الصدق والثبات
تاريخ النشر: 14/02/16 | 0:26 يعرف الصدق وفقاً لمعناه العام السائد بين الناس على أنه قول الكلام المطابق للحقيقة، غير أنّ للصدق معاني أكبر وأعمق من هذا المعنى بمرات، فتَحت مصطلح الصدق يندرج تمثُّل الأخلاق الرفيعة والفاضلة، وتصديق القول بالعمل، وإظهار المُبطَن داخل النفس وعدم أخفائه بغية التنفُّع أو التزلُّف إلى شخص معين أو فئة معيّنة كما يفعل البعض ممن يتّصفون بصفة النفاق السيئة، والتي تعطي انطباعاً سلبياً جداً عن الإنسان. من أهم أنواع الصدق أيضاً الصدق مع النفس، مما يحقق للإنسان انسجاماً داخلياً يساعده على الارتقاء بنفسه وروحه، وتلمُّس مواضع الزلل لديه، والسعي الدؤوب لمعالجتها وحلها، فلو لم يمتلك الإنسان الصدق مع نفسه، لكان ضائعاً حيران، فاقداً للقدرة على مراجعة الذات وانتقادها إيجابياً من أجل النهوض بها.
للثبات أيضاً العديد من التطبيقات والأشكال المختلفة والهامة، ولعلَّ أبرزها وأكثرها شيوعاً الثبات على المبدأ والموقف، ومن هنا فإن الثبات يستلزم قوة داخلية كبيرة لدى الإنسان، وروحاً عظيمة، ونفساً توّاقة للخروج من وحل الواقع الرديء إلى جنان الحرية والحضارة، وعند ذكر الثبات على المبدأ فإن ذلك قد يعني أي شيء إلا الثبات على الباطل، والمواقف الشريرة، فعندئذ تستحيل هذه الصفة إلى معاندة ومكابرة مما يؤدي إلى هلاك الفرد واضمحلاله.
قد يلاحظ الإنسان بمجرد تفحّصه بشكل أولي لهاتين الصفتين الهامتين عدم وجود علاقة ظاهرة بادية للعيان بينهما، غير أنّ الواقع يشير إلى عكس ذلك، فالثبات على الفكرة أو المبدأ أو الموقف ينتج عن الصدق بالدرجة الأولى خاصة الصدق مع النفس، فلو خدع الإنسان نفسه وحاول تبنّي فكرة غير مقتنع بها، فإنه سيكون كالريشة في مهب الريح، أما عندما يختار الإنسان أفكاره ومبادئه عن قناعة وعلم راسخَين فإنه حتماً سيثبت مهما كانت الصعوبات التي تواجهه.
وفي زمن ضياع الحقوق، وتضييعها، ومرور شعوب العالم بكافة مستوياتها بالمآسي، والحروب، والمشكلات الاجتماعيّة، فقد كان لزاماً على جميع الأفراد في مختلف بقاع العالم السعي الدائم وراء الحقيقة، ثم الصدق مع النفس في تبني الأفكار والمبادئ، والثبات عليها طالما وجدت القناعة التامة والمطلقة بصلاحيتها وصحتها، أمّا في حال تبيّن ضلال الفكرة أو المبدأ فإنه من الضروري العدول عنها مباشرة، وإعادة البحث مرة أخرى.