يثبت وجود نية لدى الشيخ للتحريض على العنصرية ” الا ان المحكمة المركزية قد قلبت الحكم، وقررت ادانته في التهمة المذكورة.
بعض الاقتباسات من كتاب “ توراة الملك” كما جاء سردها خلال قرار المحكمة العليا:
جاء في الكتاب ان غير اليهود اليوم هم حيوانات لا تعرف معنى لحياتها.
يعرض الكتاب موقفا يسمح المساس بغير اليهود الابرياء في فترة الحرب ويؤيد ويمدح قتل الاطفال غير اليهود من باب الانتقام.
جاء في الكتاب نص يصف غير اليهود بالاشرار ولذلك يمكن النظر اليهم كانهم افاعي.
الكتاب يتحدث صراحة عن ما يسميه ” العدو العربي ” وقسوة ووحشية هذا العدو والطريقة القاسية والوحشية التي يجب ان تتم معاملته بها.
في الكتاب عرض لفتوى الحبر ” الراب ” المدعو (المهرال)، والتي بموجبها يستطيع الافراد من الشعب اليهودي القيام باعمال الانتقام المذكورة (اتاحة قتل الابرياء والاطفال) كرأي ” تجديدي ” ” חידוש בהלכה “. وفي سياق الحديث عن تلك الفتوى يتساءل المؤلفان: “يجب البحث فيما اذا كانت هذه الفتوى (فتوى المهرال) سارية المفعول ايضا على الزوار من ابناء شعب ثالث المتواجدين الان بين الشعب الذي نحاربه “، وفي ذلك اشارة واضحة ان الفتوى التي تجيز قتل الاطفال والابرياء سارية المفعول على الشعب العربي والسؤال هو اذا هناك امكانية لتطبيقها على ابناء شعوب اخرى يتواجدون حيث يتواجد الشعب العربي الفلسطيني
الكتاب يتحدث خلال سياق التطرق للسماح بعمليات انتقامية من الابرياء وحتى الاطفال عن ” الشعب الذي نحاربه ” وعن ” العدو العربي في هذه الايام المعروف بالعمال الوحشية والبربرية “، كناية عن الشعب الفلسطيني بل ان الكتاب يشير الى ان وحشية الشعب العربي اليوم تزداد اذا لم يكن هناك رد بمثابة العين بالعين
في تزكية الكتاب والتي كتبت بيد كاهن اخر اسمه الراب ليؤور جاء: ” هذه القضايا تتطرق بشكل كبير الى وضعنا اليوم في ارض اسرائيل، التي علينا احتلالها من ايدي اعدائنا ”
في الكتاب اقتباس لرأي الحبر المسمى المهرال والذي يتيح لأي فرد اسرائيلي القيام بعمليات انتقامية وهدر دماء الابرياء ابناء الشعب العربي، اذ ليس بالضرورة ان تقوم الدولة بالاعمال الانتقامية وهدر دم ابناء ” مملكة الشر ” كما يسميها المهرال وهاكم الاقتباس: ” لا حاجة لقرار امة لاتاحة (هدر) دم مملكة الشر، الافراد ايضا يستطيعون ذلك ”
جاء في الكتاب ايضا ان من يدعي ان هذه الارض له وليس لليهود فهو يستحق الحكم بالموت لمجرد هذا الادعاء: ” اذ ان غير اليهود الذين يطالبون بهذه البلاد لانفسهم يرتكبون مخالفة “גזל ” ولذلك يستحقون عقاب الموت “.
لماذا لم يحاكم مؤلفوا الكتاب؟
بداية يجدر القول ان وصف مؤلفي الكتاب المشؤؤوم ” توراة الملك ” بالعنصريين هو امر يتفق عليه حتى قاضي العليا الياكيم روبنشتاين، رغم انه صادق على قرار المستشار القضائي بعدم تقديمهما للمحاكمة، وقد جاء في قرار القاضي روبنشتاين ” من الصعب ان نشك في عنصرية المؤلفين “، ومع ذلك فلم تتدخل العليا في قرار عدم تقديمهما للمحاكمة وذلك للتبريرات والمسوغات التالية:
1. اقتبس القاضي روبنشتاين (في بداية ص 13)، موقف المكمة العليا (ההלכה הפסוקה המצוטטת מתוך ההחלטה בבג”ץ 6226/01 אינדור נגד ראש עירית ירושלים) القاضي بعدم المساس في حرية التعبير والحرية الدينية والذي حسبه فان حرية التعبير تشمل عبارات قاسية ومثيره وحتى عبارات عنصرية كما ان الحرية الدينية هي جزء من كرامة الانسان وان لتعليم التوراة مكانة مركزية في الديانة اليهودية ومن هنا فان تحديد الحرية في دراسة التوراة فيها مساس لا يستهان به في الانسان المؤمن (المؤمن بالتوراة)، وفي ذلك اشارة ان العبارات العنصرية اذا كان مصدرها من التوراة فهي عبارات محمية تحت حرية العبادة والاعتقاد الديني. وفي نهاية الصفحة 13 يقول القاضي روبنشتاين ان رأيه الشخصي يخالف ما جاء في القرار المذكور اعلاه فهو يعتقد ان حرية التعبير لا تشمل العنصرية، ومع ذلك فلم يجد مجالا للتدخل وتغيير قرار المستشار القانوني
2. جاء في قرار القاضي روبنشتاين (الذي صاغ رأي الغالبية) ان سياسة المحكمة العليا هي عدم التدخل في قرارات المستشار القضائي بعدم تقديم لوائح اتهام اذا كانت مبنية على ” عدم توفر الادلة ” (علما ان الدليل هنا هو الكتاب نفسه الموجود بين يدي المستشار القضائي وبين يدي المحكمة).
3. جاء في قرار القاضي روبنشتاين ان المستشار القضائي اعتقد بعدم امكانية اثبات العامل النفسي المطلوب وفق البند 144 (ب) (أ) لقانون العقوبات بمعنى اثبات القصد حيث ان البند المذكور يتحدث عن كل من يقوم بنشر بهدف التحريض على العنصرية (המפרסם דבר מתוך מטרה להסית לגזענות)
4. جاء في قرار القاضي روبنشتاين انه من اجل التدخل في قرار المستشار القضائي على المحكمة ان تقتنع ان هناك احتمال معقول للادانة (סיכוי סביר להרשעה)،ولكنه لم يقتنع ان المادة التي في الكتاب فيها هذا الاحتمال المعقول للادانة (ص 24 – 25).
5. جاء في تسويغات القاضي روبنشتاين انه لا يمكن الاثبات ان ما جاء في الكتاب كان بقصد التحريض على العنصرية وذلك للاسباب التالية:
(1). ان ما جاء في الكتاب حول جواز قتل الابرياء والاطفال من غير اليهود يتحدث عن حالة حرب، وحسب القاضي روبنشتاين لا يمكن ان نثبت من خلال الكتاب اذا كان مؤلفاه يعتقدان ان اسرائيل بحالة حرب ام في غير حالة حرب، ولذلك لا يمكن ان نقول ان الكتاب يقصد ان الفتوى سارية المفعول في ايامنا هذه.(ص 34)،
(2). حسب رأي القاضي روبنشتاين،من الصعب القول ان الفتوى المقتبسة من المهرال والتي تتحدث عن جواز قيام افراد من الشعب اليهودي بأنفسهم، وليس عن طريق الدولة، باعمال انتقامية من الاطفال والعزل والابرياء،هذه الفتوى وسردها في الكتاب، لا تكفي لان تثبت ان موقف مؤلفي الكتاب مع قيام افراد بالانتقام من الاطفال والعزل ” ولذلك لا يمكن اثبات العامل النفسي المطلوب في البند الذي يعرف المخالفة، وهو ان الهدف من النشر هو التحريض على العنصرية.
رأي الاقلية للقاضي جبران:
لقد خالف القاضي سليم جبران رأي القضاة روبنشتاين وناؤؤر، حيث رأى انه يجب اعادة الملف للمستشار القضائي وللنيابة لاستيفاء التحقيقات ولاعادة النظر في القرار بعد استيفاء التحقيق.
ومن خلال قراءة رأي القاضي جبران يتضح انه يخالف القضاة الاخرين فيما يلي :
1. من يقرأ الكتاب يفهم ان سياق الكتاب يتحدث بالذات عن العرب بالذات من بين كل الشعوب غير اليهودية.
2. واضح من سياق الكتاب انه يرى ان اسرائيل موجودة في حالة حرب، وهذا يعني ان الفتوى التي تجيز قتل الاطفال والابرياء والعزل، سارية الفعول في ايامنا وتعني بالذات الشعب الفلسطيني.
3. في نظر القاضي جبران فانه من الواضح من سياق النصوص المقتبسة في الكتاب وخاصة فتوى المهرال المذكورة، من الواضح ان هناك احتمال كبير في ان قصد المؤلفين هي سريان الفتوى على الافراد اليهود، واعطائهم اجازة بالقيام باعمال انتقامية تشمل الاطفال والعزل بأنفسم وليس من خلال اجهزة الدولة.
الخلاصة:
خلاصة القول اننا الان ايام قليلة قبيل بت محكمة العليا في الاستئناف الذي قدمه الشيخ رائد على ادانته في تهمة التحريض على العنصرية و والسؤال المطروح: كيف سستتعامل العليا مع الشيخ رائد هل ستتعامل معه كالمتهم المدان مسبقا، ام كالمتهم الذي لم تثبت ادانته؟
ملاحظة اخيرة:
لقد ادين الشيخ رائد في ملف وادي الجوز بتهمة اخرى وهي التحريض على العنف، وذلك بسبب مقاطع اخرى في الدرس الذي القاه في وادي الجوز، وكانت الادانة باغلبية اثنين من قضاة المحكمة المركزية مقابل قاضي واحد، وهو موضوع لمقال اخر تتم فيه مقارنة نظرة القضاة لاقوال الشيخ رائد مقارنة مع اقوال حاخامات وقيادات يهودية، ومن ضمنهم ما جاء في كتاب توراة الملك.
المحامي مصطفى سهيل محاميد