مقابلة مع الشاعر الفلسطيني طلال حماد
تاريخ النشر: 04/03/16 | 9:51*شاعر وقاص ومترجم، كتب وترجم من العبريّة والفرنسيّة، في جرائد ومجلاّت فلسطينيّة وعربية، وهو من مؤسسي المسرح الفلسطيني ابن مدينة القدس، حيث ساهم في نشوء الحركة المسرحيّة في فلسطين المحتلة، اتخذ تونس له مستقرا، من مؤلفاته الروائية والشعرية «ما لم أقله لأحد بعد»، «الريح شديدة في الخارج»، « فصول من الرحلة المستمرة»، «الحلم ورجال بلا وطن»، «الآن في القدس القديمة»، «القدس في مهب الريح»، «طلّ على وردة روحي»، «موت غامض وتفاصيل أخرى».. وأخيرا أطلّ علينا بمجموعته الشعرية الجديدة «أعرف أنني لا أموت في القدس»..
• سمعنا أنّك أصدرت مؤخرا مجموعتك الشعرية الجديدة؟
– نعم جديدي هو مجموعة نصوص شعرية بعنوان «أعرف أنني لا أموت في القدس» وقد صدرت في 2015 عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان/ الأردن في 272 صفحة من القطع المتوسط ومن العناوين الداخلية للمجموعة: من سيرة الفصول الأربعة. الحاكم الأخير. دعني أتنفّس. صدري لوحة الرماية. قلبي حبّة قمح. من فيسبوكيات تونس. الطاغية. عن سعد وحمّام الشط. دمٌ في الشام. الشهداء سيعودون حتماً. ما الذي تبقّى لنا؟. نحتاج إلى موت أقل. مَن فوق الشجرة ومَن تحتها؟. هي فوضى، فلا تغنّ وحدك. من الذي ابتلع الذئب؟. من قطع الأصابع وبعثر السكر؟. أنا وطنٌ في قذيفة.
الآن أنا بصدد إعداد مجموعة جديدة للنشر في تونس.
• ما هي الأبيات التي تستحضرها من الديوان ؟
-هي كثيرة وعلى سبيل المثال:
قولي أنّك حُرَّة
قبلي
وَمَعي
وَتَظلّينَ كذلك بعْدي
قوليها عالِيَةً
كي أعلِنَ جَهْراً
أسْباب الثورة
ضِدّي
فأنا أحتاجُ إلى غَضَبٍ
يَنْفُضُني
وَيُجَدِّدُني..
• اقترب موعد معرض تونس الدولي للكتاب، فما هي انتظاراتك كشاعر؟
-أنتظر من معرض تونس الدولي للكتاب أن يخرج عن المألوف في دوراته خلال السنوات الأخيرة وذلك بالاهتمام أكثر بالكتب الثقافية والأدبية والفنية التي تعنى بالمسرح وبالسينما وبالفنون الإبداعية بشكل عام. بالكتب التي تعنى بالنقد وبالتحفيز على التفكير والخلق. بالكتب التي تعنى بالحياة على الأرض وبإبداعها والدعوة إلى تعميم الجمال والمحبة والتسامح ورفض التعصب والتطرف والحرب، بالكتب التي تنبذ القتل والاغتصاب والتمييز ضد المرأة واضطهاد الأقليات. الكتب التي تعلي من شأن الإنسان على اختلاف جنسه ونوعه ولونه وعرقه. الكتب التي تمنح الشباب المعرفة بماضيه وحاضره وتشجّعه على الاهتمام بمصيره والمساهمة في صياغة مستقبله بما يرقى به وبمجتمعه وكذلك الكتب التي تنمّي فيه حسّ المواطنة والمحافظة على الوطن والارتقاء به لا تهديمه وتخريبه. وكتباً تعليمية ترفيهية للأطفال تربي عندهم ذائقة منفتحة وتنمّي لديهم حب البحث عن المعرفة والسعادة على هذه الأرض، وفيما سيأتي، بعيداً عن التخويف والترهيب بما وراء السماء أو تحت التراب. كتباً تعلّم التنفس وتعلّم أهمية الأوكسجين وحاجتنا إليه، وتعلّمنا ثاني أوكسيد الكربون وما يضرّنا به ويؤذينا.
وفي الأخير، إن لم يكن بالإمكان تعدّد أماكن العرض، بمعنى انبثاق معارض صغيرة تابعة للمعرض الأم في مكتبات معينة أو مدن أخرى، أليس من المجدي توزيع أماكن عقد الندوات والأمسيات الشعرية في مراكز ودور الثقافة القريبة من المواطن وسط العاصمة أو الأحواز مثلاً؟
• هل تعتقد أن حرية التعبير في تونس ساهمت في خلق منتوج ثقافي مميز؟
-حرية التعبير لا تعني إبداعا. حرية التعبير تساهم في اشاعة القول والرأي. الكاتب يحتاج إلى الحرية. الأديب والشاعر والفنان كذلك. يحتاجون إلى الحرية التي لا تعني حرية التعبير كما يشاع لها. في ظل القمع يكتب الروائي والقاص والشاعر ويرسم الفنان حريته. في ظل الفوضى أيضا يكتب حريته وحريته مبدأ وتعبير في الآن ذاته. هي حرية المبدأ وحرية الرأي وحرية الفكر وحرية التصوير والاستعارة وحرية اختيار الأحداث ومعالجتها أدبياً.
لذا يجب أن لا يتم الخلط ما بين حرية الإبداع الحرة ( أي غير الجامدة وغير المنغلقة) وحرية التعبير المنفلتة التي تتجاوز كنهها إلى التحدّث في كلّ شيء دونما ضابط أو وازع من ضمير أحياناً أو من أخلاق أحياناً أخرى ووصلت حدوداً دنيا من الحوار أو التعليق أو التعبير أو ردود الأفعال في الفضاءات السمعية البصرية والمقروءة.
وحرية التعبير هذه ليست هي التي ساهمت في ظهور منتج ثقافي أدبي أو فني متميّز، وإنّما إدراك المبدع ( روائيّاً أو شاعراً أو مسرحيّاً أو سينمائيّاً أو فنّاناً تشكيليّاً) للفرق ما بين حرية الإبداع ( أو الإبداع الحرّ) وما بين فوضى التعبير باسم الحرية، واستخدامه لما يسمّى بحرية التعبير خدمة لحرية الإبداع والإبداع نفسه.
مع الإشارة إلى أنّ ما حدث في تونس من تغيير في شكل وماهية النظام السياسي طغى على كلّ تغيير على المستوى الاجتماعي أو الثقافي. ولم تحدث تلك الطفرة الثقافية التي تنهض بالوضع الاجتماعي أو ترتقي بالوضع الثقافي وربّما تأثرت الثقافة نفسها (والمجتمع برمته) بعدم ثبات الوضع السياسي أو وضوحه رغم ما طرأ عليه من تغيّرات ودخول عناصر ومكونات جديدة عليه، كما لو أنّ ما حدث سحب البساط من تحت أقدام الجميع فاختلت بهم الأرض فأصبح كلّ منهم يتشبّث بما يعتقده حبل نجاة وسط طوفان من التدافع والإزاحة والمطالبة ووضع اليد والحيازة وظهر على سطح الحياة والأحداث ما لم يكن بارزاً من عنف ومن نقمة ومن عدمية ومن غيبية مغرقة في السواد، كما لو أنّه كان مخبّأً في أعماق النفس إلى حين رفع الغطاء عنه، وهو ما يُذهل في التجربة التونسية (بما يعنيني)، تلك التجربة التي قد تَنْحَتُ في صخر العقل العربي (الإسلامي) سبيلاً مغايراً للخروج من دوامة هذه الفوضى لتنهض فوق ما يحيط بها من خراب.
ويظلّ أنّ ما يطفو على السطح من نتاج ثقافي أدبي أو فني (في غياب أيّ نتاج فكريّ مغيّر أو مؤثّر) هو نتاج فردي ومحدود ( في غياب وحدة ثقافية منسجمة أو وحدات متناقضة ومتنافسة/ متصارعة كذلك).
• بالحديث عن إيجاد سبيل مغاير للخروج من دوامة الفوضى.. حسب رأيك كيف نخلق جيلاً محصناً من الدمغجة .. يكون متحرراً وحرّاً وله فكر نقدي؟
– بإعادة النظر في المنظومات التربوية والتعليمية. مراجعة نظام التعليم الأساسي وحده لا يكفي. التعليم الجامعي أيضاً بحاجة إلى إعادة اعتبار. البحث العلمي بحاجة إلى تقييم وإلى تقويم وإلى حرية في تنويعه وتجديده. الإعادة والتكرار والنقل والاستنساخ لا تقدّم لا في البحث ولا في الدرس ولا في المعرفة. البحث في المعرفة وعنها يحتاج إلى دفع. يحتاج إلى حرية تجاوز المألوف والمعروف. يحتاج إلى سؤال جديد. يحتاج إلى عصر تدوين جديد يقطع مع عصر الانحطاط.
– بإعادة الاعتبار إلى الثقافة في المدارس. الابتدائية والإعدادية والثانوية. وفي الجامعة أيضاً. لا بدّ من المسرح المدرسي. لا بدّ من الرسم. لا بدّ من الثقافة العامة المدنية والحقوقية. لا بدّ من تعليم المواطنة في المدارس. لا بدّ من إعلاء قيمة المطالعة المتعدّدة والمتنوعة في المدارس. لا بدّ من فتح الأبواب المغلقة أمام السؤال/ الأسئلة وفسح المجال للسائل أو السائلة بالمشاركة في إيجاد الجواب.
ومن أجل الحصول على تربية جيدة وتعليم جيد لا بدّ من التقييم. تقييم الموجود من مناهج ومن معرفة في الكتب المستخدمة للتدريس وتقييم الناقل لتلك المناهج وتلك المعرفة أي المعلم والأستاذ على السواء. والتوقف عن أسلوب الحشو في التدريس بفسح المجال أمام السؤال والنقاش والتفاعل والبحث والفهم. فمشاركة التلامذة في درسهم درس. ومشاركة التلامذة في درسهم فهم. واليوم، بتطور الأدوات والأساليب أصبحت المعرفة أقرب باللمس وبالرؤية وبالحس وبالسمع وبالصنع. نحتاج إلى المحفوظات لكننا نحتاج أيضاً إلى التعبير. والتعبير قولاً وكتابة وسؤالاً ورسماً. والتعبير فكرة واقتراحاً ومشاركة. تماماً كما نحتاج إلى الاكتشاف. الاكتشاف العلمي واكتشاف الطبيعية والآثار والمعالم التاريخية وطرق العيش وأساليب الحياة.
وربّما، شيئاً فشيئاً، تعمّم فكرة المدرسة المتنقلة والدرس المتنقل. المدرسة التي تخرج من أسوارها. والدرس الذي ينزل عن المقاعد المدرسية ليمشي في الطبيعة وفي الجبال. الدرس الذي يرقص ويردّد الغناء بينما المعلم يغني. المعلم الذي يشارك تلاميذه الفرح بدل التجهّم والتلويح بالعقاب. ويعلّم تلاميذه متعة الإنصات للأصوات الكامنة في الكلمات عن الحياة والتمييز بينها وفي الأرقام والمعادلات التي تبني عقلاً رياضيّاً هندسيّاً لا يتوقّف عند جدول الضرب بل يزرع الحياة على أطراف جداول الماء. ويجعل تلاميذه يحبون درس العلوم ودرس الرياضيات والتربية المدنية والتاريخ واللغة والأدب كما يحبون الرسوم المتحركة واللعب بالمكعبات.
علينا أن نعلم أبناءنا وبناتنا أنّ كل شيء في حياتنا من أجل أن نستحق أن نحياها يُكتسب ولا يُعطى. يُكتسب بالعلم وبالمعرفة وبالتدرب وبالسؤال وبالبحث وبالتجربة وبالعمل. نكتسب العلم والمعرفة لنكسب الحرية. ونكتسب الحرية لنكسب الحياة.
يجب أن نعلمهم، في البيت وفي المدرسة، أنّ العلم والمعرفة والحرية والعمل، مكسب لكنها أيضاً قيمة. قيمة تنتج قيمة الحياة التي نستحقها. وهي عكس الاتكال والخنوع والتبعية والجهل، وضدّ الإهمال واللامبالاة والموت. الموت المعنويّ في الحياة والماديّ خارج الحياة أو بعدها.
بقلم: سيماء المزوغي