المرافقة الروحانية.. مهنة جديدة وإنسانية
تاريخ النشر: 09/02/16 | 18:06حاولت تمام إخفاء ريبتها وحرجها حينما تَقدمتُ نحوها في قاعة الانتظار وهي جالسة برفقة زوجها تنتظر موعد العلاج الكيماوي في قسم الأمراض السرطانية في أحد المراكز الطبية في حيفا. حاولت جاهدا أن اشرح لها ولزوجها من أنا، طبيب عائلة من مجال الطب التقليدي وأتخصص بالطب المدمج، اعمل مع طاقم متعدد الخبرات، من الطب الصيني والتقليدي حتى المرافقة الروحانية، وما هو الطب المدمج وما الفائدة التي قد تحصل عليها من خلال اللقاءات. وعلى الرغم من شرحي لاحظت على وجهها علامات الاستفهام ما زالت بادية. وازداد حرجها عندما علمت أن اللقاءات المقترحة في المركز الطبي أسبوعية بالإضافة للزيارات للقاء أخصائي الأورام السرطانية. فليس من السهل على تمام أن تسافر مدة ساعة بالمواصلات العامة من بلدتها إلى حيفا وان يضطر زوجها بمرافقتها بكل زيارة. حياة تمام الاجتماعية والاقتصادية ازدادت تعقيدا ومشقة منذ أن عصف سرطان الثدي بحياتها واكتُشف في مرحلة متأخرة وانتشر بعيدا في غشاء بطنها. تمام في الأربعين من عمرها ولها ٤ أولاد، أصغرهم عمره سنتان، تلبس اللباس الإسلامي التقليدي، نشيطة وواثقة من قدراتها، مارست مهنة مدققة حسابات وإدارة روضة أطفال في حيها، وقبل مرضها الحالي كانت المعيلة الأساسية بعد أن أصبح زوجها عاطلا عن العمل.
على الرغم من محاولة طبيبة الأمراض السرطانية أن تهدئ من مخاوف تمام وتزرع بذرة التفاؤل بإمكانية العلاج الناجع لهذا النوع من السرطان، بقيت تمام قلقة على مستقبلها ومستقبل عائلتها، واستصعبت النوم والراحة وهدوء البال. ولهذا السبب أشارت عليها الطبيبة بلقاء طاقم العلاج المدمج في قسم الأمراض السرطانية.
بعد اللقاء الأول الذي دام أكثر من ساعة وتخلله إصغاء عميق ومفصل لمراحل مرضها وخليط من العلاجات بالإبر الصينية والأعشاب الشعبية والتعرف على مركبات حياتها وصحتها المتعددة، خصوصا نوعية الإيمان الذي يغذي طاقاتها في مواجهة السرطان، شعرت تمام بالراحة النفسية والهدوء، خصوصا بعد الحديث في اللقاء المميز مع المرافقة الروحانية التي تعمل في الطاقم، وعلى الرغم من مشقة السفر قررت تعيين موعد للقاء الأسبوع القادم. عاودت تمام لقاء المرافقة الروحانية كل أسبوع، وعندما استلمت جواب فحص طبي يشير إلى انتشار السرطان لفقرات العمود الفقري، سمحت تمام لنفسها مشاركة المرافقة الروحانية مشاعر الإحباط والبكاء ومن بعدها جددت عزمها على مواصلة المسار بهدوء وثقة تامة بما يؤول عليها القدر.
المرافقة الروحانية (بالانجليزية(Spiritual Care بدأت في سنوات التسعين وانتشرت في المستشفيات والمرافق الصحية في الولايات الأمريكية وكندا ثم أوروبا وأصبح المرافق الروحاني جزءا من الطاقم الطبي الذي يهتم باحتياجات المريض الجسدية النفسية الاجتماعية والروحية. وفي البلاد بدأت هذه المهنة بالظهور في المستشفيات المركزية مثل هداسا وشعاري تسيدك وتل هشومر وايخلوف ورمبام وخاصة في أقسام الأمراض السرطانية.
أن ما يميز المرافقة الروحانية عن عمل العاملة الاجتماعية والمعالج النفسي أو الطبيب هو قدرة المرافق الروحاني على إفساح المجال والحيز للمريض الذي يواجه مرضا عصيبا كي يتواصل مع ذاته ومع مصادره الروحانية والتي تمده بالطاقة والمقدرة على الاستمرار بمسيرة حياته اليومية على الرغم من المرحلة المرضية التي تواجهه، من خلال الإصغاء العميق والنقي لاحتياجاته والبحث معا عن مصادر الطاقة الذاتية لديه.
يأتي ذلك عن طريق استعمال المرافقة الروحانية أدوات من الفن الى الشعر والنصوص الادبية وحتى النصوص الدينية والصور والرسومات وكل ما يمكنه أن يثير لدى الشخص المريض أو الذي يعيش فقدانا أو حدادا، الشعور بأن هناك من يرافقه في حالته المظلمة هذه، يصغي له ويراه ولا يتهرب من شكواه المؤلمة، يفهمه ولا يحكم عليه أو يلومه أو يحثه على الانتقال من هذه الحالة والتصرف بشكل “إيجابي”. في ذلك الحيز تكون كل التساؤلات مشروعة حتى تلك المتعلقة بالموت ومعنى الحياة وطعمها في ظل المأساة. يعزز هذا الامر من إحساس الشخص بأنه ليس وحيدا، وبأنه ليس مريضا أو حزينا فقط بل إنه اكبر من مرضه أو فقدانه، وبأنه قادر على استحضار طاقاته التي تساعده على الاستمرار الى جانب مأساته ورغم وجودها.
مهنة المرافقة الروحانية هي مهنة حديثة في المجتمع العربي وتقام الدورة الاولى باللغة العربية للتعريف بالمرافقة الروحانية في شهر نيسان المقبل في مكاتب جمعية مريم في الناصرة، من قبل كلية رمبام- يدع.
بقلم: قاسم بدارنة/ جمعية التاج