فهم مقلوب للحداثة

شالَتْ حَداثَتُها الْفُسْتانَ مِنْ حينِ .. وَطَوَّلَتْ عُرْيَها كُلَّ الْأَحايينِ

وَكَشَّفَ الْجَهْلُ مِنْها كُلَّ مُسْتَتِرٍ .. وَخَدَّرَ الْعَقْلَ مِنْها أَزُّ قايينِ

فَالنَّاسُ في عُرْفِها خُدَّامُ لَفْتَتِها .. وَهْيَ الْـمُطاعَةُ فيهِمْ قَبْلَ تَكْوينِ

نِسْوِيَّةٌ أُشْرِبَتْ نِدِّيَّةً فَلَها .. صَوْلاتُ صَوْتٍ كَذي شَكْوى وَمَغْبونِ

فَلَيْسَ تُدْرِكُ ما تَرْجو وَتَخْذُلُها.. في كُلِّ مُعْتَرَكٍ أَنَّاتُ تَأْبينِ

تَرى الْخَسارَةَ وَالْخِذْلانَ ما نُكِسَتْ .. في النَّاسِ فِكْرَتُها في كَسْرِ روتينِ

فَالنَّصْبُ وَالْخَفْضُ في الْإِعْرابِ قاعِدَةٌ .. عَفا الزَّمانُ عَلَيْها مُنْذُ ياسينِ

وَالرَّفْعُ رَغْمَ جَمالٍ في تَشَكُّلِهِ .. قَتَّالُ راحَتِها مِعْوانُ شَيْطونِ

أَوْ نَكْسَ بَيْرَقِها في كُلِّ مُحْتَفَلٍ .. وَرَفْضَ زُلْفَتِها الْسيقَتْ بِعُرْبونِ

أَوْ رَفْضَ قُبْلَتِها إِذْ فُجِّرَتْ شَبَقًا .. مِنْ فارِعِ الْقَدِّ لا كَهْلٍ وَعُرْجونِ

وَكُلَّما ذاقَتِ الْخِذْلانَ يَنْفُخُها .. طَيْشُ الْفُتُوَّةِ عِنْدًا نَفْخَ بالونِ

وَزانَ في عَيْنِها الْـمَلْعونُ خِفَّتَها .. وَكَمْ مِنَ الطِّينِ رَأْسٌ غاصَ في الطِّينِ

يَوْمًا عَلى إِثْرِ يَوْمٍ، قُلْ تَأَبَّطَها .. دَرْبُ السَّرابِ الْـمُوافي بابَ شوفوني

وَصادَفَتْ عاشِقًا بِالْوَرْدِ قابَلَها .. وَالْوَرْدُ يُنْبِئُ عَمَّا في الشَّرايينِ

تَبَسَّمَ الْـمَكْرُ وَامْتَدَّتْ حَبائِلُهُ .. وَالْغِرُّ يَرْقُصُ نَشْوانًا كَمَجْنونِ

صارَتْ تُواعِدُهُ، بِالْغَنْجِ تُذْهِلُهُ .. وَالْـمالُ يَكْشِفُ مِنْها كُلَّ مَكْنونِ

مَرَّتْ أَسابيعُ في رَقْصٍ وَفَرْفَشَةٍ .. وَالْـمالُ طارَ وَصارَ اللَّمْسُ بِالْعِينِ

لكِنَّها ضَجِرَتْ مِنْ فَقْرِ جَيْبَتِهِ .. صَدَّتْهُ فَارْتاعَ مِنْ قَلْبِ الْـمَوازينِ

صارَتْ تُجَحِّشُهُ ما ازْدادَ في شَغَفٍ .. لَمْ تَدْرِ قَوْلًا سِوى اِفْعَلْ لِتُرْضيني

وَإِنْ تَكاسَلَ سَلَّتْ غَنْجَها وَشَكَتْ.. قالَتْ: أَراكَ تُجافيني لِتُقْصيني

وَازْدادَ بَغْلَنَةً، بَلْ زادَ حَمْرَنَةً .. ضاعَتْ رُجولَتُهُ بِالشَّدِّ وَاللِّينِ

وَكُلَّما هَمَّ في تَقْبيلِ مَبْسَمِها .. قالَتْ: رُوَيْدَكَ هَمْسُ الطَّرْفِ يَكْفيني

وَالرَّشْحُ مُعْدٍ وَلا أَرْضى أَيا قَمَري .. يُعْديكَ رَشْحي، فَما يُؤْذيكَ يُؤْذيني

وَيَخْضَعُ الْغِرُّ فَالتَّعْليلُ يُقْنِعُهُ .. يَخِرُّ لِلنَّعْلِ، إِنَّ الدُّونَ لِلدُّونِ

وَأَرْسَلَتْ عَيْنَها لِلدَّرْبِ فاحِصَةً .. إِقْبالَ مَعْشوقِها رَبِّ الْـمَلايينِ

وَكُلَّما قيلَ قَدْ أَخْطَأْتِ فَازْدَجِري .. قالَتْ: حَداثَتُنا لِلْعِينِ لا الْعُونِ

وَبِالْحَداثَةِ تَسْتَرْقي حَضارَتُنا .. وَفي التَّحَضُّرِ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنونِ

تُشيعُ ما نَطَقَتْ فَوْضى مُمَكْيَجَةً … وَإِنْ تُعاتَبْ تَقُلْ: ذوقوا تَحاتيني

وَهكَذا تَقْطَعُ الْأَيَّامَ سادِرَةً .. في الْغَيِّ وَالْوَهْمِ أَنْ تَحْظى بِتَمْكينِ

لِسانُها مِبْرَدٌ وَارْدِفْ لِسَجْعَتِهِ .. فَحَظْوَةُ الْعَصْرِ لِلْعِشْرينِ وَالسِّينِ

وَصادَفَتْ لَيْلَةً في عُرْسِ صاحِبَةٍ .. شَخْصًا عَلَيْهِ تَمَشَّى الْحُسْنُ في لينِ

ظَنَّتْهُ مِثْلَ الْأُلى ابْتَزَّتْ جُيوبَهُمُ .. رَمَتْ شِباكًا وَقالَتْ: هَلْ يُوافيني؟

وَجاءَها عَجِلًا وَالشَّوْقُ يَدْفَعُهُ .. طالَ الْعِناقُ عَلى هَمْسِ التَّلاحينِ

قالَتْ: أُحِبُّكَ فَاحْضُنِّي وَذُقْ شَفَتي.. فَالْجَمْرُ وَالشَّهْدُ فيها يا مُعَنِّيني

موني أَنا، هاكَ: ذا عُنْوانُ مَنْزِلِنا .. وَفي غَدٍ بِحُلولِ اللَّيْلِ تَأْتيني

أَتى لِـمَوْعِدِها وَاللَّيْلُ يَسْتُرُهُ .. يا هَوْلَ ما نَظَرَتْ عَيْناهُ مِنْ موني

كانَتْ بِحِضْنِ عَشيقٍ وَهْوَ حاضِنُها .. اَلْغَنْجُ مِنْها وَمِنْهُ الْهَمْسُ زيديني

وَغابَ مَصْدومُها الْـمَخْدوعُ ثُمَّ أَتى .. قَضَتْ لِلَحْظَتِها طَعْنًا بِسِكِّينِ

إِنَّ الْـمَفاهيمَ تَضْليلٌ إِذا انْحَرَفَتْ .. وَالْخَلْقُ ما اعْتَدَلَتْ في خَيْرِ قانونِ

وَفي الْحَداثَةِ آراءٌ وَعاقِلُها .. مَنْ حازَ لِلْأَصْلِ لا حَوْزَ الْـمَجانينِ

مَنْ قَدْ تَعاهَدَ أَرْكانًا وَثَبَّتَها.. وَلَيْسَ مَنْ يَبْتَغي نَسْفَ الْقَوانينِ

مَنْ هَمُّهُ الْوُدُّ بَيْنَ النَّاسِ يَنْشُرُهُ.. وَلَيْسَ مَنْ شُغْلُهُ دَقُّ الْأَسافينِ

مَنْ يَجْعَلُ الْإِرْثَ مِشْكاةً لِقادِمِهِ .. تَهْدي خُطاهُ بِنِبْراسِ الْـمَيامينِ

وَلَيْسَ مَنْ يَنْقُضُ الْـماضي وَيَهْدِمُهُ .. لِوَهْمِهِ الْوافِدَ الْعاري لِتَمْدينِ

يا قابِعًا خارِجَ الْأَحْداثِ مُنْعَزِلًا .. نُكوصُكَ الْهَدْمُ لِلدُّنْيا وَلِلدِّينِ

طَلَبْتَ راحَةَ نَفْسٍ، زِدْتَها رَهَقًا .. كَطالِبٍ رُقْيَةً عِنْدَ الشَّياطينِ

ما كانَ ضَرَّكَ لَوْ خالَطْتَ مُجْتَمَعًا .. تُبَدِّلُ الشَّوْكَ بِالْجوري وَنَسْرينِ

أَما تَرى عُقَلاءَ الْأَرْضِ يَدْفَعُهُمْ.. حُبُّ الْجَمالِ لِإِكْثارِ الْبَساتينِ

تَعاهَدوا الْأَرْضَ مِنْ سَهْلٍ وَمِنْ جَبَلٍ .. وَاسْتَنْبَتوا الْوَرْدَ في كُلِّ الْـمَيادينِ

وَقَلَّعوا الشَّوْكَ لَمْ يُبْقوا لَهُ أَثَرًا .. أَخْلوا الْـمَكانَ لِأَصْنافِ الرَّياحينِ

وَأَنْتَ تَلْهو بِكَهْفٍ أَوْ بِمُقْفِرَةٍ .. فَقَلِّدِ الْعَقْلَ في فَحْصِ الْعَناوينِ

كَعابِدِ الْحَرَمَيْنِ اخْتارَ كَعْبَتَهُ.. وَخَضَّبَ الْجيدَ دَمْعًا خَوْفَ سِجِّينِ

وَالْجُنْدُ تَحْتَ عَجاجِ الْحَرْبِ قَدْ خَضَبوا.. نُحورَهُمْ بِدِماهُمْ لا التَّلاوينِ

شَتَّانَ بَيْنَكُما، دَمْعُ الرَّجا، وَدَمٌ .. قَدْ سالَ مِنْ فَتَكاتِ الْجَحْفَلِ الْجُونِ

فَاثْنِ الْعِنانَ إِلى شَعْبٍ نُسِبْتَ لَهُ .. وَادْفَعْ عَنِ الْأَهْلِ لَيْلًا غَيْرَ مَأْمونِ

وَدَعْ شِعابَ سَرابٍ ضَلَّ سالِكُها .. فَما جَناها سِوى فَتْكِ السَّراحينِ

وَالذِّئْبُ يَفْتِكُ بِالْقاصي وَيَفْرِسُهُ .. فَاحْذَرْ سَبيلَ هَلاكٍ رَغْمَ تَحْصينِ

وَحاذِرِ الْغَضَبَ الْـمودي بِكُلِّ حِجى .. وَاعْقِلْ عَواقِبَ ما أَوْدى بِذي النُّونِ

وَكُنْ لِأَهْلِكَ مِتْراسًا مَتى عَتَمَتْ .. وَاحْفَظْ عُرى الْجَمْعِ مِنْ تَشْتيتِ مَأْفونِ

لَوْ كُلُّ مُمْتَعِضٍ مِنْ فِعْلِ ذي سَفَهٍ .. رامَ اعْتِزالًا لَصِرْنا كَالسَّعادينِ

محمود مرعي