أليس في أعماق البحار

تاريخ النشر: 20/02/16 | 1:59

كَانَتْ أَليْس عَلَى مَتْنِ السَّفِيْنَةِ تَمَتَّعُ بَصَرَهَا بِجَمَالِ الْبَحْرِ، وإِذْ بِفَرَاشَةٍ تَحُطُّ عَلى كَتِفِهَا.إنْبَهَرَتْ بِجَمَالِهَا وَاسْتَغْرَبَتْ وُجُودَهَا فِي عرْضِ الْبَحْرِ، وَازْدَادَ انْدِهَاشُهَا عِندَما نَادتهَا بِاسْمِها مُرَحِّبَة: “مَرْحَبا أَلَيْس.”
أَجَابَتْهَا الْفَتَاةْ:” مَرْحَبا…وَكَيْفَ عَرَفْت اسْمِيْ ؟”
-“أَلَمْ تذكرِينِي؟ أَنَا أُبِسَلامُ، صَديقتك أَيَّام كُنْت فِي بِلَادِ الْعَجائب، أَنَا تِلْكَ الْيَرَقَة الْتّي وَاسَتَك فِي تِلكَ اللَّيْلةِ الْمَصِيرِيَّةِ حِيْنَ دُعِيت لِمُقَاتَلةِ ذَلِكَ الْتِّنِّيْن الْقَابِع بِالقَلعَةِ. وَهَا كَمَا تَرينَ قَد أَصْبَحَتُ فَرَاشَةً جَمِيلة بَعْدَ صَبْرٍ طَوِيْل.
” فَرِحَتْ أَلَيْس بِصَدِيقَتِهَا وَرَفْرَفَتِ الفرَاشَة تُعَبِّرُ عنَ فَرْحَتهَا بِالَلِّقَاءِ،وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ عَنْ إِعْجَابهَا بِجَمَالِ الْبَحْرِ. فَقَالَتْ وَهيَ تَحَاور صَدِيْقتها:
“يَا لَهَذا المَنْظَرِ الْبَدِيع الَّذِي لَا تُحَدُّ لَهُ رِحَاب، فَإِنْ كَانَ سَطْحُهُ بِهَذَا الْجَمَالِ فَكَيْفَ تَتَصَوَّرَين رَوْعَةَ أَعْمَاقِهِ ؟
أَرْدَفت أَلَيْس:” أَنَا أَيْضا يَدْفعُنِي فُضُولِيِ إِلَىَ كُنْهِ أَسْرَار البِحَار.
قَالَت الفرَاشَة:” مَا رَأيُك لَوْ نَغُوصُ فَي أَعْمَاقِهِ وَنَكْتَشِف دُرَرَه ؟
ردَّتْ أَلَيْس وَنَبَرَاتُ صَوْتهَا تَبوحُ بِالتَّرَدُّدِ إِن لَمْ يَكُن الْخَوْف:
“الآَنَ…وَكَيْفَ….؟ لا طَبْعا…… لا أَسْتطِيعُ…”
-:” وَلِمَاذا ؟ إِنِّي لأَرَاها رِحْلة جدَّ مُمْتِعَة.
“قَالَت الْفَرَاشة. _” وَلَكِنّي لَا أحْسِنُ الْغَوْصِ.” ردَّت أَلَيْس.
أَضَافَت الْفَرَاشَة وَهِيَ تُشَجِّعُها وَ تَحُثُّها عَلى الْمُغَامَرَةِ
:” مَا عَهدْتُك تَخَافِينَ، عَرَفْتُك شُجَاعَة لا تَهَابِينَ المُغَامَراتِ.
” _نَعَمْ أَهْوَى الْمُغَامَرَة وَلكِن….
_إِذنْ هَيَّا بِنَا.هَيَّا لا تَتَرَدَّدِي.
قَدْ يَدْفَعُها الْفُضُول لِاسْتِكْشَافِ عَوَالِمَ جَدِيدَة، وَلَكِن فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ ظَلَّتْ أَلَيْس فِي مَكَانِهَا يَشُدَّهَا الْخَوْف مِن المَجْهُولِ.
غَيْرَ أَنَّ أبِسَلام اسْتغلَّت لَحَظَاتِ التَّرَدُّدِ، فَتَظَاهَرت بِالإِغْمَاءِ وَصَارَتْ عَلَى سَطْحِ الْمَاء تَلْطمُهَا الأَمْواجُ، فَذُعِرَتْ أَلَيس وَخُيِّلَ إِلَيْهَا أَنَّ مَكْرُوها أَلَمَّ بِصَدِيقتِهَا فَفزعَتْ، وَدُونَ وَعْي أَلْقَتْ بِنَفْسِهَا فِي البَحْرِ، رَغمَ أَنَّهَا لا تُحْسِنُ السِّبَاحَة فِي المِيَاهِ الْعَمِيقَة.
وَحِينَ لَامَسَتْ أَنَامِلُهَا الْفَرَاشَة، انْبَعَثَ مَن الْسَّمَاءِ ضَوْءٌ سَاطِعٌ انْعَكَسَ عَلَىَ صفَحَاتِ الأَزْرَق، وَفَجْأَةً تَحَوَّلتْ أَلَيْس إِلَى عَرُوس بَحْرٍ،

انْدَهَشَتْ أَلَيْس لِهَذِهِ الْصُّوَرَة التّي صَارَت عَلَيْهَا، وَأذهْلها هَذا الْجِسْم الْجَدِيد الَّذِي عَلِقَ بِهَا، وَصَارَتْ مُوَزَّعَة بَيْنَ الْحِيِرَةِ وَالَذُّهُولِ، غَيْرَ أَنَّ الْفَرَاشَة أبِسَلام طَمْأنْتها وَأَخْبَرْتها بِأَنَّهَا سَتَبْقى عَلَى هَذِهِ الْحَال شَرَطَ أَنْ لَا تَعَرَّضَ نَفْسهَا إِلَىَ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ، لَوْ ترغب فِي اسْتِكْشَافِ عَالِم البِحَار.فَلَمْ تَجِدْ لَهَا مِنْ خِيَار سِوَى أَنْ تَغُوصَ فِيْ عُمْقِ الْمَاءِ،فَأَغْمَضت عَيْنَيْهَا وَكَتَمت أَنْفَاسَهَا وَاسْتَسْلمَتْ لْمَصِير غَامِض يَنْتَظِرُهَا.وَعَلَىَ بُعْدِ عَدَّةِ أَمْتَارٍ فَتَحْت عَيْنَيْهَا وَكَمْ كَانَتْ دَهْشَتُهَا كَبِيرَة حِينَ فتحَتْ عَيْنَيْهَا وَرَأَتْ جَمَال الْبَحْرِ
:رَأَتِ الأَعْشَاب البَحْرِيَّة الْخَضْرَاءَ تَتَرَاقَصُ مَعَ التَّيَّارَاتِ الْمَائِيَّة، وَحَوْلَهَا تُحومُ أَسْمَاك صَغِيرَة مُزَرْكَشَة بِأَلُوان الشّمسِ بَدَتْ زَاهِيَةً، كَأَنَّهَا مِائَة قَوس قُزَح، تَتَرَاقَصُ حَوْلهَا مُرَحِّبَة،تَلوذ إِلَى صُخُورِ كَبِيرَة اخْتَلَفتْ أَشْكَالهَا وَأَحجَامهَا وَأَلْوَانُهَا فَزَادَتْ الْمَكَان رَوْعَة وَجَمَالا.
وَبَيْنَمَا كَانَتْ أَلَيْس مُسْتَمْتِعَة بِهَذِهِ الْمَشَاهِد الْرَّائِعَةِ الّتي تَأْخُذُ بِالْأَلْبَابِ،رَأَتْ أَسْمَاكا كَبِيرَةً، أَسْنَانهَا كَالْمِنْشَار فَفَزِعَتْ لمنظرها وَظَنَّتْ أنّ الْخَطَر يُدَاهِمُها، وَلَمَّا صَارَتِ الأَسْمَاكُ عَلىَ مَقْرُبَةٍ مِنْهَا بَدَتْ مُسَالِمَة وَأَظْهَرت لَهَا السَّكِينَة حَتَّى يَطْمَئِنَّ بَالُهَا وَتَأنَسَ بِهَا،عِنْدَهَا غَمَرَت السَّكِينَة أَلَيْس وَتَنَفَّسَّت الصُّعَدَاءَ وَاسْتَأنَفَتْ رِحْلَتَهَا مُطْمَئِنَّة.
وَبَيْنَمَا كَانَتْ تَجُولُ بِبَصَرِها فِي الأَرْجَاءِ الْوَاسِعَة، إِذْ بِهَا تَرَى سُلحفَاة عِملاقَة تَتَأَوَّهُ مِنْ مَكرُوهٍ أَلمّ بِهَا، فَاتَّجَهْتُ إِلَيْهَا. رفعتِ السُّلَحْفَاةُ رَأسهَا مُسْتَغِيثَة تَطْلُبُ النَّجْدَةَ. عِنْدَهَا لَمْ تَتَرَدَّدْ أَلَيْس، فَاقْتَرَبَتْ مِنْهَا لِتَسْتَطْلعَ أَمْرَها، وَيَا لَهَوْل مَا رَأَتْ،لقدْ عَلِقَتْ إِحْدَى زَعَانِفهَا بِقُضْبَان سَفِيْنَةٍ أُكلهَا الصَّدَأ، فَاحْتَدّت وَصَارَتْ كَالَسّكّيْنِ الْحَادَّةِ تقطَع كلّ ما عَلق بِهَا

أَخَذتْ أَلَيْس وَهِيَ تَتَوَخَّى الْحَذرَ تُحَاول أَنْ تُخَلِّصَ السُّلَحْفَاة مِنْ خَطَرِ قَدْ يُؤَدِّيَ بِحَيَاتِها. وَبَعْدَ عَنَاء تَخَلَّصَت السُّلَحْفَاةُ مِنْ وحلها وَاسْتَعَادَتْ حَرَكَتهَا وَانْطَلَقت تَضْرِبُ الأَمْوَاج بزَعَانفهَا، وتُصَارعهَا بِكُلِّ مَا أُوْتِيَتْ مِن قُوَّةِ وَأَلَيْس إِلَىَ جَانِبِها.

وَاعْتِرَافَا مِنْهَا بِالْجَمِيلِ قَادَت مُنقذتها إِلَىَ مَكَانِ لَمْ تَقعْ الْعَيْن عَلىَ أَجَمَل مِنْهُ:أَلْوَان مِنْ زُرْقَة مُتَمَوِّجَة يُخَالِطُ فِيهَا الأَزْرَق أَلْوَانَا بَنَفْسَجِيَّة وَبُرتُقالِيّةً وَشَيْئَا مِنْ خُضْرَةٍ وَبَيَاض. وَبَيْنَمَا كَانَتْ أَلَيْسَ مَشْدُوْدَة إِلَىَ تِلْكَ الْمَنَاظِر الْخَلْابَة وَدَّعْتها صَدِيْقتهَا السُّلَحفاةُ شَاكِرَةً لَهَا مَعْرُوفهَا آمِلَة فِي لِقَاء قَرِيب فِي مَكَانٍ آَخَرَ فِي عَرضِ هَذا الْبَحْر الوَاسِع الَّذِي لا تُحَدُّ لَهُ رِحَابِ..
أَمَّا أَلَيْس فَقَدْ قَطعَ شُرُودهَا وَذُهُولهَا جِسْمٌ ضَخْمٌ بَدَا لَهَا فِي ظَاهِرِهِ كَأَنَّهُ الصَّخْرَةِ، فَاقْتَرَبَتْ مِنْهُ تَتَحَسَّسهُ وَتَتلَمَسهُ، غَيْرَ أَنَّ التَّيَّار الْجَارِف لَمْ يُمْهِلهَا، فَهَوَىَ بِهَا فِي ظُلمَاتِ جبَّ لَا قَرَارَ لَهُ.

فَدَوَّى صُرَاخهَا فِي أَعْمَاقِ الْصَّمْتِ، وَاحْتَضَنَتْها ظُلْمَة حَالِكَة ضَاعَفْتَ خَوْفهَا وهَلعَهَا وَأُصِيْبَتْ بِادِئِ الأَمْرِ بِدوار لَكِنَّهَا سرَعَان مَا اسْتَعَادَتْ تَوَازُنهَا وَبَدَأَتْ تسبِحُ فِي الْحَوْضِ.
وَفَجْأَة تَبَدَّدَتْ الظُّلْمَة نُوَرا وَأَضوَاءُ تَكَادُ تَخطفُ الأَبْصَار.عندهَا أُخذتْ أَلَيْس نَفْسا عَمِيقا لتَسْترَجعَ قوَاهَا وَتَقوَى عَلَى اسْتِيعَابِ الأَحْدَاثِ الَّتِي أَحَاطَتْ بِهَا. وَبَدَأَتْ تَتَنَقَّّلُ فِيْ ذَلِكَ الْحَوْضِ تسْتَكْشِف أَسْرَارَهُ وَخَفَايَاهُ.
وَفَجْأَةً يُبَاغِتُهَا جِسْم عَجِيْبٌ وَغَرِيبٌ لَمْ يُثِرْ خَوْفهَا بِقَدْر مَا أَثَارَ إِعْجَابَهَا وَانْبْهَارهَا بِشَكْلِهِ وَأَلْوَانه:هُوَ جِسْمٌ مِغْزَلِيّ تَكْسُوُه أَلْوَان تُشْبِهُ الْخَميلَة وتَعلوهُ صدفة. أَمَّا ذَيْلَهُ فمُقَوِّسُ كَالهِلالِ.
وَظِلٍّ يَتَحَرَّكُ حَوْلهَا فِيْ بَهْجَةٍ وَفَرح مُبْدِيًا تَرحِيْبَه بِـأليْسَ،وَقَالَ وَهُوَ يُحَاوِرُهَا:
“مرحبا بِك فِي بَحْر الْعَجائب،أَنا أوزبِلار ابْنُ مَلك البِحَار وأَنْت من تَكونيْنَ وَكَيْفَ جِئت إِلَى هَذا المَكَانِ؟
“ردَّتْ أَلَيْس وَقَدْ قَيَّدَ الإِعْجابُ لِسَانهَا:”
إِنِّيَ فَرِيْسَة فُضُولِيِ وَحُبِّي لِلمُغَامَرَةِ
” أَضَافَ أوزِبِلار مُطْمَئِنا ضيَفته
:”لا تَنْزعَجي.أَنْت هُنَا فِي جَوْفِ الإِسفنج البَحْرِي وَهُوَ حَيَوَانٌ ضَخْمٌ تَلْتَصِقُ بِهِ الأَصْدَافُ ونَجَمَات البَحْرِ.
أَمَّا عَن التَّيَّار الذِي أوْدع بِك إِلَى هَذا القاعِ فَهُوَ يُسَاعدهُ عَلىَ الحُصُولِ عَلَىَ غِذَائِهِ ثُمَّ يَتَخَلَّصُ مِن البَقايَا الَتِي لَمْ تُهَضَمْ فَتَخْرُجُ مِن الفتْحَةِ المَوجُودَةِ أَعْلاه وَالَّتِي يَصِلُ قَطْرهَا إِلىَ المِتْرِ.
” عِنْدَهَا هَدَأَتْ أَلَيْس وَارتَاحَ بَالُهَا. لاحَظَ أوزبِلار أَنَّ أَليْس مُرْهَقَة،فَدَعَاهَا أَنْ تُرَافِقَهُ إِلَى قَصْرِ وَالِدَيْهِ وَهُنَاكَ تنالُ قِسْطا مِن الرَّاحَة وَ تَتَعَرَّف عَلى أُسْرَتِهِ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْ أَرْبَعٍ سَمَكَاتٍ.
رَحَّبِتْ أَلَيْس بِالدَّعوَةِ وَسَعِدَتْ بِهَا. وَفِي طَرِيقهمَا أَرَادَ أوزِبِلّار التَّعَرُّف أَكْثَرَ عَلَى أَلَيْس فَسَأَلَهَا مَنْ تَكُونُ وَمنْ أَيْنَ جَاءَتْ فَرَوَتْ لَهُ قِصَّتَهَا كَامِلةً مُنذُ كانتْ فِي بِلادِ الْعَجائب إِلَى أَنْ وَصَلَتْ إِلَىَ قَاع الإسْفنْج.فَأُعْجِبَ أَمِيرِ البِحَار بِشَجَاعَة أَلَيْس.
وَبَعْدَ وَقْت غَيْر قَصِير قَادَهَا أزبِلار نَحوَ صَخْرَةٍ تُشْبِهُ الْهَرَم حَيْثُ يَعِيْشُ الْمَلِكُ وَزَوْجَتُهُ وَابْنْتهُما. وَكَمْ كَانَتْ دَهْشَة أَلَيْس كَبِيرَة حِينَ رَأَتْ رَوْعَة جَمَالِ المَكَانِ:
أَصْدَاف اخْتَلَفَ شَكْلهَا وَحَجْمهَا وَفِيهَا الأَلوَان قَدْ تَبَايَنَتْ وَتَمَازَجَتْ، وَبَدَتْ تِلْكَ الْصَّخْرَة مُرَصَّعَة بِالحِجَارَةِ الكَرِيمَةِ،مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقوْتٍ وَزُمُرُّدٍ وَ وفيروز.
إِنَّهَا لعمري صورَة فَنِّيَّة تَأْخُذُ بِالْأَلْبَابِ.

قَادَ أوزبِلار ضَيفته وَقَدَّمَهَا لِأُسْرَتِهِ، فَحَصَلَ التَّعَارُفُ وَاقْتَرَحَتْ عَليْهَا أُخْت أوزبِلار البَقَاء عِنْدَهُمْ عِدّة أَيَّامٍ، فقبلت أَلَيْس الدَّعْوَة بِسُرور. وَخِلالَ هَذِهِ الأَيَّام السَّعِيدَة الَّتِي قَضَتْهَا أَلَيْس فِي قَصْرِ أَمِيرِ الْبِحَار،نَمَت العلاقَة بَيْنَهَا وَبَيْنَ أوزبِلّار،
فَعَرَضَ عَليْهَا الزَّوَاج وَحَادَث وَالِدَيْهِ بِالْمَوضُوع فتفاجَأتِ الْأُمُّ وَنَزَلَ عَلَيْهَا الخَبَر نُزُول الصَّاعِقَة، فَكَيْفَ تَزَوَِّجَ ابْنَهَا الوَحِيدَ مِن فَتَاةٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ،فَهِي مِنْ سُكَّانِ الْيَابِسَةِ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَحْرِ؟ فَعَارَضته بِشِدَّةٍ وَأَظهرت غَضَبها وَاسْتِنْكارهَا غَيْرَ أَنَّ أوزبِلار تَشَبَّثَ بِمَوْقِفِهِ مُعْتَقِدَا أَنَّ الأَيَّام كَفِيلة بِأَنْ تجْعَلَ أُمّهُ تَعْدِلُ عَنْ مَوْقِفِهَا.
أَمَّا الْأُمُّ فَلَمْ يُكَحِّل النَّوْمُ لَهَا جفنا،وَلَنْ يَهْدَأ لَهَا عَيْش إِلَا بَعْدَ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْ هَذِهِ الْضّيَفَةِ الْتّيّ عَكَّرت صَفْوَ حَيَاتِهَا، وَلِذَلِكَ ظَلَّتْ تُفَكِّرُ فِي طَرِيقةٍ تَتَخَلَّصُ بِهَا مِنْهَا.
وَفِيْ وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِن ذَات لَيْلَةٍ خَيَّمَ فِيهَا السُّكونَ عَلَى الْقَصْرِ، وَغَطّ الجمِيع فِي نَومٍ عَمِيقٍ، تَسَلَّلَت المَلِكَةُ إِلَى غُرْفَةِ أَلَيْس وَجَرَّعْتهَا مَشْرُوُبا كَانَتْ قَدْ دَسَّتْ فِيهِ مِنَوَّمَا، وَلَمْ تَنْتَظِرُ طَوْيِلا حَتَّىَ صَارَت الْفَتَاةْ جُثَّة لَا حَرَاك لها، فَجَرّتها خَارِجَ القصر وَسَبَحَت بِهَا غَيْرَ بَعِيْدٍ وَأَسْلَمَتْهَا إِلَى الأَمْوَاج العَاتِيَة الَّتِي جَعَلَتْ تَتَقَاذفهَا وَتَتَلَقَّفهَا.

لَمَّا صَحَتْ أَليْس وَجَدَتْ نَفْسَهَا مُلقاة عَلَى شَاطِئ رَمْلِي تَغْمُرُها الشَّمْس بِأَشِعَّتِهَا فَتَبْعَثُ فِيها الدِّفْء وَالعَافِيَة.
وَكعَادَتِهَا حَكَّتْ عَيْنَيْهَا مُحَاوَلَةً اسْتِرْجَاع مَا حَدَثَ مَعَهَا:أَيْنَ كَانَتْ ؟ وَكَيْفَ جَاءَتْ إِلى هَذا الشَّاطِئ ؟ وَمَتى كَانَ ذلِكَ ؟ ولمَّا فَتحت عَيْنَيْهَا الْتَقتْ بِسَمَاء زَرْقَاء صَافِيَّةٍ، تُزَيِّنُهَا سَحَابَة كَأَنَّهَا الصُّوفِ المَنْفُوْش تُحَلِّقُ حَولهَا طُيُورُ النَّوْرَس، وَفَجْأَةً أَحَسَّتْ أَلَيْسَ بَرَفْرَفةِ جَنَاحَيْنِ تُلَامِسُ خَدَّيْهَا إِنَّهَا صَدِيْقتهَا الفرَاشَة أبِسَلام تَحُطّ مِنْ جَدِيد عَلى كتِفِهَا…..

203

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة