الوطن غالي يا أمى..!!
تاريخ النشر: 26/01/16 | 13:22الوطن – يا أمي -غالي.. تركتيني يتيما و تغطيت بترابه.وتركتيني أقلب حنين حكاياته.. وتركتيه مشوها يقطعني بعذاباته..!!
وسألتك يا أمي: ” ليش سمو عائلة عمي” سالم ” دار الجرة.!”
فأجبت: كان هناك وطن – يا ابني – كان فيه عيون ميتها ترد الروح..نملي منه أحنا والعصافير.. كانت ميتها ترقص على الحان أجراس العنزات.
وكان في ملايات.. رايحات جايات..جرة ورا جرة..
وسالم رابط في الطريق..سألنا “حلوة ” بدك” سالم”.. سكتت ولا نفس..!والسكوت علامة الرضى..!
وقلنا لها:”بدك” تعرفي أنه يريدك زوجة له،كبي الجرة عليه..!؟”وفي الغد “أدعثرت ” “حلوة”،وانكبت الجرة على “سالم” فغرق في المية وتبللت ثيابه..!! فصار يصيح:” مية الحبيب زبيب.! مية الحبيب زبيب..!”. وتزوج” سالم” “حلوة”..!
” وقصة” سالم” وابنه” خليل” ياما..!؟ “.. أغرف بعيني من رضا عينيها الساحرتين..” يا ابني انت” بتشبعش “من خراريف الوطن..!!”
وسالم خلف ولد وسماه على اسم جده” خليل “.. وكان عند جده بيارة.. والبيارة فيها اشجار خضر مزينة بقناديل مضوية.. ولما استوى البرتقان على امه، نزل يلقط حباته.. التقى باليهود هناك سألوه: ” شو مدخلك انت هون..!؟ ” بيارتي ياخواجه.. أب عن جد..!!”. قال والعجب يقطع قلبه.. ” فطردوه من بيارته يا حسيرته عليه..!!”
وبعد أيام،كان راجع مع ابنه” خليل “من الخضيرة الى البلد،مروا ببيارتهم،فصار يغني لأبنه، والدموع تسيل من عينه:
“احمر ومدلى عنوقه يابا يا خليل،
ومحرم علينا نذوقه يابا يا خليل،
أحمر ومدلى من رفوفه يابا يا خلي
ومحرم علينا نشوفه يابا يا خليل.
الوطن – ياما- بيارة بتنقط عسلاته..
برميل زيت بصب زيتاته..
.غمر بحضن مغمراته..
” فتلة ” سراج بتنور عتماته..
واسمعت انكم كنتم تناموا على البيادر..!!؟
كانت – ياما – فرشتنا تبنات طريات من قمحاته، وكان لحافنا السما الزرقا المزينة بلمعات نجماته..وكان القمر “ونيسنا” يحكي حكاياته..!
في الليل تذكر سالم أخوه “فارس”.. تسع “ثمام “على المصطبة والعاشر ببطن “عفيفة “، والقمحات قلال، فانتظر حتي غاب القمر،
ونام البيادريه من تعب الدراسه، فحمل على كتفه غمرين قمح من الحلة، واتجه الى بيدر أخيه” فارس”، وعندما وصل نظر على أخيه،فلقيه في عز النوم.. “بشخور.!”، رمى غمر القمح على حلته..ورجع نام على بيدره.
وفي المصابيح تذكر” فارس” أخوه” سالم” وقال في نفسه: والله أخوي حمله ثقيل.. نسوان ثنتين ودزينة ولاد.!” بوكلوا الزلط !”.. فوضع على كتفه غمر قمح،ونقله الى بيدرأخيه..!!
وكررا نفس العمل لعدة أيام متتالية..
وبعد أيام،وبعد ان عجز سالم عن حفظ السرفي بطنه، قرر ان يشرك زوجته به: ” يا” زهيده” صار شيئ معاي ما صار قبله،كل ليله بوخذ من حلتي غمر قمح، وبحطهن على حلة أخوي” فارس “، والغريب ان حلتي..لا بتزيد ولا بتنقص !!و”فارس” عمل مثله مع نسوانه الثنتين.. شاركهن بالسر، فغرقن في العجب والأستغراب..!!،وقلن:” هاي بركة من الله..!”.
في احدى الليالي، راحت على” فارس” نومة.. فبدل ان ياخذ الغمر لأخيه في أول الليل كعادته، أخذه عند المصابيح.. فكانت المفاجأة.. التقيا في الطريق – كل واحد منهم حامل غمر، ومتوجه الى بيدر الآخر..!! ولما “قشع “الواحد منهم الآخر، رمي حمليهما على الأرض وتعانقا.. وهات يا بوس..!
“فتسرقين” نظرة من عيني،لتقرئي ما رسمته حكاياتك في فضاءاتهما فتقولين:
ياما كان في وطن..ما تركنا فيه واحد:
ينام بدون خبزاته
ولا ينام بدون مياته
ولا ينام فيه على ” زعلاته”.
ياما.. الوطن غالي.. الوطن غالي..!
أمي.. كانت حياتنا تسير على ثلاث: انا وأنت والوطن..وتركتنا مشوهين، نتوه في غياهب اليتم، ورحلت..!
يوسف جمال – عرعرة