القيامة الفلسطينية الآن
تاريخ النشر: 02/03/16 | 17:25منذ فترة، تتلاحق الأحداث والإجراءات الفلسطينية التي تدل على فقدان الاتجاه، وعدم التوازن في اتخاذ القرارات وتنفيذها.
نبدأ بالتوقف أمام الدعوة الانفرادية لعقد المجلس الوطني، الذي لم يعقد جلسة عادية منذ أكثر من عشرين عامًا، لجلسة طارئة بمن حضر وتحت رحمة الاحتلال، من أجل هندسة مؤسسات المنظمة على مقاس فرد، أو في الحد الأقصى على مقاس أشخاص عدة، ما يدل على مدى التخبط والارتباك الذي بات يسود “المؤسسة” (استخدم كلمة مؤسسة مجازًا)، إلى أن تمّ التراجع عن تلك الدعوة بسبب المعارضة الواسعة، وفي ظل الخشية من عدم ضمان النتائج. وحتى الآن لا نعرف متى ستعقد الجلسة التي أُجّلت من أيلول إلى كانون الأول الماضي، ومضت الأشهر من دون تحديد أي موعد بالرغم من أن عقد المجلس على أسس صحيحة خطوة ضرورية على طريق إحياء مؤسسات المنظمة وتفعيلها وإعادة بنائها، لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي.
ومن ثم ننتقل إلى وضع السلطة التي تحتاج إلى إعادة النظر في شكلها ووظائفها والتزاماتها وعلاقتها بالمنظمة، لا سيما بعد الحصول على العضوية المراقبة في الأمم المتحدة، وبعد تجاوز إسرائيل لكل الالتزامات وتغولها في تطبيق مخططاتها التوسعية والاستيطانية والعنصرية. وبدلًا من ذلك يتواصل الأداء المتناقض بالحديث منذ حوالي عام عن تطبيق قرارات المجلس المركزي، التي نصت على تغيير العلاقة مع الاحتلال من علاقة مع شريك سلام إلى علاقة بين شعب واحتلال، وإلى وقف التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية، والتلويح بسحب أو تجميد الاعتراف بإسرائيل. بينما في المقابل نشهد استمرار التنسيق الأمني والإشادة به، وإبقاء العلاقات الاقتصادية على ما هي عليه، لدرجة أن حكومة الوحدة الوطنية التي يجري التفاوض على تشكيلها في لقاءات الدوحة مطالبة بأن تلتزم بالتزامات المنظمة، التي تقول قيادتها أنها لن تستمر في الالتزام بها من جانب واحد.
أما المصالحة و”ما أدراك ما المصالحة” فدائمًا تحمل “الجديد”. ففي اجتماع الدوحة الأخير اتُفق على صيغة عملية لتنفيذ الاتفاق العملي، على أن ترجع الفصائل إلى قياداتها، في حين أنّ الحقيقة تظهر استمرار القواعد التي حكمت الحوارات والاتفاقات السابقة، يضاف إليه اشتداد الخلافات والصراع على الخلافة والمناصب في “فتح” و”حماس”، وبين الداخل والخارج، والسياسيين والعسكر، والممسكين بمفاصل السلطة والذين خارجها.
دوامة المصالحة هي هي، ومن يعتقد أننا يمكن أن نحصل على نتائج مغايرة ما دمنا نستخدم نفس الأدوات والخطط والأشخاص فلديه خلل عقلي. فإذا اتُفق على حكومة وحدة وطنية فإنها في ظل هذه الشروط لن تختلف عن سابقاتها، وما يزيد من فرص تشكيلها ازدياد الحاجة للتخلص من حكومة رامي الحمد الله.
وبالانتقال إلى التدويل، فبعد عام من الحديث عن اللجوء مرة أخرى إلى مجلس الأمن للحصول على قرار لم نستطع الحصول عليه أو حتى على الأصوات التسعة التي تكفل عرضه للتصويت؛ بدأ التهديد مرة أخرى باستقالة الرئيس وتسليم مفاتيح السلطة، وباتخاذ قرار سيغير وجه الشرق الأوسط، ومرة أخرى التهديد بأن خطاب الرئيس الذي ألقاه في الأمم المتحدة في أيلول الماضي سيفجر قنبلة، لينتهي كل ذلك على “فشوش”، ولتصبح السلطة التي قيل بأنها “بلا سلطة” “إنجازًا” يجب المحافظة عليه.
وبدأ البحث بعد ذلك عن مشروع قرار جديد سيقدم إلى مجلس الأمن حول الحماية الدولية، وأخيرًا استقر الحال على أن يكون حول الاستيطان، غير أنه لم يحدث شيء من ذلك، بسبب الانشغال الفلسطيني بالمبادرة الفرنسية التي انطلقت منذ عامين وجُمدت، ثم أُحييت، ثم جمدت، ليتم إحياؤها مؤخرًا، والتي تقوم بتقطيع الوقت واللعب في الوقت الضائع أكثر من أي شيء آخر.
إن هذه المبادرة هي مجرد أفكار لم تتبلور، وتغيرت من تقديم مشروع قرار فرنسي في مجلس الأمن إلى تحديد أسس ومرجعية العملية السياسية قبل الحديث عن استئنافها، إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي وإقليمي وتوسيع اللجنة الرباعية الدولية لمواكبة المفاوضات، وكأنّ ما منع نجاح الرباعية أنها لم تضم أعضاء بما فيه الكفاية، وليس عدم التزام العملية السياسية بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ما جعلها شاهد زور وشكلًا من أشكال التحايل الدولي على الشرعية الدولية.
وعند الحديث عن التحضير لعقد المؤتمر السابع لحركة فتح، نلاحظ أنه فريسة تأجيل وراء تأجيل لعقده، إلى أن وصلنا إلى تأجيل حتى إشعار آخر لعدم الاتفاق على من يشارك فيه، وهذه نقطة مهمة، لأن من سيشارك فيه يتيح ضمان أو عدم ضمان نتائجه. فالمطلوب إزاحة أشخاص وحلول آخرين بعينهم محلهم، وليس عقد مؤتمر ضمن اللوائح التنظيمية المعتمدة، واحترام نتائجه مهما كانت. فالصراع بين المحاور والمعسكرات المختلفة على المناصب والمكاسب يطغى على أي شيء آخر.
أمّا مراجعة التجربة والوقوف عند أسئلة مثل: لماذا وصلنا إلى الكارثة التي نعيشها، وكيف نتخلص منها، فهي أمور ثانوية يمكن الاهتمام بها لاحقًا بعد “خراب البصرة”، وما وظيفة المؤتمر، وكيف يخدم معركة التحرر الوطني التي يخوضها الشعب الفلسطيني؟، فهي أسئلة يتردد صداها في الوادي من دون إجابة.
بينما “حماس” فتطالعنا بأنباء بأن الحرب الإسرائيلية على غزة مستبعدة، وأن المفاوضات التركية – الإسرائيلية لإقامة ميناء بحري قد قطعت شوطًا واسعًا من دون أن تخبرنا أن هذا إن تحقق سيكون مقابل استمرار الانقسام وتعميقه، وربما تحويله إلى انفصال دائم، وعودة العلاقات الحميمة التركية – الإسرائيلية، وانعكاس ذلك السلبي على القضية الفلسطينية، وهدنة طويلة الأمد، وأن يكون الميناء تحت إشراف إسرائيلي وليس دولي فقط، مما لا يغير من الوضع القائم على المعابر البرية حاليًا، على الرغم من نفي يوآف مردخاي، مسؤول الأراضي المحتلة في جيش الاحتلال، خبر الاتفاق على الميناء، إضافة إلى أن مصادر إسرائيلية أشارت إلى معارضة رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الجيش لإقامته، ومطالبة الأخير باعتماد ميناء أسدود الإسرائيلي.
إذا انتقلنا إلى مواضيع داخلية أخرى فحدّث ولا حرج. فالاعتقالات والاستدعاءات السياسية في الضفة والقطاع، خصوصًا في الضفة، تسير على قدم وساق. كما أن الطريقة الأمنية التي تم فيها التعامل مع إضراب المعلمين والتشويه والاعتقال ونصب الحواجز واستخدام الجوامع، واستدعاء مدراء المدارس بحضور المحافظ وأفراد من الأجهزة الأمنية وتهديدهم من مغبة استمرار الإضراب، واعتباره جزءًا من مؤامرة وانقلاب تنفذه “حماس” تارة، أو المتجنحين من جماعة محمد دحلان تارة أخرى، أو خصوم رامي الحمد الله في “فتح” والسلطة والقطاع الخاص لصالح تشكيل حكومة وحدة وطنية تارة ثالثة؛ تدل على نوع من فقدان التوازن والسيطرة.
وتفاقم هذا الوضع إلى درجة معاقبة بعض المتضامنين مع إضراب المعلمين، مثل ما شاهدناه بإحالة بسام زكارنة، نقيب الموظفين العموميين الذين حلت نقابتهم ومنظور بأمرها أمام القضاء، وعضو مجلس الثوري لحركة فتح؛ إلى التقاعد المبكر، وملاحقته لاعتقاله، إضافة إلى إصدار مذكرة اعتقال بحق النائب نجاة أبو بكر على خلفية اتهامها لوزير بالفساد، بالرغم من أنّ لديها حصانة، والإصرار على اعتقالها رغم معارضة جميع الكتل النيابية والفصائل ومؤسسات المجتمع المدني، خصوصًا الحقوقية، لهذا القرار.
كل ما سبق يدل على عدم توفر القناعة والإرادة لفعل أي شيء سوى تدمير الذات، واعتبار بقاء السلطة إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا هو الهدف المقدّس، إلى أن تستأنف المفاوضات التي تهدف إلى حماية السلطة من الانهيار أو التغيير.
ما سبق غيض من فيض، بدلالة ما يجري في وزارة الصحة بإغلاق مستشفيات، وكيفية التعامل مع الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المؤسسات، وما جرى مع مؤسسة محمود درويش، وغيرها الكثير؛ ليدل على أن علامات القيامة الفلسطينية تتلاحق، وهي قد تكون قيامة نحو الأفضل، أي للتجديد والتغيير والإصلاح، بدليل صمود الشعب وانتفاضته وتمسكه بحقوقه وهويته الوطنية، واستعداده للكفاح في أسوأ الظروف، أو قد تكون مدخلًا نحو الفوضى والانهيار والدمار والاقتتال، وإعادة صياغة السلطة لتكون سلطة لا تكتفي بالتعايش مع الاحتلال وإنما تقبل ما يعرضه من حلول تصفوية.
بقلم: هاني المصري