بين الكاف والنون عملاق يعمل بصمت
تاريخ النشر: 01/03/16 | 17:38في 3 نوفمبر/تشرين ثان 2015 قرّر القائم بأعمال المفتش العام لشرطة الاحتلال الإسرائيلي – بنتسي ساو – في رسالة بعثها لرئيس الكنيست الإسرائيلي – يولي إدلشطاين -، منع كافة أعضاء الكنيست من دخول المسجد الأقصى المبارك حتى إشعار آخر.
وشمل هذا القرار منع أعضاء الكنيست العرب من دخول المسجد الأقصى المبارك، إلا أنه في تلك الفترة أقدم عضو الكنيست باسل غطاس على خطوة جريئة بكسر هذا المنع، وفي الوقت ذاته هدّد العديد منهم بكسر هذا القرار الجائر بحقهم وتم الاتفاق على تاريخ محدد لكسره، ولكن لأسباب خاصة تم تأجيل هذه الخطوة. وحتى اليوم، ما زلنا ننتظر تحركا مشتركا يليق بقائمة مشتركة للدفاع عن حقهم ودخول المسجد الأقصى المبارك، في حين كانت محاولات فردية لبعض أعضاء الكنيست العرب في دخول المسجد الأقصى المبارك، إلا أنه تم منعهم من قبل قوات الاحتلال.
انضم أعضاء الكنيست العرب إلى مجموعة مميزة من المرابطين لقّبت بـ”القائمة الذهبية” – الممنوعة من الدخول والصلاة في المسجد الأقصى المبارك منذ أكثر من 200 يوم -، وفي كل هذه الفترة رابطت “القائمة الذهبية” صابرة محتسبة على أبواب المسجد الأقصى المبارك، عاشت برد الخريف وأمطار الشتاء في القدس على أبوابه، ولم نر خلال هذه الفترة أي جمعية نسائية أو حقوقية أو انسانية وقفت أو أدانت ممارسات الاحتلال بحقهم… وطبعا، للأسف، لم تتحرك الجهة التي تعتبر نفسها المسؤولة الأولى عن المسجد الأقصى المبارك، حتى أن الكثير من المقدسيين رفعوا سبّابة الاتهام والتواطؤ صوب هذه الجهة.
وفي بداية شهر نوفمبر/تشرين ثان 2015 وبعد مواقف رائعة من أعضاء الكنيست العرب، شهدنا وداعًا صامتًا هادئًا منهم، وتوقف الكلام عن المسجد الأقصى المبارك والدفاع عن المرابطين أو التنديد بممارسات الاحتلال ضد أقدس بقعة في فلسطين، واعتقد البعض أنه ربما شُطبت اسمائهم من “القائمة الذهبية” المرابطة، التي نقول، إن ثمنها غالي وأغلى من الذهب؛ ثمنها الأرواح والتضحية.
عملاق يعمل بصمت
عملاق كان يعمل بصمت منذ عشرات السنوات يسعى لتثبيت أهل القدس والمرابطين في المسجد الأقصى المبارك، يحذّر العالم من ممارسات الاحتلال ويجنّد كل قواه للوقوف ضد مخططات الاحتلال، يُصاب ويُجرح ويُستنزف، لكنه يقف كالطود لا يكلّ ولا يملّ، يهدّده صباحًا مساءً الاحتلال والقريب منه أو البعيد، ورغم ذلك استمر بصمت يرى النصر قريب.
في 17 نوفمبر/تشرين ثان 2015 وقّع وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون على قرار يعتبر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني منظمة محظورة وفقًا لقانون أوامر الطوارئ 1945، والدافع الرئيس وراء ذلك كان دعم المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى المبارك.
نعم، أخيرا بعد مرور 17 عام من المداولات، حظروا هذا العملاق وتم إخراجه عن القانون الإسرائيلي، بينما لم تجد هذه الحكومة قانونًا واحدًا يدعم قرارها، فما كان منها إلا اللجوء إلى قانون الانتداب البريطاني المعمول به قبل تأسيسها، ما يدل على أن المؤسسة الإسرائيلية لم تملك أي مقومات دستورية أو قانونية للتعامل مع هذا العملاق.
بالرغم من محاربة هذا العملاق من قبل الاحتلال وصمت القريبون القريبون، ومحاولة إسكاته ومنعه من التواصل مع القدس والمسجد الأقصى المبارك، غفلوا بأن هذا العملاق الصامت له الكثير من الأحباب الذين تربّوا على منهجه وأسلوب عمله، يكبرون بهدوء ويبدعون ويبتكرون، ليكملوا الدرب الذي لو اجتمع العالم بأسره فلن يستطيع إيقافهم؛ لأنه الإمتداد الطبيعي لدرب الرسل وعلى رأسهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومرورا بعمالقة الدعوة والجهاد كأمثال قطز وصلاح الدين وألب أرسلان ويوسف بن تاشفين.
اليوم 1 مارس/آذار 2016 اقتحم المسجد الأقصى المبارك المدعو يهودا غليك برفقة طلابه تحت حراسة قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبموافقة أو صمت المسؤول الأول عن المسجد الأقصى المبارك، وحتى هذه اللحظة لم يصل آذاننا أي استنكار لهذا الأمر، رغم تحذير شخصيات مقدسية عديدة قبل أسبوع من هذا الاقتحام؛ ربما لأنهم يقودون الآن “حربهم المقدسة” لإتمام تركيب كاميرات المراقبة في باحات المسجد الأقصى، حتى يراقبوا عن كثب اقتحامات جند الاحتلال والمجتمع الإسرائيلي، ويطبّقون اتفاقياتهم للسماح بـ”زيارة” غير المسلمين للمسجد الأقصى، وهذه الصور ستصل من خلال كوابل النت الإسرائيلية بعد فلترتها وانتقاء الصور “المناسبة” ليشاهدها العالم.
الأمر المؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي رغم انتفاضة الأقصى الثالثة ورغم كل الاتفاقيات والتفاهمات وخاصة (كيري ونتانياهو وعبد الله)، لم يتراجع عن مشاريع تهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك، بل يلهث لوقف الانتفاضة من خلال ممارسات القمع والقتل المبرمج والتصعيد في إجراءاته الدموية، وها نحن نشهد اليوم اقتحام غليك للمسجد الأقصى – أحد العوامل الرئيسة التي أدت إلى اندلاع انتفاضة الأقصى الثالثة -، ونشهد ممارسة الاحتلال القمعية للمرابطين، ونشهد الهدم وحفر الأنفاق وبناء الكنس والمشاريع التهويدية، كما أننا نشهد توقف العمل بالقوانين وضوابط الدولة المدّعاة؛ إننا نبصر الآن مشهداً جديداً لمؤسسة ادعت أنها نموذجا للديمقراطية في الشرق الأوسط، قُلب فيه السحر على الساحر وصدق عنده العملاق حين لم يعترف باحتلالها. وها نحن نشهد اليوم هجرة عكسية لأصحاب الضمير الحي من اليهود، والعديد ممن يساورهم الخوف والتردد من العيش في أرض السمن والعسل، أقصد، أرض القمع والقتل والاضطهاد.
وأخيرا، بتنا نرصد في هذه الأيام، أنفاسًا، ربما هي الأخيرة، لمؤسسة مارقة محتلة قمعية ظالمة في الأرض المقدسة، الأرض التي لا يعمر فيها ظالم…. فبشّر الصابرين.
حكمت نعامنة – مدير عام “كيوبرس”