رد الأموال مقابل التصالح بقضايا الكسب غير المشروع
تاريخ النشر: 18/01/16 | 18:59إن دعوة المستشار أحمد الزند رجال الأعمال لرد المبالغ التى تورطوا فى الحصول عليها بشكل غير مشروع أمر جيد وتأتى فى سياق تفعيل القانون وتطبيقه. أن التعديلات الأخيرة التى أجريت على قانون جهاز الكسب غير المشروع والتى أعلنت عنها وزارة العدل صدرت لتفعيل القانون ووضعه موضع التطبيق لان الدولة فى حاجة شديدة إلى تلك الأموال فى الوقت الراهن لتطوير البنية الأساسية.
إن قانون التصالح فى قضايا الكسب غير المشروع مهزلة بجميع المقاييس ولا يمكن أن يعد ولو من بعيد جزءا من إصلاح الجهاز الإدارى أو تهيئة المناخ للانطلاقة الاقتصادية، وهو اعتداء صارخ وغير مسبوق على التراث الدستورى المصرى بل وعلى تراث الدولة الحديثة كما أنه اعتداء إضافى على القضاء بتحييده جانبا بينما تتصدى السلطة التنفيذية للتصالح مع المسئولين المدانين بنهب المال العام.
أن هذا التعديل يعد بطبيعة الحال خطوة لتحقيق مصلحة الدولة من جانب كما أنه فى نفس الوقت يحقق مصلحة لرجال الأعمال لأنه يمنحهم نوعا من الاستقرار الأسرى والنفسى وهذا ينهى مشكلة اتهامات قد تطول مدتها إلى مدى بعيد.
أن قرار الكسب غير المشروع ما هو إلا تحقيقا لنصوص القانون التى تم تعديلها مؤخرا، لان رد قيمة الأشياء التى استولى عليها بعض رجال الأعمال وأعضاء النظامين السابق والأسبق لا بد أن يحدث بسعر الآن وليس بالسعر الذى استولوا عليها به، و أنه إذا تبين أن متهم لديه كسب غير مشروع فى المستقبل سيتم فتح التحقيقات من جديد فيما يتعلق بالاتهامات المنسوبة إليه أمام جهاز الكسب. إن حجم الأموال المستهدف ردها للدولة من رجال الأعمال والمتهمين في قضايا كسب تبلغ في داخل مصر 6 مليار دولار أي ما يعادل 48 مليار جنيه مصري، معظمها عقارات وأراض مستولي عليها، أما في الخارج فتبلغ وفقا لإحصاءات لدي جهاز الكسب غير المشروع تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار بما يعادل الـ 32 مليار جنيه
ويوجد رأي قانوني يقول إن قانون المصالحة مع المتهمين فى جرائم الكسب غير المشروع مخالف للدستور لان الجرائم التى قامت بسلب ونهب حقوق الدولة والشعب لا تصالح فيها، و انه يتعين على الدولة استعادة الأموال المنهوبة بالطرق القانونية، والاستمرار فى نفس الوقت فى الخطوات القانونية لمحاسبة من قام بالجرم على فعله. أن الأمر لا يتعلق فقط برد مبلغ مالى للدولة، ولكنه يتعلق بالتورط فى قضية فساد تتعين على الدولة معاقبة من تورط فيها، ومحاسبته وفقا لمواد القانون التى تقتضى سحنه جزاء لما اقترف.
أن ذلك يحقق العقوبة والتي تتمثل في الإيلام المادي أو المعنوي بالسجن وكذلك استفادة الدولة باستعادة الاموال. الغرض من العقوبة في هذا النوع من القضايا العقاب على الاعتداء على المال العام ويزول هذا الغرض والضرر الواقع على الدولة بسداد الاموال”.إذا لم نمنح المتهم في قضايا الكسب غير المشروع هذه الميزة وسجن حال رد الاموال او حال عدم ردها فإن ذلك قد يدفعه إلى عدم رد المال طالما سيسجن في الحالتين، وذلك ليس في صالح الدولة في جزئية استرداد الاموال ، إما التصالح فسيدفعه هو أو أي شخص من أقاربه لرد المال”.بذلك نحقق فلسفة العقوبة الحديثة في العقوبة والغاية الحقيقية منها ”
، أن ذلك سيؤدي إلى التوسع في حالات الصلح والتصالح الجنائي المادة 18 في الاجراءات الجانية وقانون البنوك وهو ما يتواءم مع الاتجاهات الحديثة في القانون ، ويحدث أيضا في بعض القضايا مثل قضايا الرشوة حال اعتراف الراشي”. فإذا كانت سلسلة قوانين التصالح مع المستثمرين فى قضايا الاستيلاء على المال العام من بعد ٢٠١١ تبرر انتهاك سيادة القضاء وتنحية القانون جانبا بالحاجة لبث الطمأنينة فى أوساط المستثمرين الأجانب والمحليين بغية إعادة رءوس الأموال للاقتصاد فما هو مسوغ إهدار القانون فى التصالح مع المسئولين المدانين بالكسب غير المشروع هل الغرض هو تشجيعهم وغيرهم على المزيد من نهب المال العام أم أن الغرض هو التعامل معهم على أنهم رجال أعمال يشغلون مناصب عامة كالمستثمرين ولكن داخل جهاز الدولة؟
إن الإدعاء بأن التصالح فى قضايا الكسب غير المشروع سيسهل من الوصول للأموال المهربة بالخارج والتى عجزت أجهزة الدولة المصرية عن الوصول إليها على مدى السنوات الخمس الماضية لهو إدعاء فارغ من أى مضمون ذلك لأن استعادة الأموال المهربة بالخارج يرتهن بإثبات الجريمة وإصدار أحكام بالإدانة ثم الشروع فى استخدام تلك الأحكام لاستعادة الأموال أما فى حالة العجز عن تتبع الأرصدة المهربة وعدم إصدار أية أحكام إدانة فما الذى يجبر المسئولين الفاسدين على إعادة أموال اقترفوها لم يثبت استيلاؤهم عليها أصلا؟
قبل قرون عندما كانت مصر جزءا من الدولة العثمانية كان السلطان يقوم عادة ببيع المناصب العامة لمن يدفع أكثر فيأتى أحد الباشوات أو المماليك أو كبار التجار فيشترى امتياز جمع الضرائب فى منطقة زراعية أو يحصل على امتياز تحصيل الجمارك فى ثغر من الثغور ويسدد مبلغا ماليا مقدما للسلطان حتى يصدر له فرمانا بالامتياز يتلوه تعويض ما دفعه من خلال استغلال منصبه العام أو الرسمى لمراكمة ثروته الخاصة، ولعل فى هذه الممارسة التى طالت لقرون أثرة باقية فى استغلال المناصب الرسمية فى الكثير من البلدان العربية لبناء إمبراطوريات مالية خاصة للمسئولين الحكوميين ولعل أهم ما يميز هذا المنطق أن المنصب الرسمى فى الدولة لا يعتبر هنا منصبا عاما بل هو منصب خاص، لأن الدولة فى هذه الحالة لا تمثل الشعب أو المصلحة العامة بقدر ما تمثل مصلحة السلطان فى جمع المال على المدى المباشر من خلال بيع المناصب وكلها مفاهيم أسقطها ظهور الدولة القومية الحديثة، والتى من المفترض أن بيروقراطية الدولة المصرية تتمثلها.
إن التصالح مع الملامح العثمانية فى البيروقراطية المصرية والتسليم بأن المناصب الحكومية تكأة للاستيلاء على المال العام والإفلات من هذا بلا عقاب اللهم إلا الاضطرار لرد جزء أو كل ما تم نهبه يصنع جهازا إداريا لا يمت للحداثة بصله ولا يمكن التعويل عليه بأى شكل من الأشكال لجذب الاستثمار أو تهيئة المناخ لممارسة اقتصادية حديثه بل إنه جهاز يصلح لقيادة مصر للعودة إلى العصر العثماني وفتح المجال أمام خصخصة الدولة ذاتها بحيث تكف عن حتى الإدعاء بأنها تمثل المصلحة العامة أو حتى تتوخاها.
انها السبيل الوحيد امامنا الان لاسترداد اموال مصر المنهوبة، مع مراعاة هده التعديلات بشرط وضع عدة ضوابط للمصالحة منها ان يتم دفع الاموال التى تم الحصول عليها بطريق غير مشروع بالفوائد حتى تكون معادلة لقيمتها وقت الحصول علي وكذلك لابد أن تكون هناك شفافية في تطبيق التعديلات الجديدة على قانون الكسب غير المشروع الخاصة بالتصالح مع رموز الأنظمة السابقة، على أن يتم التعامل عند التطبيق مع المكسب الحقيقي العائد على المتهمين طوال هذه الفترة وتتم محاسبتهم بسعر السوق ,ومن لم يعيد اموال الدولة كاملة يقدم لمحاكمة سريعة.اما فيما يخص اعفاء المتهم من العقوبة المقيدة للحريات لابد ان يقترن اعفائه من العقوبة بحرمانه من الترشح للمجالس النيابية وتولى الوظائف القيادية فى الدولة لضمان عدم تكرار هده الجرائم.
بقلم: د.عادل عامر