كفى بالموت واعظا
تاريخ النشر: 07/03/16 | 5:57“باسم” كان شابًا عاديًا في مقتبل العشرينات، يعيش حياته كأي شـاب آخر في مثل عمره .. كانت أخلاقه
طيبـة وجميـــع من عَرِفَهُ أحبه .. كان الفتى المُدلل لأهله وجميع طلباته مُجابة
وفي يوم المبارة النهائية لكأس الأمم الأفريقية، قرر “باسم” أن يشاهد
المباراة مع أصدقائه في إحدى المدن السياحية؛ حتى يحتفلوا بالفوز سويًا ويقضون أمتع
الأوقـات ..
ولكن حدث ما لم يكن في الحسبــان ..ذهب”باسم” وأصدقائه إلى الشاطيء واستأجروا دراجات نارية، على الرغم من معرفتهم بمدى
خطورة قيادة تلك الدراجات على الشواطيء .. لكن لم يكن لأحدٍ أن يتخيَّل أن تأتي
لحظة النهاية لشابٍ صغير مثل “باسم”، وفي يومٍ لطالما انتظره وسَعِدَ بقدومه ..
والله تعالى يقول {.. وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]
وإذ فجأةٍ، يفقد باسم السيطرة على الدراجة التي كان يقودها .. فيطير جسده في الهواء ويرتطم رأسه بصخرة .. فينفصل رأسه عن جسده .. ويموت بـــــاسم .. وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
مــات بـــاسم وفـــاز الفريـــق الذي كان يشجعه !! ..
أهل “بـاسم” كانوا في حالة يُرثى لها، الدموع في عيونهم والحزن في قلوبهم ويحملون ابنهم على أكتافهم .. أما سائر الناس فكانوا يحتفلون بالفوز، يرقصون ويغنون في الطرقات ويرفعون الأعلام!!
فهل من مُعتبِر من موت بـــاسم؟! .. وتُرى من سيكون
التالي؟!
وكيف سيكون حـــالك في قبــــرك وقتها؟؟!
تختلف أحوال الناس في قبورهم بحسب ما قدموا في حياتهم .. فمن كان في حياته مطيعًا لربِّه، أُنير
له قبره ووسِعَ عليه .. أما من كان في حياته عاصيًا، عُذِب في قبره أشد العذاب ..
نسأل الله العفو والعافية ..
عن أبي هريرة : عن رسول الله قال “إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء، فيرحب
له قبره سبعون ذراعًا وينور له كالقمر ليلة البدر .. أتدرون فيما أنزلت هذه الآية؟.. {.. فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
[طه: 124] .. قال “أتدرون ما المعيشة الضنك؟”، قالوا: الله ورسوله أعلم..
قال “عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه يسلط عليه تسعة وتسعون تنينًا. أتدرون ما التنين؟ ..
سبعون حية، لكل حية سبع رؤوس يلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة” [رواه أبو يعلى حسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3552)]
وقال عبيد بن عمير الليثي “ليس من ميت يموت إلا نادته
حفرته التي يدفن فيها: أنا بيت الظلمة والوحدة والإنفراد، فإن كنت في حياتك لله مطيعًا كنت عليك اليوم رحمة، وإن كنت عاصيًا فأنا اليوم عليك نقمة أنا الذي من دخلني مطيعًا خرج مسرورًا، ومن دخلني عاصيًا خرج مثبورًا” [إحياء علوم الدين (4:498)]
الأعمال الصالحة تحفظ صاحبها في قبره وما أن يدخل الميت القبر يأتيه ملكان بأسئلةٍ محددة، وتختلف إجابة الميت وحاله في قبره بحسب أعماله التي كان يعملها في الدنيـــا .. فلن يدخل معه القبر إلا العمل
عن أبي هريرة : عن النبي قال “إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولوا مدبرين، فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه.
فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل .. ثم يؤتى عن يمينه،
فيقول الصيام: ما قبلي مدخل .. ثم يؤتى عن يساره، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل .. ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل.
فيقال له: اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس وقد دنت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الذي كان قبلكم ما تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟، فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك ستفعل، أخبرنا عما نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان قبلكم ماذا تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟، قال: فيقول: محمد أشهد أنه رسول الله وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله. ثم يُفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطةً وسرورًا. ثم يفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطةً وسرورًا. ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا وينور له فيه، ويعاد الجسد كما بدأ منه فتجعل نسمته في النسيم الطيب وهي طير تعلق في شجر الجنة فذلك قوله {يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:
27]
وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه، لم يوجد شيء .. ثم أتي عن يمينه، فلا يوجد شيء .. ثم أتي عن شماله، فلا يوجد شيء .. ثم أتي من قبل رجليه، فلا يوجد شيء. فيقال له: اجلس، فيجلس مرعوبًا خائفًا .. فيقال: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم؟ ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه؟، فيقول: أي رجل؟!،
ولا يهتدي لاسمه .. فيقال له: محمد، فيقول: لا أدري، سمعت الناس قالوا قولاً فقلت
كما قال الناس .. فيقال له: على ذلك حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله، ثم
يُفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها
فيزداد حسرة وثبورًا .. ثم يُفتح له باب من أبواب الجنة، ويقال له: هذا مقعدك منها
وما أعد الله لك فيها لو أطعته، فيزداد حسرةً وثبورًا .. ثم يضيق عليه قبره حتى
تختلف فيه أضلاعه، فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله {.. فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]” [رواه الطبراني في
الأوسط وابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب
(3561)]
فهذا المؤمن الصالح، نجى من عذاب القبر بحفظ أعماله الصالحة له .. من صلاة وصيام وصدقة وأعمال بر، التي أحاطت به في قبره ودفعت عنه العذاب.
واعلم أن الأعمال الصالحة هي التي تُثَبتك عند السؤال في القبر ..
فمهما أوتيت من علم لن ينفعك في قبرك، إذا لم تكن تعمل بما عَلِمت ..
أما الذي يُعَذَب في قبره، فقد كان مسلمًا من أهل القبلة لكنه لم يكن على يقين من شهادة
“أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله” التي نطق بها لسانه .. كان يسمع الناس
يقولون قولاً، فقال مثلهم .. فعاش حياته خطئًا!
عاش في غفلة ولهو ولعب، ولم يُعِد العُدة
للموت! وموت الفجأة من علامات الساعة .. وما أكثره في عصرنا،
خاصةً بين الشباب الذين يختطفهم الموت بدون أي مقدمـــات .. كما قال النبي عنه “موت الفجأة أخذة أسف” [رواه أبو داوود وصححه الألباني، صحيح الجامع
(6631)] .. لأن صاحبه لا يستعد
له.
فالموت يأتي بغتة .. والقبـر صندوق العمل ..
أتحب أن تموت أثنــاء مشاهدتك لفيلم أم مسلسل؟! .. أو وأنتِ تستمعين إلى الأغاني ؟! .. أو وأنت نائمٌ عن الصلاة؟! .. أم تحبين أن تموتي أثناء محادثتك لأحد الشباب على الشات؟!
فمتى تفيق من غفلتك وتتأهب لآخرتك؟!
بارك الله فيكم