المقامة الإلحادية

تاريخ النشر: 01/09/13 | 6:48

بِسمِ اللهِ الحمدُ لِلهِ وَالصّلاةُ وَالسّلامُ على رسولِ اللهِ وَبعدُ

لَقدْ دفعَني الإِصْرُ، إِلى أرضِ مِصْرَ، أجوبُ خيرَها، وَأُنَقِّبُ أمرَها، أبحثُ عَنِ الْعدلِ المفقودِ، وَالْحقِّ الْمنشودِ، فَأرشدَني أَبو سَفَاهَةَ النِّحْريرُ، إِلى ميدانِ التحريرِ، فَبينَما أَنا في ذاكَ الْمربعِ، أَطوفُ فيهِ وَأرتعُ، إِذا بِرجلٍ يعلو بِهِ البصرُ وَيحارُ، ثُمَّ يَنحدرُ لِأخمصِهِ بِإِصْرارٍ، ذَقْنُهُ مَنْتُوفٌ، وَشَاربُهُ ملفوفٌ، رأسُهُ يلمعُ، وَعينُهُ تلسعُ، بِعُدّةِ حربِيٍّ، وَنظرةِ عَنْجَهِيٍّ، تَعْتَريهِ الْهيبةُ، وَتملأُهُ الْأَنَفَةُ، أرسلْتُ إِليْهِ النظرَ، وَأنعمْتُ بِهِ الْبصرَ، فَأوْلَعَنِي الْفضولُ، وَدفعَنِي النُّفورُ، لِمعرفَةِ أمرِهِ، وَالتَّبَصُّرِ بِحالِهِ، فَذهبَ سمعِي يَأخذُ كلامَهُ، وَيتحسَّسُ أنفاسَهُ، لِيأتيَ لِي بِصيدٍ ثمينٍ، أَوْ خبرٍ عَظيمٍ، فَإِذا بِهِ يُخاطِبُ النَّاسَ وَيسودُهمْ، وَيَأخُذُ الزِّمامَ وَيقودُهمْ، بِصوْتٍ جَهْوَرِيٍّ، وَرأْيٍ سَرْمَدِيٍّ، يَقولُ: " أَيُّها النَّاسُ إِنِّي نَاصحٌ أمينٌ، ليسَ لي مثيلٌ، عرفْتُ الْحِنْكَةَ وَسبلَها، وَمِصْرَ وَطرُقَها، أَنا الأَسَدُ الهَصُورُ، لا أَعرفُ قولَ الزُّورِ، قتلْتُ الباطلَ وَعانقْتُ الحقَّ، مِنِّي يَأخذُ الخلقُ التواضعَ وَالأدبَ، وَإليَّ يَعودُ الفضلُ وَالحسبُ، فَاسمعُوا أُرْشدْكم، إِلى مَا ينفعُكمْ، فَلسْتُ ضدَّكمْ، وَما أَنَا بِعدوِّكم"

فَأطربَني كلامُهُ، وَجذَبَني حنانُهُ، وَتمنَّيْتُ لِزامَهُ، وَذهبْتُ وَمَنْ حضرَ مِنَ النَّاسِ، نَلْقفُ الكلمةَ، وَنجذبُ الأُخرى، وَصِرْنا نقتربُ إليْهِ (المترَ)، إِنِ اسْتطعْنا أَوِ الشِّبْرَ، فَاسْترسلَ قائلاً: "دَعُوا القيلَ وَالقالَ، وَاسْمعُوا لِهذا المقالِ، الأرضُ قَدِ اضْطربَتْ، وَالنُّفوسُ قَدِ انْتفضَتْ، وجبَ عليْنا القربُ وَالوئامُ، وَكفانا تَشَرْذُمُ اللئامِ، لا بُدَّ أنْ يُحكمَ البلدُ بِالأغلبيّةِ، وَأنْ يكونَ الأَمرُ مَعَ الكليَّةِ، فَالشّعبُ يَختارُ، وَلا يَنبغِي بعدَهُ أنْ نترددَ أوْ نحتارَ، لكنْ لا بُدَّ مَعَ ذلكَ، أَنْ تفطَنُوا لِلمعنى الخفيِّ لِلحريَّةِ، وَأُسِسِ الْوفاءِ لِلْقوى الغربيّةِ، وَأنْ تُجيدوا امْتِطاءَ الديمقراطيّةِ، وَإِلّا فَأنتمْ الْجهالُ، الكافرونَ بِجدّهمْ أَبي رغالٍ، وَسَنصفُكمْ حينَها بِالإِرهابِ، حتّى إِذا سَئمتُمْ هذا الْوصفَ وَخابَ، ألحقْنا عليْكمُ اسْمَ التَّكفيرِ، وَأعلَنّا عليكم النّفيرَ !!

فَتعلّمُوا وَاسْمعُوا، لِنكملَ أصولَ الْحريّةِ، على النّغمةِ الغربيّةِ، وَحَسَبَ المصلحةِ الخفيَّةِ، فَلا بُدَّ أَنْ نضعَ الحدودَ وَالقيودَ، وَنلتزمَ الخطوطَ وَالسّدودَ، لِنصبحَ في أعلى الْحذاءِ، بعدَما كنَّا على الأرضِ فِداء، فَخذوا قواعدَها بِيسرٍ، بَعدَما جمعْناها بِعسرٍ:

أوَّلاً إِنْ حكمَ الْملحدُ البلادَ، فَحكمُهُ الْعدلُ، وَقولُهُ الفصلُ، فِإنْ رأيْتَهُ يقتلُ، فَاتَّهمْ بصرَكَ، وَإِنْ سمعْتَهُ يَكذبُ فَاتَّهمْ سمعَكَ، وَإنْ ساورَ قلبَكَ الشَّكُّ، فَاقْتلْ نفسَكَ.

وَإِنْ حكمَ الإِسلامِيُّ فَمَهْما فعلَ ظلمٌ، فَإنِ قالَ سلاماً فَيقصدُ حرباً، وَإنْ قالَ قرباً فَيعني بُعداً، هُوَ الْعدوُّ قَبْلَ الْعدوِّ، وَهُوَ الغدرُ في ثوبِ اللّؤْمِ، فَالْعَنْ صباحَهُ قبلَ مسائِهِ، وَمساءَهُ قبلَ صباحِهِ.

ثانياً لا بُدَّ لِئَلّا نَكونَ مَفرّقينَ في الشِعَبِ، أَنْ يَحكمَ أُمَّتَنا الشَعْبُ، وَلكِنّكُم لِفرطِ جهلِكمْ، وَقلّةِ باعِكمْ، مَا عرفْتمْ الشَّعْبَ الْمقصودَ، وَالْحُكْمَ الْمرصودَ، فَالشَّعبُ الّذي يُقرّرُ الْحاكمَ وَلا يحتارُ، ليسَ أهلُ مِصْرَ، بَلْ شعبُ اللهُ الْمختارُ !!، فَلَهُ الأمرُ مِنْ قبلُ وَالخَيَارُ، وَيكفِيكمْ أَكلُ الْجزرِ وَالخِيارِ !!

ثالثاً نحنُ نريدُ وَنحبُّ الإِسلامَ، وَبِهِ فقطْ نحيا بِسلامٍ، وَاللهُ يقولُ (وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ..)!! عُذْراً فَقدْ نَسيتُ الكمالةَ !! فَخُذُوا مِنَ الْقرآنِ مَا يُعْجِبُنِي، وَاتّرُكُوا مَا يُغْضِبُنِي، فَحانَ الْوقتُ وَآنَ، لِنأخذَ مَا جاءَ بِالقرآنِ، على طريقةِ فرعونَ الزّعيمِ، إِمامِ مِصْرَ القديمِ، (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)، فَهُوَ أَسدُ الشّرَى، وَقَوْلُهُ (مَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، فَفيهِ الْخيرُ وَالسَّدادُ.

لِنأخذَ مِنَ الْقرآنِ بِحسنِه، وَكرمِهِ وَلُطْفِهِ، وَلا حاجَةَ لَكَ بِغيرِهِ، وَقدْ قرأْتُهُ مِنْ أَوَّلِهِ لِآخرِهِ، فَلمْ أجدْ فيهِ قِتالاً أَوْ جهاداً، وَلَمْ أجدْ تحريمَ الْعُهْرِ، أوْ ذكرَ الكفرِ، وَوجدْتُ النَّاسَ -وِإنْ أجرمُوا- سواسِيَةً، هَكَذا خُذُوهُ عَنِ الشّيخِ الإِمامِ، حبيبِكم العمِّ سام.

فَلا بُدَّ أنْ تصبرَ على الذَنَبِ الْخائِنِ، وَعدوّكَ المائِلِ، وَإنْ جلدَ ظهرَكَ، وَسلبَ مالَكَ، وَيَحرُمُ الجهادُ وَإنْ قُتلَ طفلُكَ، وَاغْتُصبَ أَهْلُكَ، بَلْ الزمْ دائماً الْحكمةَ وَاللّينَ، حتّى يتمَّ التّمكينُ.

رابعاً لا يَكفي التنازلُ عَنْ حكمِ الدّينِ، وَسفكِ دماءِ الْمسلمينَ، وَتَنَفُّذِ الْمجرمينَ، بَلْ لا بُدَّ لِلشّيطانِ أَنْ يُعادَ، وَتُصبحَ الْبلادُ أَشرُّ مِنْ عاد !!، هكَذا تُدارُ الْبلادُ، وَيُساقُ الْعبادُ !!"

وَاحْمَرّ حينَها وجهُهُ، وَانْفَتَقَ مِنْ جبينِهِ عرقُهُ، وَرافقَ لسانَهُ الطلقَ، بُندقيتُهُ وَبدأَ الطلقُ، فَزمجرَ النّمرودُ، وَخرجَ البَرودُ، لِتخرقَ رَصاصةٌ قلبَ أَرملةٍ، وَتستقرَّ في عَيْنِ طفلةٍ، فَانْدفعَ النَّاسُ وَمالوا، وَماجَتِ الأرضُ وَصاحُوا، فَرفعَ إِلى السّماءِ عَقيرَتَهُ، وَقالَ: "مَنْ ذا يَكشفُ لي سريرَتَهُ ؟!"، فَانْطلقَ صوتٌ، مُلتحفَ الدّموعِ، مِنْ قلبٍ موجوعٍ: "خرقَ قلبَها !! وَفقدَتْ عينَها !! وَسالَ دمُها !! لا نامَتْ أعينُ الْجبناءِ !!"، فَانْجذبَتِ الْأبصارُ بِسرعةٌ لِمقرِّ الصّوْتِ، فِإِذا بِشيءٍ على الأَرضِ يُجَرُّ، وَعلى دِمائِهِ يُداسُ وَيُمَرُّ، فَضَجَّتِ النَّاسُ وَعَصَفَتْ، وَتَزلزلتِ الْأرضُ وَقَصَفَتْ، وَاختلَطَ الدَّمُ بِالدّمِ !!

فَعُدْتُ إِلى بِلادِي، أُعلِّمُ إِخوانِي وَأبنائِي، فَقُلتُ لَهمْ بِالْخَفاءِ، أُعطيهمْ درساً مِنْ تِرحالِي..

تَحكيمُ الشَّريعةِ بِالتّدريجِ، ذاكَ مِنْ ضروبِ التّهريجِ !!

فَعدوّكَ يَترصّدُكَ في كُلِّ ثانيةٍ، لِيَقضِي عليكَ، إِنْ لَمْ يكنْ بِالْخطوةِ الأولى فَبِالتاليةِ !!

وَابْحثْ عَنِ أصولِ الْحرّيّةِ، بينَ الدماءِ وَالْأشلاءِ، وَفي الْبندقيةِ !

فّخُذْ قلمَكَ بِيمينِكِ، وَاغْرسْ سيفَكَ بِشمالِكَ !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة