عالم الشاعر عبد المنعم بن السايح
تاريخ النشر: 03/09/13 | 6:36" الكاتبة في حياتك كشجرة باسقة مخضرة ما تلبث أن يأتيها عصر ما ثم تتساقط معاني كلماتك كأوراقٍ جافة النصل .. و في لحظة غفوة عقول يأتي ربيع عصر آخر و تكسو تلك الأغصان العارية بأوراق خضراء حية و تحيى الشجرة من جديد لينتفع بها و بخيرتها .. فتبقى لك شفاعة بعد موتك و تكون لك صدقة جارية تنتفع بها في حياة السكينة "
عبد المنعم بن السايح
المقال الأول :
لملمت أفكاري و فلسفتي و بعض من أشياء معرفتي و كتبي المفضلة و مقولاتي المهتكة و ذكرياتي المكدسة في رفوف الذاكرة ووضعتها في حقيبة رحيلي .. لا لأهجر مطلقًا بل لأعيش لحظات قليلة في عالم يا طالما خفته لضخامة ما سمعت عنه من أهوال تقشعر لها الروح رغبة في الوصول له يومًا .. عالم فيه لا يجني على المظلوم , و فيه ما يجن به العاشق , و به حنين لأشياء نجهلها .. و انتظار أحداث لا نريدها أن تصل ..كل تلك الأشياء و الأشياء تتجلى في هذا العالم
هو عالم كبير صنع حدوده شخص صغير مكتنز بالطموحات المستقبلية التي تتحقق أخرى تلو أخرى بقدرة الخالق الأحد.. مشبعًا هو بحب الأنثى التي آمن بها كأم و كأخت و كزوجة .. و كحواء لها قداسة لا تدنسها النزوة الحيوانية .. يجثوهو لكل الأديان احترامًا لها لأنها بركة السماء ..
هو لا يسمو إلا لما يسمو الوطن .. و يصيح لما يتوجع الوطن , يدفن نفسه في ثرى الكلمات حينما يعدم الوطن بأيادي خفية تريد الشر له .. و يكتب على قبره قبر مجهول حتى تعرف شخصية الوطن أكتبوا عليه شهيد عودة الوطن !
ها أنا ذا اليوم أحمل حقيبة فيها أشياء التحدي و ركبت أول قاطرة الرحيل لهذا العالم الكبير لأحض بمقابلة هذا الصغير في رحاب هذه المسميات الفوضوية .. أنا مستعدة كل الاستعداد للمبارزة بفكري واضعة مبدئي و عقيدتي في وديعة لا يصلها إلا الجان الدسيس تحت التراب .. أم الملاك المحلق في السماء خوفًا أن أكفر يومًا بما كنت أأؤمن به ذات يقين ..
وصلت عند منتصف الفكر تقريبًا .. كان شاب بالغ الطول مشبع بالوسامة أسمر و كأنه شرب ماء النيل و أضفت عليه أشعة الأصيل سحرًا جميل , كان حسي يقودني على أنه قصيدة ولدت منذ ملاين القرون و تجلت في شكل شاب نضج في زمن لم تدركه التراجيديات الإغريقية يومًا .. أو لم تحلم بالعبور له ذات يوم
كان يتأمل فيا و كأني طبيعة تسحر الألباب , زدت من تلك النظرات الإيمان بذاتي .. ارتعشت روحي في تك اللحظة رعشة العشق و فجأة نكزها عقلي و أطلق عنان اللامبالاة .. اقتربت منه مستسلمة الإرادة تأملت فيه جيدًا و كأنه ابني الذي فقده رحمي في لحطة مخاض و سرقته الملائكة ووضعته هاهنا .. أو كأنه أخي الذي فقدته في حروب الأرض العنيفة و وجدته أسيرًا هاهنا !
وضعت جانبا حقيبة رحيلي التي وضعت فيها أشياء التحدي لأني أوشكت على معرفة أن هذا العالم الذي صنعه هذا الأسمر لا تدنسه حروبًا دموية حتى و لو كانت شرارة حرب فكرية .. كان السلام هو سلاحه و عزمت العنان على أن أواجهه بنفس السلام ..
كانت البسمة الأنثوية هي الحل في النصر أو هي السلاح .. كنت أعلم أن العنفوان الرجولي يباد تحت طعن الرغبة فهذا ما أأمن به طيلة مسيرتي كأنثى شاعر تجيد الإثارة بالكلمات و الانفعالات الروحية .. و تقبض بروحها الكماليات التي تثير هكذا جنس من المخلوقات !
لم يـأبه بي .. لم يشعر بي .. لم يتحسس بي , و كأنـــي شيء لا يكفيه أن يلتهم بشعور الإثارة أو يلهم بشعور الكتابة .. تأكدت حينها أن هذا العالم متشبع بالحب و بالجنس و بالإيمان و الفكر حد التخمة .. أدرك أنه ليس الجنة و لكنه ليس بالجحيم ,و ليس بالواقع , و ليس بالحلم , و ليس هو بالدنيـــا التي أعيشها في هذه اللحظة
إذن ما هو هذا العالم الذي يحيا فيه هذا الشاعر الأسمر ..
أعلنت السلام تجسسًا على خبايا هذا السر و قلت له السلام ..
لم يرد السلام لأنه أعلنها حربًا بطريقته على حسب نية خباياي , فكان رده أغراني و أعادي ليقيني أني أنثى ما تزال قادرة على سحر الفؤاد فانحنى و قبل يداي بطريقة أروبية تجلي جمال الأنثى
قلت و الرجفة تفترس أنفاسي .. اسمي أحلام سمعت عندك أحلى كلام و عزمت العنان أن يكون هلاكي أم انتصاري فيك فهل أنت مبارزي بسيف الفكر ؟
حدق لي و افترسني بتلك النظرات و كأنها وهج ذوبني بحرارته المفعمة بالتأمل و التلصص إلى ملامحي .. ثم قال
" أنا عبد المنعم بن السايح .. تشرفت بمعرفتك أيتها الشاعرة الفرعونية "
تزلزلت بي المشاعر و انقلبت عليا الأحداث و فجئت كيف عرف قدرتي الشاعرية .. أيعقل أن الملائكة و الجان وشو بي و أخبروه أني كذالك ..
قلت : من الذي أخبرك بأني شاعرة .. و أنا الذي أتيت لك من أقاصي البقاع متنكرة لأبيد فيك الشاعرية التي غرت منها .. بل حقدت عليها لأنها تسكنك وهي تنبض بالحياة .. و تسكنني أنا و هي تنبض بالأنات
أشار بإصبعه لخلفي .. فرأيت أن الرياح القدرية عبثت بحقيبتي و فتحتها .. رأيت المخلوقات المتخفية تقرأ أوراقي و خزعبلات كلماتي و اقتباساتي في كل الروايات … كانت تتهكم بفلسفتي و تتلو بحكمة أفكاري فلها وحدها حق القداسة عندهم
قال : أين عقيدتك و مبدأك ؟
قلت : أخاف أن أخسرهما في حرب التحدي و أصبح بعد فقدانها أنثى كافرة في الوجود
قال : حتى أنا أخبئ عقيدتي و مبدأي بنفس المكان الذي تدسين فيه سرك
قلت : إذن أنا و أنت واحد ..
قال : نعم أنا و أنت واحد .. و لا مجال للقتال , فالشعر يا عزيزتي حياة و منفعة , فلي شعري و لكم شعركم .. و النفع لي و لكم
كانت تلك الجملة كطلقة رصاص حية أصابت صدري و أدمت بي هالكة .. و كان هو منقذي من الظلال التي كنت فيه .. كنت لا أرى في عالم الشعر إلا أنا السيدة كنت لا أرى في حلم الشعر لا أنا الواقع .. كنت لا أرى في قبور الحياة إلا أنا الحياة .. و اليوم أدركت أن عبد المنعم بن السايح يحمل بصدره و في عقله و في طيات حسه شيء أكبر و أكبر .. لا يحمله إلا القليل هو الشعر الصادق الذي يبعد عن التكلف و التعقيد .. يصل إلى كل الأرواح حتى تلك الأرواح المنفية في سجون الوحدة و الجفاء .. و أنه يقدس كل الشعور البشري
بعدها درجت بالخسارة في هذه الحرب .. و أنا الأنثى التي لا تخسر الحرب أبدًا !
أما هو امتطي فارس الوقت .. و رحل إلى الأعلى و تركني في الأسفل أصيح الوحدة و أقلب الأشياء التي رمتني في قاع أسفل السافلين .. ثم سمعت عزف ناي من البعد و كلمات رائعة أحفظها إلى حد اليوم و لي أن أتغنى بها في كل لحظات :
غنَّى الذَّبيحُ على أعتابِ قافيتي
صمتًا ونورُ الضُّحى
في القلبِ ينتشرُ
إيَّاكَ تحسب صمتي دمعة مرقتْ ..
سربًا من الوهمِ في الأسحارِ
تنتـحرُ
أنشودتي برَقَتْ في الجوِ مقصلةٌ
هيهات تُخطئُ مَنْ
أرْوَاحنا غَدروا
تركيا , إسطنبول :11 أغسطس 2013م
أ. أحلام أحمد سعيد ( من جمهورية مصر)