إستعراض لديوان " نورما " للشاعر هاشم دَغَش
تاريخ النشر: 18/08/13 | 6:00صدرَ ديوان " نورما " للشَّاعر الشَّاب " هاشم دغش " من قرية المغار الجليليَّة قبلَ بضع ِسنوات، وهذا الديوان هو باكورةُ إنتاجِهِ الشِّعري ، نأملُ أن يثرينا بالكثير من الإنتاج ، وأن تصدرَ لهُ مجموعاتٌ أخرى شعريَّة وأدبيَّة في المستقبل .
إنَّ الشِّيىءَ البارزَ الذي يلمسَهُ القارىءُ، عندَ اطِّلاعِهِ على قصائد الديوان ( وهذا ما سمعتهُ من الكثيرين )، أنهُ أمامَ إنسان ٍ ذي حِسٍّ وجدانيٍّ مُرهَفٍ وصادق ، مرَّ في تجربةٍ خصبةٍ وغنيَّةٍ ، صُقِلتْ فيها موهبتهُ ، وتبلوَرَتْ فيها مفاهيمُهُ وَرُؤَاهُ الشِّعريَّة، ولسنا أمامَ شاعر ناشىءٍ ، يُصدِرُ مجموعتهُ حسب تعابير بعض الأصنام المَمسُوخة والمُتقوقعة في صوامِعِها المُظلمة التي عفا عليها الزَّمنُ ، والتي تتخيَّلُ نفسَهَا ( أو بالأحرى نصَّبتْ نفسَها ) بحُكم ِالظروف والمقادير- أنَّها وصيَّة وآلهة في محرابِ الشعرِ والأدب .
إنَّ مستوى الشَّاعر أو الأديب لا يقاسُ بالسِّنِّ وبالفترةِ الزَّمنيَّةِ التي أمضاها في في عالم الكتابةِ وبعددِ الكتبِ التي أصدَرَها، إنَّما يُقاس بالمستوى الذي يكتبُ فيهِ ، وهل هو مبدعٌ فيما يكتب أم لا ( بالكيف وليسَ بالكم ) . ولذلك فإنَّ معظمَ شعرائِنا المحلَّيِّين الشَّباب، وخاصَّة الناضجين منهم تجربة ً والمُبدعين فنيًّا مضلومون وَمُهملون من قبل النقاد، ومن قبل ِ بعض المسُوخ والأصنام ، الذين أصبحوا بحكم الظروف والمقادير ( كما ذكرتُ سابقا ) كأنَّهم أوصياء ومسؤولون في حياةِ ومسيرةِ وانطلاق ِ وشهرةِ الكتاب والشُّعراء … وفي مدى نجاح أو فشل هذا هذا للكاتب والشَّاعر أو ذاك وللأسف . إنَّ معظمَ النويقدين يفهمون ويُدركونَ هذهِ الحقيقةِ جيِّدًا . ( لا يوجدُ نقدٌ موضوعي في بلادِنا بالمفهوم الحقيقي للنقد حسب رأيي )، ولكنهم يسلِّطون الأضواءَ فقط على الأشخاص المعنيِّين بهم وعلى الكبيرين في السِّنِّ أحيانا ، وخاصَّة على ذوي المناصب والوظائف الوجيهة العالية والمتمكَّنين مادِّيًّا . فعندما تصدرُ لأولئك مجموعة ٌ ( شعريَّة كانت أو نثريَّة ) فيطرونهُم بالمديح الرَّخيص ِ المبتذل والمُترع بالرَّيَاءِ والكذب من أجل ِ الرَّفع من شأنهِم لمصالحِهم الشَّخصيَّة طبعًا ) حتى لو على حسابِ وتزييف للمفهوم الحقيقي لمقاييس ومضامين ومُقوِّمات وأسس الشِّعر والأدب . ومن المؤسفِ والمُضحك أنَّ صحفنا ومجلاتنا المحليَّة ما زالت منبرًا واسعًا لكلِّ هذه الترَّهات والخزعبلات الزَّائفة وَمرتعًا ومسرحًا لأولئك المُتشدِّقين . كتبَ مقدِّمة َ الديوان المرحوم الشاعر الكبير الدكتور جمال قعوار ( رئيس رابطة الكتاب والادباء العرب ( في الداخل ) والمقدمة ُ مقتضبة ٌ نوعا ما وجميلة وبريئة وفيها مديح وإطراء للشاعر هاشم بما هو أهلٌ لهُ ويشيدُ بمستواه الشعري الراقي وبدماثةِ أخلاقهِ ومناقبه الحميدة .
لا أريدُ الإطالة َ، وأودُّ أن ألقي نظرة ً لو قصيرة وشبه خاطفة على قصائد هذا الديوان وفحواها ، وأحَاولُ أن أقيِّمُهَا تقييمًا مختصرًا ومُبسَّطا ً وصادقا ً . من ناحية ٍ شكليَّةٍ جميعُ قصائد الديوان موزونة وتقسمُ إلى قسمين : 1) قصائد كلاسيكيَّة تقليديَّة . 2 ) قصائد تفعيليَّة .
إنَّ الشيىءَ الذي يلفتُ الأنظار أنَّ هاشمًا لم يدرُسْ علمَ العروض ( الأوزان الشِّعريَّّة ) فهو يكتبُ الشِّعرَ على السَّليقةِ مثلَ جميع ِالشُّعراءِ القدامى منذ العصر الجاهلي وصد الإسلام حتى أوائل العصر العبَّاسي ، وذلك قبل أن يضعَ علم العروض وقوانينه وأسسه العلاَّمة ُ الكبير " الخليل بن أحمد الفراهيدي " . في جميع قصائد هاشم لا نرى خطأ واحدًا في الوزن الشعري ، ونحنُ نعلمُ أنَّ هنالكَ من الشعراء القدامى من وقعَ في أخطاءٍ عُروضيَّة ، مثالٌ على ذلك : الأعشى الأكبر " صنَّاجة العرب " في معلَّقتِهِ " وَدِّعْ هُرَيرة َ " إذ يقولُ :(تسمَعُ للحلايِ وَسواسًا إذا انصَرفتْ كما استعَانَ بريح ٍعِشرق ٍ زجلُ ) .
إنَّ صدرَ البيت مكسور ( تسمعُ للحليِ وسواسًا إذا انصَرَفتْ ) وكانَ الأصح أن يقولَ : ( وتسمَعُ الحليَ وسواسًا ) . ونحنُ نرى هاشمًا بشكل ٍ عفويٍّ يكتبُ على الأوزان الخفيفةِ الرَّشيقةِ والمَجزوءَة ، وخاصَّة ً في مواضيع ِ الغزل ، فتأتي أشعارُهُ ناعمة ً رقيقة ً وجميلة ً وعذبة ً ومُسكرة ً للقلبِ والنفس ، ولا نجدُ لهُ قصيدة ً واحدة ً ذات ألفاظ نافرة تشمئزُّ منها الآذان ، فهو يبتعدُ عن الأوزان ِ الطويلة المُمِلَّة والألفاظِ الجافَّة التي ينفرُ منها المستمعُ .
من ناحيةٍ موضوعيَّةٍ يقسمُ الديوان إلى ثلاثةِ مواضيع رئيسيَّة ، وهي :
1 ) الغزل والوجدانيَّات .
2 ) الإجتماعيَّات – وهي أبيات مبعثة ٌ غير مستقلَّة لوحدِها ، مبثوثة ٌ ضمنَ القصائد الغزليَّة ويسودُها الطابعُ الوجداني والعاطفي .
3 ) قصائد وطنيَّة .
بالنسبةِ لقصائد الديوان حسب الكميَّة وحسب استقلاليَّتِها وترتيبها ، فمعظمُها غزليَّة ووجدانيَّة ، بإستثناء ثلاث قصائد وطنيَّة موجودة في آخر الديوان . وأنا ارى أنَّ هاشمًا مُبدِعًا ومُجيدًا في الشِّعرِ الوجداني والغزلي أكثرَ بكثير منهُ في الشّعر ِالوطني . فربَّما تجربتهُ الشَّخصيَّة على الصَّعيدين الإجتماعي والعاطفي الوجداني كانت تجربة ً جيِّدة ً وطويلة ً ، قد صقلتْ فيها موهبتهُ وفتحت آفاقهُ الشِّعريَّة ورؤاهُ الحالمة في هذا المضمار . وامَّا في الجانبِ الوطني ، فلأنَّهُ لم يعِشْ قضايا شعبَهُ عن الفلسطيني كثبٍ ، أي لم يعِشْ تلكَ الظروف بحذافيرها كالتي عاشَهَا بعضُ الشُّعراءِ الفلسطينيِّين السِّيايسِّين ولم يذقْ الظلمَ والمُعاناة َ ، لم يُسجَنْ وَيُعَذبْ وَيلاحق من قبل ِ السُّلطةِ ، ولم تواجهْهُ أيَّة ُ مشاكل مادِّية .. إلخ . فلهذا لم يُبدعْ كما يجب في هذا المجال . وأستطيعُ أن أقولَ إنَّهُ أخفقَ بعضَ الشِّيىء في مضمار الشعرِ الوطني الملتزم .
أمَّا في قصائِدهِ الغزليَّةِ والوجدانيَّة فنلمسُ شيئين رئيسيَّين : نلمحُ طابعًا غزليًّا محضًا وعاطفة ً حزينة ً ذائبة ويائسة خارجة ً من نفس ٍ ُمتوتِّرةٍ وقلبٍ مُمَزَّق ٍ وبائس ٍ ، أي نرى قصائدَ طابعَهَا بكاء ووحُزن وحنين ورجاء وخُضوع من أجل ِ إرضاءِ الحبيب ، مثالٌ على ذلك : قصائد ( " أنت ذكرى " . " وداعا أيها القمر " – صفحة 39 – 41 ) . وهنالكَ بعضُ القصائد الغزليَّة لها نكهة ٌ ثانية مختلفة ، وتحملُ في طيَّاتِها معاني أعمقَ وأبعادًا فلسفيَّة ، مثال على ذلك قصيدة : ( " عيناكِ تغريني " – صفحة 26 . وقصيدة ( " كانت بالأمس " – صفحة 34 ) . ولعلَّ أعذبَ وأجملَ قصائد لديوان قصيدة " نورما " ، وقصيدة " حنيني إليكِ " .
وأخيرًا نتمنَّى للشَّاعر المبدع والمتألِّق الشَّاب " هاشم دغش " المزيد َ من العطاء والإنتاج والإصدارات الجديدة شعرا وأدبا في الوقت القريب .