القائمة المشتركة: مقاربة نِسْوية
تاريخ النشر: 26/02/16 | 0:50القائمة المشتركة: مقاربة نسوية/د. تغريد يحيى-يونس
أجابت القائمة المشتركة إلى مطلبٍ راوَد الجماهيرَ الفلسطينيّة في الداخل عشيّة كلّ انتخابات قطْريّة، يتلخّص في وحدة الأحزاب العربيّة المشارِكة في الكنيست ضمن قائمة واحدة، وهو ما تَحوّل إلى مطلبٍ مُلِحّ عشيّة الانتخابات البرلمانيّة العشرين في إسرائيل في آذار عام 2015، لتأخذ “لجنة الوفاق الوطنيّ” دورًا في السعي لتحقيق المطلب. شكّلت القائمة المشترَكة مواجَهة لخطر رفع نسبة الحسم (إلى 3.25 %) على الأحزاب والحركات السياسيّة العربيّة، الرامي إلى الإلقاء بالمواطنين الفلسطينيّين خارج اللعبة السياسيّة، وجاءت بمثابة “علاج”، لَحْظيّ على الأقلّ، لعزوف نسبة منهم لا يُستهان بها عن المشاركة في الاقتراع، وبمثابة جواب على الخطاب اليمينيّ المتصاعد الهادف إلى نزع الشرعيّة عن ممثّليهم من أعضاء كنيست ورؤساء حركات سياسيّة أخرى.
أثارت القائمة المشتركة -وما زالت- اهتمام الجمهور والصحفيّين والباحثين خلال الفترة التي سبقت الانتخابات والفترة التي تلتها، فتناولوا أجواء تشكيلها، وطبيعة تركيبتها، وتأثيراتها المحتملة على السياسة الفلسطينيّة في الداخل (وفي الضفّة وغزّة كنموذج للوحدة المنشودة بعد طول انشقاق) وعلى العمل البرلمانيّ، وتعامُل السلطة المركزيّة في إسرائيل والإعلام العبريّ معها. كذلك أطلقوا اجتهاداتهم للتنبّؤ بعمرها بعد الانتخابات بين انفراط وانقضاء، ودوام وبقاء، استمرارًا لبداية عهد جديد للعمل السياسيّ البرلمانيّ للفلسطينيّين في الداخل وبعامّة. وسط كلّ هذا، غُيّب عن النقاش البُعدُ الاجتماعيّ إجمالًا والنسويّ تحديدًا، وهو ما تحاول هذه المقالة المقتضبة تناوله. في هذه المقالة، أقدّم قراءة جندريّة للقائمة المشتركة، وأطرح مقاربة لفهم غياب النسويّ، وأَخْلُصُ إلى استقراء للقدرة الكامنة في القائمة المشترَكة، وبشكل مناقض ظاهريًّا، ما يجعلني أتوخّى منها العمل للدفع نحو تغيير في الاجتماعيّ عمومًا والنسويّ خصوصًا وتسييسهما.
ادّعائي الرئيسيّ هو أنّ غياب وتغييب النسويّ من النقاش حول القائمة المشتركة، والهيئة التي جاء فيها النسويّ ضمن برنامجها، لا يشكّلان تعبيرًا عن الفصل والتمايز بين السياسيّ والاجتماعيّ عمومًا، وعن المفاضلة بين القوميّ والوطنيّ والنسويّ فحسب، بل هما كذلك انعكاس لتراكم طبقات منفصلة من التغييب، ولتضافر وتفاعلات عملت في ما بينها في سياق تشكيل القائمة؛ إذ من جهة أولى يأتي تفاقم السياسات والممارسات الاستعماريّة الاستيطانيّة بوصفها السياقَ الأشمل، ومن جهة ثانية تقع قلّة شأن النسويّ في أَجِنْدات معظم الأحزاب والحركات السياسيّة منفردة وتغيب عن بعضها بالكامل، ومن جهة ثالثة تتربّص الاضطرارات والظروف المصيرية بالتجربة الأوّليّة للقائمة المشتركة، لتشكّل هذه كلّها -منفردةً ومجتمِعةً ومتراكمةً ومتضافرة- تغييبَ النسويّ كتحييد لـِ “منطقة الألغام”، مقابل اللعب في المساحة الآمنة من الحدّ الأدنى المشترك بين المركّبات السياسيّة في القائمة، في مسعى لضمان خروجها إلى الوجود. لكن بموازاة هذا، أدّعي أنّه -على النقيض ظاهريًّا- قد ينطوي السّياق نفسه بطبقاته وديناميكيّاته وأهمّ مستجدّاته والمتمثّلة بوجود القائمة المشتركة في الفضاء السياسيّ، قد ينطوي على مَكامن قويّة للتعاطي مع النسويّ والاجتماعيّ، ومَكامن لتسييسهما، أقلّه على مستوى التوخّي.
تتركّز مقاربتي الجندريّة للقائمة المشتركة في ثلاثة محاور رئيسيّة: محور التمثيل؛ محور الأَجِنْدة؛ ومحور المشارَكة.
محور التمثيل
من بين مئة وعشرين مرشّحًا ومرشّحة للقائمة المشتركة، كان عدد النساء أربعًا وعشرين (24)؛ ثماني عشرة (18) منهنّ عربيّات فلسطينيّات، وستّ (6) نساء يهوديّات. أي إنّ نسبتهنّ بين المرشّحين كانت 20%. في المقاعد العشرة الأولى، أُدرِجت النساء في مقعدين فقط، كما في المقعدين الأخيرين من العشرة الثانية أيضًا. بكلمات أخرى، من مجمل المقاعد الخمسة عشر التي عُوِّل عليها ثمّة اثنان لا غير للنساء، وهما يشكّلان ما نسبته 13.33% منها.
وَفق النتائج، استطاعت المشتركة الحصول على ثلاثة عشر مقعدًا، اثنان منها لامرأتين فلسطينيّتين هما عايدة توما-سليمان (الجبهة) في المقعد الخامس، وحنين زعبي (التجمّع) في المقعد السابع، وكلّ منهما تحتلّ المركز الثاني عن حزبها. هكذا، تشكّل النساء 15.4% من مجمل أعضاء الكنيست عن القائمة المشتركة. وبعد أن كانت حنين زعبي عضوة عربيّة وحيدة في دورتَيِ الكنيست السابقتين منذ انتخابات العام 2009، عمليًّا تَضاعفَ تمثيل النساء الفلسطينيّات في البرلمان الإسرائيليّ، وهو ما ينبغي أن يُشيع الرضى لدى من يعنيهنّ ويعنيهم الأمر من نساء ورجال على حدّ سواء. وهو كذلك، لولا تحفّظات تجب مراعاتها. التحفّظ الأوّل موضوعه الهوّة الحاصلة بين نِسَب النساء المرشّحات في أماكن مضمونة عن بعض الأحزاب، حيث بلغت الثلث في قائمة التجمّع، والربْع في قائمة الجبهة (وغابت كلّيًّا عن الحركة العربيّة للتغيير والحركة الإسلاميّة)، ونسبتهنّ في الأماكن المضمونة في القائمة المشتركة. التحفّظ الثاني يخصّ خيبة الآمال التي عُقدت على مواقع مضمونة أكثر للنساء في القائمة المشتركة خلال المفاوضات على ترتيب المقاعد بين الفُرَقاء فيها. كان المقعد الثاني عشر محفوظًا لامرأة في توصيات لجنة الوفاق، اللجنة التي رعت المفاوضات وقامت فيها بدور يستحقّ التوقّف عنده، وهو ما جاء في الصيغة الأولى لبيانها، والتي تسرّبت للإعلام، حيث أُعلن فيه عن تشكيل القائمة المشتركة وترتيب المرشّحين فيها. وقد سارعت الصحافة لتنقل أنّ المقعد الثاني عشر مخصّص لامرأة. وَفق النتائج النهائيّة للمفاوضات، تتناوب على هذا المقعد -مناصَفةً وعلى التوالي- الحركة العربيّة للتغيير والحركة الإسلاميّة (بتخصيص سنتين لكلّ منهما)، بَيْدَ أنّ قبول الأولى بذلك جاء مرهونًا بإزالة شرط ترشيح امرأة في المقعد الثاني عشر، وهو ما جرى توقيع الاتّفاق بناءً عليه.
لهذه الحيثيّات دلالات جمّة على صُعُد كثيرة، يعنينا منها هنا ما له صلة مباشرة بتمثيل النساء. أنْ يَرِدَ في اعتبارات لجنة الوفاق تخصيص مقعد مضمون آخر لامرأة هو في حدّ ذاته توجُّه نحو زيادة تمثيل النساء في القائمة المشتركة، ما كان يمكن أن يصل لقرابة الربع (23.33%) من أعضائها في الكنيست. من منظور جندريّ، ودونما خوض في ملابسات الأحداث ذات الصّلة، ما لا يقلّ أهمّيّة أنّ التوصية أعلاه تعكس تخويلًا للّجنة، تخويلًا مجتمعيًّا أو ذاتيًّا، بأن تأخذ اعتبارات اجتماعيّة كهذه، وهو ما قد يدلّ على أهمّيّة إحداث تغيير بشأن تمثيل النساء في السياسة، والقُطْريّة منها، وأنْ لا مجال لتجاهل هذا المطلب أكثر. لكنّ التوصية والمسعى هذين قد يصطدمان بوضعيّة حزب أو حركة سياسيّة، وَ/ أو بأَجِنْدَته/ا، وَ/ أو بسياسته/ا الداخليّة وبواقع انخراط النساء في مؤسّساته/ا وتَراتُبيّة كوادره/ا تبعًا للجندر، ممّا يَحول دون تحقُّق المسعى كما في التجربة العينيّة أعلاه. وعند أخذ السياق التاريخيّ السياسيّ قيد البحث في الحسبان، جرى تغليب دور التوفيق الذي أدّته لجنة الوفاق، مثل ما تحمل دلالةُ اسمها، على دور التغيير بمعناه الأشمل، لئلّا يعرقَل قيام القائمة، وفي سبيل حفظ بقاء الأصلانيّين في السياسة كما تحدّد قوانينها الدولة الاستعماريّة، ومرّة أخرى على حساب تمثيل النساء.
ليس هذا فحسب، بل إنّه حتّى النسبة الضئيلة لتمثيل النساء في الأماكن المضمونة لم تنعكس في اللافتات والصور الدعائيّة الانتخابيّة للقائمة المشتركة، تلك التي نُصِبَت على مداخل البلدات العربيّة وفي ساحاتها العامّة ونُشرت في الإعلام على أنواعه وفي موقع القائمة الإلكترونيّ، وفي مهرجاناتها واجتماعاتها الانتخابيّة. لقد غُيِّبت النساء من الصورة الدعائيّة الرسميّة للقائمة المشتركة بالكامل. تلك الصورة جمعت أربعة مرشّحين، واحدًا عن كلّ جهة، كلّهم من الرجال. معنى هذا أنّ تغييب النساء فيها، وهي الرمز، فاق ما هو عليه في المشترَكة وفي واقع السياسة. القول إنّه بكلّ بساطة قد جرى تصميم الصورة ليظهر فيها مرشّح واحد عن كلّ مركّب من مركّبات المشتركة، وكلّهم رجال، في محاولة لإضفاء مسوِّغ موضوعيّ عليها، هذا القول أو الادّعاء لا يُسعف في التقليل من فرض قراءة الصورة ومسوِّغ “الموضوعيّة” هنا بوصفهما مُغْرِقَيْن في الذكوريّة والعلاقات الجندريّة الهرميّة.
الأَجِنْدة
تضمّنت المبادئ الأساسيّة وبرنامج عمل القائمة المشتركة تَعاطيًا مع فئة النساء. اتّسم التعاطي مع النساء بمَيْلٍ واضح إلى نهج المساواة، من حيث النغمة (rhetoric) والخطاب (discourse)، الأمر الذي يثير الدهشة إيجابًا حول قدرة فُرَقاء المشتركة على الخروج باتّفاق كهذا، ظاهريًّا، ولا سيّما أنّه إحدى الموضوعات الأساسيّة التي رُوهِنَ على قدرتها على نسف تشكيل قائمة مشتركة تجمع جنبًا إلى جنب عناصرَ تولي مساواة النساء أهمّيّة (عَلمانيّة)، وعناصرَ تتّسم بتحفُّظها من ذلك (دينيّة أو محافظة). رغم ذلك، إنّ قراءة جندريّة نسويّة سريعة للمبادئ والبرنامج تستدعي الوقوف على الشكل والكمّ والمضمون.
من الجانب الشكليّ والكمّيّ، جاء المبدأ الخامس بين ثمانية مبادئ أساسيّة تبنّتها القائمة المشتركة “ضدّ اضطهاد المرأة ومن أجل حقوقها ومشاركتها”. وقد أُورِدت “حقوق المرأة” في برنامج عمل القائمة المشتركة في الباب الخامس، وهو الباب الأخير، وصِيغتْ في ستّة بنود من أصل نحو ستّين بندًا. يمكن أن يَشي الباب الأخير على نحوٍ رمزيّ بالمكانة التي توليها القائمة المشتركة لقضايا النساء (المجتمع) -في الذّيل-، ولترتيبها في سلم أولويّاتها -في الدرجة الدنيا- أيضًا. ولعلّها تَشي أيضًا باتّفاق الفُرَقاء المشاركين بشأن ذلك، رغم تفاوت طروحاتهم وأيديولوجيّاتهم وأَجِنْداتهم في هذا الصدد كأحزاب وكحركات منفردة، وتَشي بسرعة ومصيريّة سياق تأسيس المشتركة (الذي كان بمثابة “نكون، أو لا نكون”)، بحيث لم تدقّق جميع الأطراف في المبادئ والبرامج، وهو ما يكشف تعامُلها مع المشتركة كقائمة انتخابيّة أكثر ممّا هي سياسيّة.
أمّا بالنسبة للمضمون، فقد تطرّق المبدأ الأساسيّ إلى مساواة المرأة وحقوقها ومحاربة أشكال اضطهادها في مَناحي الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة كافّة، وفي الدوائر كافّة، بدءًا من العائلة وانتهاء بالمجتمع، ليأتي شاملًا وجارفًا. وعند تفكيك المبدأ إلى برنامج عمل، يؤخذ الانطباع أنّ الصياغة شاملة مرّة أخرى. فضلًا عن ذلك، تستوقفنا وجهة التوجُّه والمرجعيّات وآليّات العمل هي كذلك. يُستشفّ من برنامج العمل التوجُّهُ نحو الخارج، نحو الدولة ومؤسّساتها، لا نحو داخل المجتمع الفلسطينيّ ومؤسّساته وفئاته. وهو الأمر ذاته في آليّات العمل، إذ جاءت هذه متّصلة بالدولة، وعلى رأسها سَنّ القوانين. بينما برزت المرجعيّة الدوليّة كالمواثيق الدوليّة، والمرجعيّة الدولانيّة كالتفضيل الإيجابيّ والقانون. ليس لديّ أيّ نيّة للتقليل من أهمّيّة هذه المرجعيّات والآليّات؛ لكن هذا لا يعفي[نا] من [عناء] تصويب النظر -على نحوٍ متزامن نحو الداخل- نحو المجتمع المحلّيّ (مجتمعنا) (بثقافته/بثقافااته ودوائره وأُطُره)، لكشف مَواطن اضطهاد المرأة فيه والتمييز ضدّها، كما الآفات الاجتماعيّة عمومًا، وأخذ مسؤوليّة مواجهتها بآليّات مجتمعيّةٍ أصيلة تُستقى من تاريخه، وبأخرى خلّاقةٍ في ذات الوقت، وفي موازاة ذلك إظهارُ المرجعيّة والشرعيّة “الأصيلتين”، والاجتهادُ لاستنباط مرجعيّات وشرعيّات مبتكرة لمساواة المرأة ولحقوقها داخل الثقافة العربيّة الفلسطينيّة. وقد يكون الصَّوْغ العامّ بشأن اضطهاد ومساواة النساء والتوجّه إلى الدولة ومؤسّساتها واعتماد مرجعيّات وآليّات دوليّة ودولانيّة، كما هو مبيّن أعلاه، قد يكون ذلك هو ما ضَمِنَ الحدَّ المقبول على جميع الجهات في المشترَكة. ولنأخذ في الاعتبار أنّ التجربة التاريخيّة في هذا الصدد تفيد أنّ العلاقة بين التصريح والتطبيق ضعيفة، وإن كان التصريح مكتوبًا وممهورًا، بحيث لا يُلزِم التصريحُ التطبيقَ بالضرورة، فكم بالحريّ في حالة قائمة مشتركة؟! ولذا فهو المخرَج الأسهل وغير المكلف من الصورة النمطيّة حول بعض الأطراف السياسيّة كذكوريّة وشوفينيّة، وهو الطريق للظهور بمظهر أجمل أمام العالَم والدولة (!) والمجتمع المحلّيّ.
المشارَكة
أمام تدنّي تمثيل النساء في القائمة المشتركة، وأمام شموليّة تَعاطي برنامج عملها مع التمييز ضدّهنّ وتغييب التوجّه إلى الثقافة والمجتمع المحلّيّين، ورغم غيابهنّ وتغييبهنّ بالمطلق عن لجنة الوفاق وكمندوبات عن أحزابهنّ وحركاتهنّ السياسيّة في المفاوضات، والتي يمكن اعتبارها أشكالًا للمشارَكة وللتمثيل معًا، رغم ذلك برزت المشارَكة والحضور الفاعل نسبيًّا للنساء. أخذت المشارَكة أشكالًا عدّة، كالحضور اللافت (نسبيًّا) في المهرجانات الافتتاحيّة للقائمة في المدن والقرى العربيّة، وفي الاجتماعات العامّة، وفي اجتماعات وحلقات “نسائيّة” أو “بيتيّة”، ومن الناحية التنظيميّة روعِيَ أن تشارك في هذه الفعّاليّات مندوبةٌ عن كلّ حزب أو حركة سياسيّة في المشترَكة.
مشاركة النساء السياسيّة في فترة الانتخابات أخذت زخْمًا خاصًّا، نظرًا لتَزامُنها مع فعّاليّات إحياء الثامن من آذار، يوم المرأة العالميّ؛ إذ كُثّفت النشاطات والندوات النسائيّة لدى المشترَكة، وأخذت فيها دورًا مرشَّحات وعضوات أحزاب وناشطات سياسيّات، قطْريًّا ومحلّيًّا، وخبيرات في مجالات ذات صلة. ولم تغِب العريضة كشكل آخر من أشكال المشارَكة السياسيّة، حيث أطلقتها ووقّعت عليها “عضوات سلطات محلّيّة […] يدعون النساء إلى دعم القائمة المشتركة”.
في الاجتماعات المختلفة، كان التركيز على أهمّيّة مشاركة النساء في عمليّة الاقتراع، وأُهيبَ بهنّ أن يمارسن حقّهنّ في التأثير والمشاركة من خلال التصويت ودعم القائمة المشترَكة. ومع أنّ السياق بخطورته المفصّلة في بداية المقالة وبتجلّياته الأخرى دعا إلى استنهاض أصحاب حقّ الاقتراع، رجالًا ونساءً على حدّ سواء، بقيت إعادة إنتاج النساء بوصفهنّ -أوّلًا وقبل كلّ شيء- احتياطيَّ أصوات (هذه المرّة في الانتخابات القُطْريّة)، وبالتزامهنّ الخلقيّ والوطنيّ بمنح أصواتهنّ للقائمة “الصحّ” حاضرة.
اهتمّت وسائل الإعلام المحلّيّة بتغطية مشارَكة النساء وفاعليتهنّ لأجل القائمة المشتركة، واستحضرتهنّ فوق المألوف نسبيًّا، ليشحذ هذا هِمَمهنّ في التفاعل معها والدعم لها. لكن تبقى أشكال المشارَكة النسائيّة الفاعلة (أو غير الفاعلة)، من تحضيرات وعمل دؤوب ونقاشات في مؤسّسات الأحزاب وضمن المساعي لإطلاق القائمة المشترَكة، تبقى من وراء الكواليس غير مرئيّة بطبيعة الحال، وهو ما يحتاج بحثًا منهجيًّا مستفيضًا يستقصي انخراط النساء السياسيّ الفعليّ. وهو ما سيوفّر -على ما أتوقّع- صورةً تُظهِر الهوّةَ بين مشاركتهنّ وتمثيلهنّ واسعة.
خاتمة – القوّة الكامنة في القائمة المشتركة
حيال الصورة غير المُرْضية التي توفّرها المقاربة الجندريّة للقائمة المشتركة، يمكن -على نحوٍ مناقض ظاهريًّا- توخّي تفعيل القوّة الكامنة فيها. إنّها القوّة الكامنة لإحداث تغيير سياسيّ اجتماعيّ كلّيّ أو جزئيّ ممكن في حالة الأزمات ودخول عنصر جديد إلى الساحة، علمًا بأن الحالة ذاتها قد تسوّغ استدامة الوضع القائم أيضًا أو تراجعه. فتَفاقُمُ السياسات الكولونياليّة الاستيطانيّة، وانسدادُ الأفق السياسيّ للصراع العربيّ /الفلسطينيّ الإسرائيليّ، وتَرَدّي علاقة الأكثريّة اليهوديّة والدولة بمواطنيها الفلسطينيّين، والفقرُ، والبطالةُ، والعنفُ المجتمعيّ، وفقدانُ البوصلة بين الجماهير العربيّة، كلّ هذه تعبّر عن أزمة واضحة سياسيًّا واجتماعيًّا. إنّ سياق الأزمة بأبعادها المختلفة أفضت إلى اصطفاف الأحزاب والحركات السياسيّة الرئيسيّة لتكوّن القائمة المشترَكة. في ما وراء اصطفافها، وبعد أن اجتازت امتحان الانتخابات، سياقُ الأزمة نفسُه يمكّنها أن تُطْبِق على الفرصة التاريخيّة التي منحتها إيّاها جماهيرها عبْر تحمُّل المسؤوليّة والدَّوْر بكلّ أبعادهما، وضمن تفعيل كلّ الجهات ذات الصلة، الجماعيّة والفرديّة، ضمن تعاوُن وتضافُر جهود مع الهيئات التمثيليّة الأخرى -وعلى رأسها لجنة المتابعة العليا (مع النظر في إعادة تنظيمها).
إنّ الاجتماعيّ والنسويّ يقعان في صُلب المسؤوليّة والدَّوْر هنا. ينبغي الانطلاق من مقارَبات سياسيّة للاجتماعيّ عمومًا، والنسويّ خصوصًا. وإن غابت هذه المقاربات السياسيّة في وعي بعض الأطراف، فإنّ تسييس الاجتماعيّ والنسويّ مَهَمّة لا حياد عنها، وليترجَم هذا -في ما يترجَم- إلى تمثيل ومشارَكة أكبر للنساء في السياسة ومواقع القرار، وإلى معالجة للقضايا الاجتماعيّة الملحّة وفتح الحِوار فيها، باعتبار هذا جزءًا من عمليّة نهضويّة داخليّة.
من شأن تَبَنّي ذلك أن يجعل القائمة المشترَكة ترتقي من قائمة انتخابيّة إلى قائمة سياسيّة توافُقيّة، بكلّ ما للتصنيف من معنى، مع حفظ الاختلافات الأيديولوجيّة والنقاش السياسيّ الداخليّ. وذاك أمر يستلزم العديد من المبادرات، وجهودًا لا تكلّ، وطواقم عمل، وبحثًا دائمًا عن آفاق… وبالتوازي، يستلزم الانتفاضَ من وعلى آفات السياسة المقيتة من احتراب ووجاهة وشَخْصَنة. وفي كلّ ذلك تجسيد لمعنى القيادة عامّة، وفي الأزمات خاصّة، ولإحداث تغيير مجتمعيّ سياسيّ تحديدًا.
* الدكتوره تغريد يحيى-يونس هي باحثة في علم الاجتماع ودراسات الجندر، ومحاضرة في جامعة تل أبيب نشر المقال في مجلة “جدل” الصادرة عن مركز مدى-الكرمل.
تبارك الله. البحث عميق وغني وجدي ويتطرق للموضوع المحدد من نواحي عديدة والأسلوب قوي واللغة العربية مدهشة لغتك، أستاذتي. أستاذه أكاديمية بكل جدارة. أدامك الله منارة للمعرفة وقدوة لنا.
مقال موضوعي، حاد، شامل وعميق، يعرض الجانب النسوي للقائمة المشتركة من محاور عديدة.
احدى الاكاديميات الرائدات بلا شك.
استمري في التقدم والتألق.
منظور مثير ونظرة جديدة في التحليل.
جدي بالقراءة.
دمت فخرا لبلدك معلمتي.
بجنن
رائع.
كل الاحترام ..
مقال مهم يعكس الوضع الحالي لمجتمع
قدما وإلى الأمام لدكتور تغريد
تقديري واحترامي.