الناقد نور عامر مع الشاعر نايف سليم

تاريخ النشر: 17/02/16 | 13:40

اعتقدُ أن من مهام النقد الأدبي والنقد الاجتماعي الالتفات الى الشخصيات الانسانية البارزة في أي مجتمع كان. هذا أقلُّ ما يمكن أن نقدمه لهم وبأقل تكلفة.
من خلال مشواري مع الحياة حظيت بمعرفة الكثير من هذه الشخصيات، وكان لقلمي شرف الكتابة الموجزة عن بعضهم في اوقات سابقة. وراقني اليوم أن أعرِّجَ على المناضل العريق أحد شعراء المقاومة نايف سليم.
حقا أدهشني هذا الرجل بما يملك من ثقافة واسعة في معظم الميادين، السياسة، الاجتماع، الأدب والتاريخ. وهو أمميٌّ تقدمي في نهجه وتفكيره، انسانيّ النزعة في الدرجة الأولى يزعجه ما يجري في العالم من حروب وآلام، يحلم بغد يعم فيه العدل والسلام فينتهي الظلم والفقر والاستغلال والجوع، ويؤكد بأن هذا اليوم آت بلا ريب لأن الشعوب المقهورة لن تظل ساكتة الى الابد.
أنه متحدث لبق له في كل موضوع نصيب، فإن سألته عن الأوضاع الراهنة في سوريا وماذا سيتمخض عنها ؟ يحلل المسالة تحليلا منطقيا مقنعا رابطا الأحداث بالانتصارات التي حصلت في بلاد الشام على مر الزمن ضد الطغاة والاستعمار، ويختم كلامه بحتمية دحر الجماعات الارهابية المناهضة للأسد.
وان سالته في التراث تجد عنده اشياء جديدة عليك، على سبيل المثال ” العِقال ” الذي يثبت فوق الكوفية وهو من التراث. يجيبك أن اساس العقال يعود الى معركة ” ذي قار ” انتصر فيها العرب على الفرس، ولهذا قصة مكانها ليس في هذه العجالة.
واذا انفتحت سيرة الأمثال يقسمها الى قسمين: أمثال صنعها الاستعمار او تخدم الحكومات مثل ” الكف ما بلاطم مخرز ” واخرى في مصلحة الشعوب التي ابتكرتها.
وان زرته في بيته يلقاكَ بابتسامة ونبرة طيبة فتشعر بالارتياح ويلمع في ذهنك القول المعروف ” الابتسامة تنشر الارتياح وتبلسم الجراح “.
من مزاياه المتعددة قول كلمة الحق في كل الظروف، والبحث عن المعلومة الجيدة حتى يصطادها ويدونها كي لا تضيع.
رجل خفيف الظل حاضر البديهة يحب الفكاهة الهادفة، حدث أن كان مع جماعة في مناسبة في قرية مجاورة لقريته البقيعة وانبرى احد الرجال يوعظ واسهب في الوعظ، ولما خرجوا سأله احد اصدقائه رأيه في الواعظ ؟ وبسرعة أجاب: الخص لكم كل حديثه بكلمة واحدة وهي ” سُربخ ” أي اركع او اخضع للحاكم ! فضحكوا جميعا وقرروا اطلاق لقب سربخ على الواعظ المحترم.
لا غرابة ان الانسان يعشق وطنه ومسقط راسه بالفطرة، وكوْن المشاعر الصامتة غير مسموعة فالأجمل في هذا الباب التعبير عن هذا العشق نثرا او شعرا. لنرى ما يقوله نايف سليم من قطعة قالها في مهرجان الزجل في البقيعة:

” اهل لبقيعة كبارها وزغارها / بيأهلوا وبيسهلوا بزوارها / عا عدد ما غنى النبع ع حجارها / وعا عدد ما رف النحل ع زهارها / وأهل لبقيعة شيبها وشبانها / بيأهلوا وبيسهلوا /عا عدد مر المي في وديانها / وعا عدد رف الميس عا رمانها “.
انه يتماهى مع الطبيعة بطريقة تحفزك على تصوّر الأشياء التي ذكرها فتحس وكأن تلك الأشياء ماثلة أمامك، هذا مع حرصه على اظهار كرم الضيافة الذي اشتهرت به البقيعة.
ملاحظتي الوحيدة: في الشعر العامي المكتوب تُحذف الالف للجمع المذكر السالم.
بياهلوا وبيسهلوا تكتبان بياهلو وبيسهلو.
ولعل انشداد الشاعر الى طبيعة بلده الخلابة هو ما فتح شهيته سابقا للغزل الرقيق المشبع بالعاطفة:
” يا حاملة الجرة ومروحا تسقي الحبق / يا مفرفحا زي الحبق يا قرنفله / يا مزهرة يا مجمرة خدودك / يا نجمتي الهادي / يا حاملة غمار الحبق للغيم زواده ”
لا شك ان القارئ ينسجم مع هذا الشعر انسجاماً ممتعاً ؛ مما يذكرني بقول شاعر فرنسي: ان الشعر لا يكون شعراً الا بالاتصال بين روحين منسجمتين هما روح الشاعر وقارئ شعره.
وشاعرنا حر الطبع يمقت النفاق ومسح الجوخ، وقد عبر عن ذلك في قالب هجائي:
” يا مساحين الجوخ، ليش مكيفين / بفرحة الجلاد ؟ / وحتى ان سلخ جلد العباد / يا مداحين الدمى، ريتن رموز الذل ما كانوا / لا احنا منكو، ولا حدا من شكالكو منا / وما في حدا عِنا، بيغني بأجر جيرانه ”
بالمناسبة ان الهجاء له قواعد وأصول، منها – كما مر معنا – ان جوهر الهجاء الناجح ان تجعل ضحاياك يغتاضون، وتجعل جمهورك يضحك أو يؤيد قولك. نايف سليم قلّما تجاوز هذا الخط في معظم الذين هجاهم. وهذا يدل بأن له خبرة في هذه الصنعة.
ثمانون عاماً قطع نايف سليم من خارطة الزمن ومازال متفائلا معطاء يبحث يكتب وينشر، وقد أنجز حتى الآن أكثر من ثلاثين كتاباً بين جمع وتأليف، في الشعر والمقال والطرائف والأقوال والحكم والأمثال.
ربما العبرة في هذه الثروة اللغوية أنك لا تجد ما يدفعك للتساؤل ما جدوى هذه الشطرة، أو ما فائدة هذه العبارة، كما يحصل في الكثير مما نطالعه اليوم ! ان الجملة عنده ناضجة وفي مكانها الصحيح، ولا أذكر أنني تناولت له كتاباً الا ورغبت بالإستزادة من ابداعه، والسبب ان نايف سليم هو فنان في اختياره واسلوبه، يعرف كيف يجذب المتلقي من خلال عملية التشويق والعبارة السلسة، واللافت في هذه الكتابة ان شاعرنا عفوي في بعضها، وفي أجزاء منها موضوعي وواقعي يتوخى الصدق والكلمة المؤثرة النافعة.

الناقد: نور عامر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة